ختمات القرآن.. من “مَدّةْ إيدك” إلى إعلانات “الباقات” المتنافسة "تسليع" لأعمال صالحة.. وتحويل "عبادات" إلى عروض تجارية

صفوى: أمل سعيد

في السابق؛ كان الأجر “على مدّةْ إيدكْ”؛ أما اليوم؛ فقد تحوّل الوضع إلى إعلانات “تجارية” بحتة؛ تقدّم “باقات”، يمكن لـ “العميل” أن يختار منها ما يناسبه، من أجل الحصول على ثواب لروح عزيزٍ عليه..!

هذا ما آل إليه الأمر في “ختمات رمضان”، العادة السنوية الخيّرة، حيث يعمد كثيرٌ من الناس إلى تكليف من يثقون فيهم لختم المصحف الشريف، بنية إهداء ثواب قراءة القرآن لأرواح أحبة وأعزاء متوفين. إنه وفاءٌ محمودٌ، وسجية طيبة، عرفها مجتمع القطيف، وحافظ عليها.

كثيرٌ من الناس يختمون القرآن بأنفسهم، ويُهدون الثواب إلى الوالدين، أو إلى أحبة توفاهم الله. وكثيرٌ من الناس “يستأجرون” من يفعل ذلك بمقابل مالي. العادة قديمة، ولا شبهة فيها، بل هي عملٌ خيّر محسوب الأجر عندالله، إن شاء الله.

فما هي المشكلة..؟

لا مشكلة في استئجار القرّاء من أجل ذلك. ولكنّ هناك ظاهرة أخذت تتنامى في السنوات الأخيرة؛ هي تحوّل العمل التعبُّدي إلى “حملات تسويق”. ومع اقتراب شهر رمضان المبارك، تنتشر وتتناثر رسائل العروض “المتنافسة”، في رسائل الختمات القرآنية والأدعية.

سلع مختارة

رسائل مصمّمة على غرار “الباقات” التجارية.. الختمة وحدها بكذا ريال، الدعاء المعروف بكذا ريال، الاستغفار بكذا ريال، التهليل.. الصلاة الفلانية..!

وبنظرة سريعة على سيل الإعلانات التي تسبق الشهر الكريم، تجد أن قراءة القرآن والأدعية أصبحت أقرب إلى سلع تعرض، أو بباقات مسبقة الدفع، وللمستهلك أن يختار المزايا التي يرغب في شرائها، ليمنحها بدوره لمن يحب.

كل شيء بثمن

في إعلان الختمات تتراوح الأسعار وتبدأ بـ ” الإهداء مقابل مبلغ مادي بما تجود به الأيدي علما بأن المبالغ تصرف في مجلس أهل البيت ولخدمتهم فقط”، وهنا تحصل على “أعمال ليلة 19 و20 و21” من الشهر الكريم، وهي أعمال وعبادات مخصوصة بهذه الليالي.

ويزيد العرض فيتحدد السعر “كل هذا بسعر رمزي 5٠ ريال فقط لا غير”، و “كل هذا”.. تشمل: ختم القرآن كاملاً، بالإضافة إلى الصلاة المحمدية، وزيارة الحسين وأخيه العباس عليهما السلام.

ونصل لـ 100 ريال وحزمة من الأدعية والصلوات مع قراءة ما تيسر من القرآن، تختلف من قارئ إلى آخر، وهناك باقة “١٥٠ريال فقط” وهي “لسنه كاملة” و “تناسب الجميع”، ففيها يحظى المتوفى بتشكيلة واسعة من الأعمال والزيارات والصلوات لا ينافسه فيها إلا من اختار الباقة الأغلى، وهي باقة 200 ريال.

الأعمال هنا كثيرة، فمن الختمات القرآنية على مدار العام، بمعدل ختمة في كل شهر، إلى أدعية الأيام والزيارات المخصوصة، والكثير من التسبيح والحوقلة والاستغفار، بالإضافة إلى أدعية شهر رجب وأعماله الخاصة.

وبعضهم يزيد العمرة الرجبية، وصدقة بسيطة، وأدعية شهر رمضان كدعاء الافتتاح (وهو أول ما يقرأ من الأدعية، وسمي الافتتاح، لأنه يبدأ بجملة “اللهم إني أفتتح الثناء بحمدك” وهناك الدعاء المعروف بـ “الجوشن الكبير”، وهو من أهم الأدعية التي يداوم على قراءتها الناس في ليالي القدر من رمضان، وأعمال شهر ذي الحجة.

سنة كاملة وينتهي اشتراكك في الخدمة.. ويقول أحد الإعلانات “من يشترك يسجل الشهر اللي يسجل فيه، علشان إذا كمّل سنه ويبغى يجدد يعطيني خبر”، بهذه الجملة يختم الإعلان، موجهاً الراغبين بالتجديد إلى حفظ موعده.

ناشر الإعلان

وفي كل هذه الإعلانات لم ينس أصحابها مكافأة ناشر الإعلان، فبينا اكتفى مصممو الإعلان بقولهم “الدال على الخير كفاعله، والأجر مضمون إن شاء الله” وعده بعضهم بـ ” دُعاء خاص بقضاء الحوائج والشفاء ونيل المراد لكل من يساهم ويشارك في نشر هذا الإعلان”، ووعده آخرون بـ “ثواب أربعين ليلة صلاة الليل لمن ينشر الإعلان”…!

ظاهرة تسليع

إنها ظاهرة بدأت، وهي آخذة في النموّ في الأوساط الشعبية، وانتشارها التجاري يُشير إلى وجود وسط استهلاكي يتأثّر ويغذّي انتشارها أيضاً. والفارق الجوهري بين “المقبول” و “غير المقبول” غير واضح لدى جمهور “المستهلكين” الذين يُريدون ـ بصدق ـ أن يُكرموا موتاهم بالدعاء والعمل الصالح..!

هنا يبرز دور علماء الدين للتعامل مع الظاهر وتبصير الناس بما هو “شرعي” وما هو “تجاري”، حتى لا تتحول تلاوة القرآن والأدعية والأوراد إلى “سلع” تجارية خاوية..!

استئجار القرّاء عملٌ مشروعٌ وسليمٌ، وهناك كثير من المؤمنين يعملون في هذا منذ سنواتٍ طويلة، من دون أن يلجأوا إلى “حملات التسويق” و تقديم “الباقات” و “العروض”..!

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×