“كذبة أبريل”.. الفرنسيون بدأوا.. البريطانيون مارسوا.. والعالم صدّق..! 630 سنة من التسلية والغضب والسخرية.. وترويج السلع..!
القاهرة: صُبرة
حتى BBC استخدمت كذبة إبريل، Google، كوكا كولا، برجر كنج، ووسائل إعلام عالمية كثيرة، وحكومات، وشخصيات كبيرة.. وهناك على الأقل 6 قرون على استمرار هذه المزحة التي تسبّبت بفزع حيناً، وغضباً حيناً، وأربكت حكومات وشعوباً.. وأفراداً..!
هناك من كذب ليسخر من الناس، وهناك من فعلها ليُروّج سلعة، وهناك من أراد الإضرار بمنافسين.. وهناك من كذب من أجل الكذب.. والتسلية.. فما هي قصة “كذبة أبريل” المعروفة في بعض الدول العربية بـ “كذبة نيسان”..؟!
لماذا أبريل؟
لم يستقر مفسرو التاريخ على أصل محدد لابتداع ما يعرف بـ”كذبة إبريل” أو بلد المنشأ لها، إذ لا توجد حقيقة مؤكدة يعتمد عليها، كما ليس بمقدور أحد أن يُحدد بالضبط المصدر الأصلي للكذبة، ولكن ثمة شيئاً واحداً يتفق عليه الجميع، وهو أنها مجرد مزحة ومداعبة ومقلب للأصدقاء في هذا اليوم.. وقد نجح بعض الناس ـ وحتى المؤسسات والهيئات ـ ليس في خداع الأصدقاء، فحسب، بل البلاد بأسرها عبر أكاذيب طريفة لفقوها لتنتشر ويصدقها الناس ويقعوا ضحية لها.
ورغم أن يوم اختراع “كذبة أبريل” في أوروبا بالعصور الوسطى غير مؤكد نسبيا. وتتنوع القصص المتعلقة ببدايته، من عطلة مذكورة في حكايات كانتربري لـ”شوسر” في عام 1392 إلى ذكر عبارة Poisson d’avril “كذبة أبريل”، أو حرفيا “سمكة أبريل” للشاعر الفرنسي إيلوي داميرفال (عام 1508) إلا أن بعض المؤرخين، وثّقوا أنها نشأت في بعض مناطق فرنسا التي تحتفل بيوم رأس السنة الجديدة في الفترة من 25 مارس إلى 1 أبريل؛ خاصة بعد تبني التقويم الغريغوري المعدل الذي وضعه شارل التاسع عام 1564م، ليسخر منهم أولئك الذين احتفلوا بليلة رأس السنة الجديدة في 1 يناير باختراع يوم “كذبة أبريل”.. لذا ـ وفق الرواية ـ فإن الأشخاص غير الفرنسيين ـ وبالتالي الأقل تحضرا في تلك الحقبة ـ الذين استمروا في الاحتفال بالتقويم القديم كانوا يتعرضون للسخرية ويعتبرون حمقى!.
وبغض النظر عن الأصل الصحيح لـ”كذبة أبريل” إلا أنه تم التعامل معها بشغف، خاصة في أمريكا الشمالية وبريطانيا كمجتمعات رأت أنها بحاجة للاحتفال بـ”الحمقى” بالتزامن مع عيد الربيع، حتى أصبحت جزءاً من التقويم الشعبي الذي ظهرت معه مفردات ترسخت عبر طقوس باتت أكثر شيوعاً أواخر القرن الـ19، مثل “مهمة الأحمق” و”مطاردة الأوز الجامحة”.. وانتقلت لمجتمعات أخرى في النصف الأخير من القرن الـ20، الذي جمع بين الاتصال الجماهيري والمزاح الأكثر تطورا وربما تهوراً أيضاً.
أشهر أكاذيب أبريل
ـ يرى المؤرخون أن أول “كذبة إبريل” سجلت عام 1698عن “استحمام الأسود”، حيث قيل للناس في لندن، أن يذهبوا لمشاهدة الحفل السنوي لغسل الأسود في برج لندن، مقابل دفع ثمن التذكرة وبالفعل دفع العديد من الأشخاص ثمن التذاكر ولكن ذهبوا إلى البرج ولم يجدوا أسداً واحداً في انتظارهم.
ـ تعود الكذبة الأشهر لعام 1746م، وأطلقتها جريدة ايفند ستار الإنجليزية، عندما أعلنت عن معرض للحمير بمدينة اسلنجتون، حيث صدق الناس وهرعوا لمشاهدة تلك الحيوانات واحتشدوا احتشادا عظيما وظلوا ينتظرون كثيرا فلما أعياهم الانتظار سألوا عن وقت عرض الحمير فلم يجدوا شيئا فعلموا أنهم إنما جاءوا يستعرضون أنفسهم فكأنهم هم الحمير!
بدت الكذبة غير لطيفة للسكان، وظلت محفورة في تاريخ سرد الأكاذيب العظمة حول العالم.
ـ في عام 1905، ذكرت صحيفة Berliner Tageblatt الألمانية، أن اللصوص حفروا نفقاً تحت الخزانة الفيدرالية الأمريكية وسرقوا كل الفضة والذهب، ونشرت العديد من الصحف في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة القصة، واتضح بعد ذلك أن الخبر كذبة إبريل.
ـ في عام 1915، قام طيار إنجليزي بالتوجه إلى تجمعات ألمانية وإلقاء جسم ضخم عليهم من الطائرة ليوهمهم بأنها قنبلة، لكن ما أن وصل الجسم للأرض اكتشف الجنود الألمان بأنها مجرد كرة لا تضر ومرفق معها ملاحظة ساخرة “كذبة إبريل، عسى الله أن يعاقب إنجلترا”.
شعار بي بي سي
ـ في 1 إبريل 1957، أذاعت هيئة الإذاعة البريطانية BBC خبر حصاد محصول المعكرونة بشكل استثنائي في سويسرا، مع عرض بعض اللقطات، وصدق المشاهدون اللقطات المعروضة وتساءلوا عن كيفية الحصول على شتلات وبذور نبتة السباغيتي، التي اتضح بعد ذلك، أنها كذبة.
ـ عام 1965، انتشرت في بريطانيا كذبة عن جهاز يبعث الرائحة من الأفلام التي تشاهدها، وتمت بالتعاون مع بروفيسور جامعي مختص بالتقنية، حيث وضع بعض القهوة والبصل مع أجهزة التهوية لنشر الرائحة، وأثناء مشاهدة الناس للأفلام في السينما تم سؤالهم إذا ما شموا فعلاً الرائحة وكانت أغلب الإجابات إيجابية “يعني انطلت عليهم”!
ـ في عام 1976، ادعى عالم فلك بريطاني بأن توازي كوكب بلوتو مع المشتري سيتسبب في انقطاع الجاذبية عن الأرض «أو انخفاضها» لمدة يوم، وأن الناس إذا قفزت ستصل لارتفاع أعلى، وبالفعل البعض صدّق هذه الكذبة وبدأ بالاتصال ببعض الإذاعات ليفيد بأنه قفز عالياً.
ـ عام 1989م، صمم الملياردير ريتشارد برانسون منطاد هواء ساخن على شكل صحن فضائي. إضافة إلى استئجاره قزماً متنكراً على هيئة كائن فضائي ليُفزع الناس عند خروجه من الصحن. ومن أجل أن تبدو مزحته أكثر واقعية، قام بتزويد المنطاد بأضواء تُومض كل 10 ثواني بشدة كبيرة. ومع شروق الشمس، تناقل الناس خبر مشاهدة صحن فضائي في سماء لندن!
وهرعت الشرطة والجيش للتعامل مع هذا الحدث الطارئ! وكان برانسون يُخطط للهبوط في هايد بارك، لكن بسبب سوء الأحوال الجوية، هبط في ساري فيلد. وعند هبوط الصحن الفضائي، فُتحت البوابة وقفز قزمٌ من بين الثلج الجاف مفزعاً الشرطة والناس. لكن برانسون كشف عن مزحته وتلقى تهديداً من الشرطة بالاعتقال لكن لم يُتخذ ضده أي إجراء قانوني.
ـ عام 1992، ظهر الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون الأمريكى في خطاب للشعب، معلنا نيته الترشح للرئاسة مرة أخرى، لكن الرجل الذي كان يتحدث لم يكن نيكسون، والجزء الإخباري الذي بث الإعلان لم يكن حقيقياً، الأمر الذي أثار غضب كثير من الأمريكيين المعارضين لفكرة ترشحه للرئاسة مرة أخرى، وشعروا بالسعادة بعد ذلك عندما علموا بأنها كذبة إبريل.
ـ قامت شركة «كوكا كولا» بإطلاق كذبتها الخاصة بشهر إبريل 1996م، حيث قالو إن المشروب في حالة انتهاء تاريخه ستتحول علبته إلى اللون الأزرق، وفي هذا «خبث مبطّن»، حيث إنهم أرادوا أن يبعدوا الناس عن علب «الكولا» الخاصة بالشركات المنافسة الزرقاء.
ـ في أبريل 1998، قامت شركة Burger King بنشر قائمة طعام جديدة كانت خاصة فقط بأصحاب اليد اليسرى وأشارت إلى أن الطعام الخاص بهم سيحتوى على مكونات مقلوبة تماماً، وكانت استراتيجية ناجحة دفعت نسبة كبيرة من الـ 32 مليون شخص من ذوي اليد اليسرى في أمريكا إلى شراء البرجر.
ـ في 1 إبريل 2005، أعلنت شركة «جوجل» عن طرح مشروب يؤدي إلى تحفيز الذكاء والتفكير لدى الإنسان، لكن سرعان ما تبين أن الأمر مجرد خدعة.
ـ عام 2007 في مقاطعة ديربيشاير شرق إنجلترا، ادعت بعض الوسائل والمواقع الإلكترونية إيجاد جسم جنية صغيرة عن طريق كلب مدرّب، وقد أثارت ضجة كبيرة حينها، وقد وصل الخبر لـ20 ألف زيارة في موقع واحد حينها في نفس اليوم. وبعد انتهاء اليوم تم اكتشاف الشابين اللذين خططا لهذه الكذبة، وقد كان ردهما بأنهما فقط أرادا أن يعرفا من سيصدق هذه القصة من الناس، ولم يتوقعا هذه الضجة الكبيرة.
ـ عام 2008، ادّعت الـ BBC وجود بطاريق طائرة في القطب الشمالي وذلك عن طريق بث فيديو مفبرك في شهر إبريل من عام 2008، وكان الفيديو من أكثر المقاطع متابعة حينها.
ـ في عام 2014، انضمت شركة «جوجل» لصفوف الشركات التي تستخدم كذبات إبريل، حيث نشرت لعبة بوكيمون، وأشارت إلى أنه يمكن للاعبين استخدام خرائط «جوجل» للبحث عن Pikachus و Bulbasaurs واللحاق بهما، والجائزة عبارة عن التحاق بوظيفة في «جوجل»، باسم «Pokémon Master»، والتي اتضح بعد ذلك أنها كذبة إبريل.
ليست آخر كذبة
“كذبة أبريل” مزحة منتشرة لدى غالبية سكان العالم باختلاف ألوانهم وثقافاتهم، يحتفلون بها بالكذب الساخر والمقالب الفريدة ربما دون شعور بأي ذنب.. لكن ماذا عنك عزيزي القاريء؟ هل لديك الجرأة لأن تعترف ـ ولو بينك وبين نفسك ـ بآخر كذبة.. ربما أقلها أن تكون على زوجتك؟!
كل “كذبة” وأنتم طيبون.