دمعة ساخنة لثلاثية “الباسكت” الأخيرة في “العوامية” منصور الإبراهيم.. أسطورة "السلام" الذي فقدناه

القطيف، العوامية: شذى المرزوق، حسين العطل

قبل أن ينطفيء ضوء نهار اليوم الاثنين؛ كان الكابتن منصور الإبراهيم في طريقه إلى أولى منازل الآخرة. شيّعه سكان مسقط رأسه، العوامية، إلى مثواه الأخير في مقابر البلدة، بحضور شخصيات رياضية عرفت الراحل على مدى 3 عقود، إنساناً، ورياضياً، ومواطناً قدّم لأهله ومجتمعه ووطنه ما استطاع أن يقدّمه.

الدمعة ما زالت ساخنة، والرثاء ماثلٌ في الوجوه، كما في الألسنة، ومشهد الرحيل الأخير، بعد 3 سنوات من مصارعة السرطان؛ يرتسم تحت ضوء شمس نهار العوامية الحزين.. إنه البطل الذي كان يحمله زملاؤه في أوقات النصر؛ وهاهم أحبته يحملونه ـ عصر اليوم ـ على نعش الوداع.

محمولاً على أيد زملائه منتصرين

محمولاً إلى مثواه الأخير في العوامية

شاهد الفيديو

قليلون هم الذين يتفق الناس على أنهم رجال إنجازات .. وقليلون هم الذين استطاعوا أن يكسبوا الحب والتقدير مهما تعددت المنافسات وتضاربت الانتماءات.

فقيد القطيف والوطن رياضيا واجتماعياً، الكابتن منصور الإبراهيم مدرب كرة السلة في نادي السلام ومدرب المنتخب الأسبق، الذي رحل عن دنيانا أمس، واحد من هؤلاء المخلصين الذين حازوا الإعجاب والتقدير أحياءً، وبكتهم القلوب أمواتاً.

في آخر تغريدة له، عصر الجمعة الماضية علق الإبراهيم على مستوى كرة القدم في ناديه الأثير السلام بالعوامية متسائلاً: “قدم السلام كيف الحال؟ لسه في سبات؟” كان انتقاد “المحب” في اللحظات الأخيرة، فلفت انتباه لمتابعته لكل تفاصيل الأنشطة الرياضية في ناديه الذي قضى معه أكثر من 30 عاماً، حيث لا تقتصر متابعته على أنشطة كرة السلة التي بدأ فيها لاعباً بمختلف الفئات السنية قبل أن يعود مدرباً وموجهاً للسلة ولغيرها.. فنجد أنفسنا في النهاية أمام شخصية رياضية متنوعة وعاشقة بالانتقاد حينا، والتوجيه حينا آخر، والتحليل الفني غالباً.

ولأن الفقد كبير، حاولت “صبرة” معرفة المزيد عن شخصية الراحل والجوانب الأخرى من حياته التي امتدت لـ56 عاماً، ورغم صعوبة الموقف إنسانياً وسط الصدمة، إلا أننا استطعنا تسجيل هذه اللقاءات:

 

رجل الإنجازات

“لا يجامل في العمل، صريح، واضح، ودقيق، يهتم بأدق التفاصيل ويتابع بشغف” هكذا يصفه صديق دربه المعلق الرياضي حسين الأحمد ـ الذي لازمه لأكثر من 25 عاماً، وكان رفيقه في عمله موظفاً في سكيكو وزميله في المجال الرياضي ـ مضيفاً أن الفقيد يعتبر “رجل الانجازات المحلية والوطنية في كرة السلة” فقد نجح بالوصول بسلة السلام إلى مصاف الممتاز، وحقق معها الكثير من البطولات التي تضاف لسلسلة الإنجازات السعودية بشكل عام.

وعن بدايتهما معا، يذكر الأحمد أنهما تدرجا من  لاعبين  في الفئات السنية بنادي السلام، إلى الدرجة الأولى ومنه انتقلا لنادي القادسية، وحققا معه الصعود للممتاز، في فترة سميت بفترة الحصان الأسود خلال 3 سنوات متتالية، وصولاً للعب مع المنتخب وتحقيق البطولات قبل أن يعود هو مدرباً للسلام وأنا للتعليق الرياضي.

الصديق “الحبّاب”

الأحمد الذي بكى “صديقه الحبّاب” ـ على حد تعبيره ـ أضاف أن الفقيد كان لطيف المعشر دائم الابتسامة، وكشف بعض تفاصيل رحلة المرض الأخيرة التي أرهقت جسده، إلا أنه بقي صافي الذهن قوي الإرادة ودائم العطاء بتفانٍ وإخلاص، وقال: “رغم رحلة العلاج في أمريكا واستكمالها هنا إلا أنه بقي متابعاً لأحوال النادي والتدريب وكرة السلة وبقية الأنشطة حتى آخر أيامه”، مبيناً أنه ـ رحمه الله ـ ظل محافظاً على مسؤوليته، حتى مع ظروفه العائلية والتزاماته التي كانت لتعرقل حياة ومسيرة أي شخص يقع تحت ضغط هذه الظروف لكن الإبراهيم كان على قدر التحدي، فتجاوز فترة رعايته لأخوته بعد وفاة والدهم حتى تمكنوا من الاعتماد على أنفسهم، خسر في هذه الأثناء أخاه رضي الذي توفي قبل أعوام، وكان سنده الأول ولكنه استمر في إدارة مسؤوليته تجاه عائلته، وتجاه ناديه، ومجتمعه، لم يتوقف وبقي يحقق الإنجازات والتميز، ومثل ذلك عندما أصيب ولده “معاذ” إصابة بليغة أثرت على جسده وبات مقعداً لايستطيع الحراك ومع ذلك حقق إنجازات رياضية في جانب، وإنجازاً كبيراً في رعايته لصحة ولده ومتابعته الطبية حتى تجاوز المحنة التي كان فيها خلال سنتين من العلاج الصعب والمكثف حتى عاد ولده لممارسة الحياة الطبيعية والمشي والحركة بعد أن كان شبه مشلول لايقوى على الحراك ولاحتى الالتفات.

وعلى المستوى الاجتماعي، لخص الأحمد حياة الإبراهيم، وقال إن الايثار كان عنوانها، فقد كان عوناً ومساعداً للمحتاج من أبناء بلدته، وكذا موجهاً ومتابعاً لمن يحتاج التطوير في اللعبة من اللاعبين، منوهاً أن جميع أبنائه رياضيون ورثوا عن والدهم حب كرة السلة وبالتحديد “أحمد” لاعب متمكن مثل والده.

استراتيجي صبور

من جهته، اكتفى مساعده وزميله الكابتن حسين منصور الشيخ  بالصمت تأثرا بالفقد الكبير، وساعد “صُبرة” على التواصل مع ابن خالة الإبراهيم عضو مجلس الإدارة علي محسن الفرج للحديث عن أبرز منجزات الفقيد، وبدوره قال الفرج: “أبو أحمد صبور جداً يعمل باستراتيجية وقاعدة أساسها التمكين لذلك تجده يسعى بإصرار لمتابعة اللاعبين، وتطوير مستواهم للارتقاء باللعبة ومن ذلك استقطاب الموهوبين من اللاعبين الذين يتوسم فيهم مستقبلًا متميزاً في الأداء الرياضي”.

وأكمل: طيلة 30 عاماً في اللعب والتدريب قضاها الإبراهيم في نادي السلام، حقق خلالها الكثير لم يكن النادي ليصعد في مصاف الممتاز لولا هذا العزم والعمل المتقن على قاعدة إدارية ثابتة لجميع الفئات هذا عدا اهتمامه واطلاعه على جميع الأنشطة، وتوجيهه المستمر على مستوى التعاقد، أو مستوى التدريب، أو حتى المستوى الفني والإداري للعبة. وأضاف في تأثر بالغ: “أنا كإداري لم أكن لأصل إلى ما أنا عليه الآن لولا توجيهه الناتج عن خبرة سنوات طويلة، ونصائحه رحمه الله”.

حس مسؤول

أما على مستوى التطوير والسعي للارتقاء الذاتي ومنه تطوير المنظومة الرياضية للسلة العوامية أكد الفرج أن الإبراهيم تمكن من تحقيق الانجازات على مستوى دوريات المناطق، ومنه لدوري الممتاز، ورفض الكثير من العروض في سبيل تحقيق حلمه مع نادي السلام حتى في الفترة التي استكمل فيها دراسته الجامعية بالبحرين إلا أنه بقي متابعاً حريصاً ألا يفوته شيء، ومثل ذلك متابعته في فترة مرضه لم يبتعد عن النادي بل كان حاضراً بدعمه، توجيهه، متابعته، واهتمامه.

هذا الحس المسؤول هو ذاته الذي جعل منه أباً لأخوته الـ10 (6 ذكور، و4 إناث) بعد وفاة والده حتى تزوج من تزوج منهم، واعتمد على نفسه من اشتغل منهم، وتمكن كل واحد منهم من تحقيق ذاته في المجال الذي يرغب، وهو ذات الحس الأبوي في موقفه خلال رحلة مرض ابنه “معاذ”.

خبر صادم

بدوره وصف الرئيس الأسبق لنادي السلام فاضل النمر، الخبر بـ”الصدمة” بحكم العلاقة الوطيدة التي جمعتهما في النادي، حيث نشأ الإبراهيم برعماً من براعم التنس الأرضي وأيضاً كرة السلة ولكن موهبته في السلة جعلته من أفضل لاعبي السلام فكان من أوائل اللاعبين في الاحتراف بعد استقطابه لاعباً لنادي القادسية، لكنه عاد للسلام من بوابة التدريب ومن الناحية الفنية التدريبية بعد أن طور نفسه متدرجاً من لاعب منتخب إلى مدرب ومنه مدرب منتخب محققاً البطولات ومشاركاً في المحافل الرياضية الوطنية والدولية.. لافتاً أن أقوى انجازات سلام العوامية في السلة حتى وصولها لدوري الممتاز كان على يده

وقال: كان ممن رسموا المنهجية لأكاديميات السلة، يعمل بمهنية واحترافية، مرتبط بشكل كبير ومتماهي في أنشطة السلام وحتى الأنشطة الرياضية  المختلفة التي تسهم في رفع مستوى رياضة المملكة

رحيل مؤسف

بهذا العنوان، نعاه الرئيس المكلف السابق إبراهيم السعيد، وأضاف أن الإبراهيم عرفناه منذ صغرنا وهو لاعب متميز وخلوق خدم النادي لسنوات وكان مدربا محترفا حقق إنجازات عظيمة، وأوضح إن فقد شخصية مثل منصور الإبراهيم  خسارة كبيرة للجميع وبالذات لمن ارتبط بنادي السلام ولعبة السلة عموما.

من أبرز ما قاله الراحل:

في حديث سابق له رحمه الله وفي لقاء نشره المركز الاعلامي لنادي السلام عام 2013 تنقل “صبرة” على لسانه بعض العبارات:

  • * في العاشرة من عمري شدتني كرة السلة بكبر حجمها ولونها البرتقالي.
  • * بدأت اللعبة مع الكابتن محسن العوى لفترة قصيرة،  والأمريكي فولتن سيلي مدرب المنتخب أبرزني بقوة.
  • * الصعود للممتاز مع القادسية أهم إنجازاتي محلياً، والوصول مع المنتخب للأدوار المتقدمة آسيوياً  وعربياً.
  • * فقدان أخي راضي كان أكبر صدمة، وحادث ابني “معاذ” أرهقني بشدة وشفاؤه كرم من الله.
  • * نادي السلام يعني لي شيئا كبيراً… يعني بيتي ويعني لي العوامية والقطيف ويعني بلدي المملكة.

بطاقة شخصية

  • * ولد عام 1967
  • * الأبناء: أحمد، أمجد، معاذ، مروة.
  • * التحق لاعباً بفئة الشباب  عام 1406 هـ
  • * انضم لنادي القادسية عام 1407هـ
  • * عمل  مهندساً كهربائياً في شركة الكهرباء سكيكو عام : 1408 هـ
  • * اعتزل اللعبة عام 1417هـ
  • * عمل مدرباً  لأندية السلام والخويلدية والهدى.

سيرة بصرية لبطولات الراحل

 

صور التشييع عصر اليوم الاثنين ـ تصوير: حسين العطل

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×