“الإخوان المسلمون”.. مرة أخرى
محمـد السنان*
بعد نشر مقالتي في صحيفة “صُبرة” قبل أسبوعين بعنوان “علاقة الإخوان بوكالة المخابرات المركزية ” (CIA) تلقيت عدة مكالمات ورسائل نصية عبر الواتساب من بعض الأصدقاء كانت في مجملها إطراء واقتراحات بمواصلة تسليط الضوء على هذا التنظيم الإرهابي، الذي زعزع الاستقرار ليس في دول العالم العربي وحسب بل وفي العالم بأسره.
قبل الثورة الشعبية التي أطاحت بالرئيس المصري حسني مبارك في عام2011م كنت أظن أن الإخوان قد صرفوا النظر عن أهم أهدافهم في الوصول إلى الحكم بعد حادثة المنصة التي قتل فيها الرئيس أنور السادات، وبعد أن أودع كبار قادة التنظيم في السجون وتفجر الخلافات ما بين القيادات البديلة والتي نتج عنها انقسامات كبيرة داخل التنظيم. إلا أن الواقع أثبت عكس ذلك. ففي أثناء المظاهرات والاعتصامات الشعبية في القاهرة والأسكندرية ومحافظات أخرى كثيرة ضد حسني مبارك والتي كانت تطالب بتنحيته عن الحكم بعد أن تفشى الفساد في كل مفاصل الدولة مستلهمين حراكهم من الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي في تونس. وجد تنظيم الإخوان ضالته في اختطاف الثورة بعد أن تيقن له بأن القائمين على الحراك شباب لا ينتمون إلى تنظيمات أو أحزاب توجههم، وأن هدفهم الأساسي الإطاحة بنظام حسني مبارك دون أن يكون لديهم برنامج أو أهداف واضحة لمرحلة ما بعد حسني مبارك. أي بمعنى آخر أن الحراك الشعبي كان عشوائياً وفوضوياً، ولم تكن له قيادات توجهه سوى التحريض الذي كانت تقوم به مجموعة من شباب الفيسبوك والذي كان من أبرزهم وائل غنيم، برغم بروز بعض الشخصيات السياسية التي حاولت استمالت الحراك لصالحها مثل حمدين الصباحي ذو التوجه الناصري، ومحمد البرادعي (المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية)، وهو إخواني لكنه كان يخفي إخوانيته. في حين بقيت الأحزاب الليبرالية واليسارية تراقب التطورات في الساحة دون أن يكون لها أي دور إيجابي باستثناء حركة (كفاية) التي كانت مساهمتها في الانتفاضة بدون بوصلة موجهة. ومن هنا وبعد أن تأكد للإخوان أنه ليست هناك أحزاب أو تنظيمات تقف وراء ذلك الحراك، سارعت إلى تنظيم صفوفها وملئ الفراغ القيادي فشرعت في الانخراط داخل صفوف المتظاهرين وأخذ زمام القيادة والتوجيه وتجيير الثورة لصالحها تحت مسمى حزبي جديد (حزب الحرية والعدالة)،
وبعد ترجل حسني مبارك من السلطة ظهرت على السطح شخصيات عديدة أرادت أن تجني ثمار الثورة برغم عدم مساهمتها بأي نشاط يذكر فيها. نذكر منهم: أحمد شفيق (رئيس وزراء مصر السابق)، حمدين صباحي (مؤسس حزب الكرامة)، عمرو موسى (أمين عام جامعة الدول العربية السابق)، عبد المنعم أبو الفتوح، محمد سليم العوا، ومحمد مرسي (حزب الحرية والعدالة). وهؤلاء هم من ترشحوا للانتخابات الرئاسية في يونيو عام 2012م مع مرشحين آخرين أيضا.
وبرغم كرهي الشديد للإخوان ولمنهجهم السلفي المتخلف ولشعاراتهم التي كانوا يلبسوها جلباب الإسلام ويسوقوها للبسطاء والفقراء، إلا أنني لم أقف منهم موقف العداء أثناء الانتخابات، وكنت انطلق من قاعدة ديمقراطية تؤمن بحرية الرأي، وحرية المعتقد وحرية التعبير وحرية العمل الوطني الذي لا يحتكم إلى العنف لفرض رأي جماعة على الأخرى.
ورغم قناعاتي بأن حركة الإخوان المسلمين لا تعترف بالديمقراطية كمنهج سياسي واجتماعي، وكانت وما زالت تعتبر الديمقراطية مذهبا سياسيا غربيا ابتدعه الكفار في الغرب ومن ثم صدروه إلى دول العالم لإفسادها، متناسين بأن جوهر الدين الإسلامي قائم على هذا المبدأ والمتمثل في الشورى. إلا أنني كنت دوماً أتساءل ما الذي يمكن أن يحدث لو وصل التنظيم الإخواني إلى هرم السلطة في مصر؟! وما هو الحل الجاهز لديهم لمشاكل البلد المتراكمة والمتفاقمة من خلال الشعار الوهمي الذي أطلقوه (الإسلام هو الحل)! كيف سيستطيعون حل كل المشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية؟ وما الذي سوف يحدث للفنون الجميلة من مسارح ودور سينما ودور أوبرا ومعاهد موسيقية، وما هو مصير المتاحف التاريخية بآثارها العظيمة التي تروي حضارة عمرها سبعة آلاف عام! وما الذي سيفعله هذا التنظيم تجاه خصومه من ليبراليين وعلمانيين؟ وما الذي سوف يحل بالمسيحيين وبكنائسهم باعتبارها – من وجهة نظرهم – دور عبادة للمشركين! وماذا سيكون حال المرأة المصرية ومكتسباتها التي حققتها على مدى قرن من الكفاح والنضال كي تحصل عليها؟
هذه الأسئلة لن تجد لها جواباً إلا إذا أجريت انتخابات حرة وفاز فيها الإخوان.
فبعد الإطاحة بالرئيس حسني مبارك، وبدأ الإعداد لاستبدال النظام القديم بنظام ديمقراطي وانتخاب رئيس للجمهورية عبر صناديق الاقتراع، بدأ الإخوان إعادة تنظيم صفوفهم واقتحام معركة الانتخابات باعتبارهم شركاء في الثورة، وبدأوا الإعداد لتغيير منهجهم المناهض للديمقراطية والاعتراف بها طالما أنها أصبحت المطية المتاحة والأسهل لهم لتسلق هرم السلطة في البلاد وتحقيق حلمهم الذي انتظروه زهاء تسعون عاما. وبرغم أنني كنت أميل إلى برنامج حمدين صباحي ذي التوجه الناصري الذي يضم في صفوفه نخبة من الليبراليين الوطنيين وتدعمه غالبية الأحزاب اليسارية والتقدمية، إلا أنني كنت أتمنى أن تكون نتائج الانتخابات تأتي لصالح الإخوان، ليس حبا فيهم ولا اقتناعا بمنهجهم، ولكنني كنت أنتظر لأرى ما الذي سيفعله الإخوان بعد أن يصبحوا هم الحكام، وكيف سيضعون شعارهم (الإسلام هو الحل) موضع التنفيذ. كنت أراهن على أن نهاية الإخوان المسلمين سوف تأتي من داخل التنظيم الإخواني نفسه، فوصولهم إلى السلطة سوف يصب في مصلحة الشعب المصري بصورة خاصة وفي مصلحة العالم العربي بشكل عام، ذلك أن الإخوان سوف يواجهون الواقع بكل مشاكله وتعقيداته وهم لا يملكون أي سلاح سوى شعار (الإسلام هو الحل)، هذا الشعار الذي استخدموه على مدى عقود لتخدير البسطاء والسذج من أبناء الشعوب العربية التي عادة ما تجتذبها مثل هذه الشعارات الدينية الفضفاضة باعتبارها شعوبا محافظة. والسلاح الآخر هو الإرهاب الفكري المدعوم بالبندقية لتصفية خصومهم في الرأي. وهذان السلاحان لن يقدرا على تقديم حلول لمشاكل الشعب المصري. وبذلك سوف تنكشف للشعب زيف شعاراتهم.
فعندما جاءت نتيجة الانتخابات لصالحهم وتسلموا مقاليد الحكم ازداد فضولي. فبدأت أرقب خطوات الإخوان من خلال خطابات ووعود الرئيس الجديد محمـد مرسي، وبدأت أعد الأيام لأرى ما الذي سيفعله مرسي خلال المائة يوم التي وعد بأن يحل خلالها الأزمات التي يئن تحت وطأتها الشعب المصري والتي تراكمت واستفحلت على امتداد أربعة عقود ابتداء من عهد أنور السـادات وسياسة الانفتاح التي قضت على الطبقة المتوسطة وأبقت على طبقتين فقط، طبقة الفقراء المعدمين وطبقة الرأسماليين بثرائهم الفاحش، ثم جاء عهد حسني مبارك لتتوسع الفجوة بين هاتين الطبقتين ويتفشى الفساد ليصبح ورما سرطانيا داخل كل مفاصل الدولة لا يمكن علاجه إلا بعملية جراحية يتم من خلالها استئصاله بالكامل. ومرت الأيام والشهور، ولم ير الشعب المصري ولا العالم بوادر إصلاحات اقتصادية أو سياسية، بل كان كل هم الرئيس الجديد هو تمكين الحزب من الهيمنة الكاملة على أجهزة الدولة. وازداد الوضع سوءا، وبدأت قاعدتهم الشعبية تتفكك، كما أن بنية التنظيم الداخلي للحزب أخـذت في التآكل بعد أن دبت الخلافات في داخله وانشقاق بعض من قياداته، واستشرى الفساد بعد أخونة كل مفاصل الدولة ووصلت الأمور إلى طريق مسدود مما استدعى أن يثور الشعب عليهم ويزيحهم عن السلطة بدعم من قواته المسلحة الوطنية.
وهكذا أسدل الستار على آخر فصل من مسرحية الإخونجية في مصر بعد أن انكشفت حقيقتهم وانتهازيتهم وبذلك أدخل التنظيم الإخواني في غرفة العناية المركزة بانتظار صدور شهادة وفاته. ولكن الحقيقة المؤلمة هي أن هذا التنظيم يعيش كالقطط بسبعة أرواح (حسب المعتقد السائد في معظم حضارات العالم)، فبعد تلك الضربة التي أطيحت به من السلطة، ها هو اليوم يعود إلى معترك الحياة ليمارس نشاطه بأكثر شراسة ورعونة بعد أن تمكن من فرض هيمنته على المؤسسة الدينية في مصر ممثلة في الأزهر وكذلك التغلغل في المؤسسة القضائية، وفرض سلطتهم على معظم أجهزة الإعلام التي أصبحت تجاملهم وتسترضيهم وتكثر من استضافة قيادات هذا التنظيم مثل عبد الله رشدي الذي لا يتورع عن تكفير مخالفيه.
ـــــــــــــــــــ
*كاتب وباحث ومؤلف موسيقي
ويش المشكلة انهم يسعون للحكم
مع اني لا اقبل تفكيرهم وتصرفاتهم
الا ان سعيهم للحكم ليس مذمة لان جميع الاحزاب الشرقية والغربية تسعى للوصول الى الحكم وتنفيذ برامجها في قيادة شعوبها
وهناك كلام كثير يمكن ان يقال الا ان المقع لا يسمح به