موسكو بين رأسين يابسين.. خروتشوف.. وبوتين
حبيب محمود
بين رأسين يابسين؛ عرف الكرملين أزمتين حادّتين، حدّ الرعب النووي، مع قصر رئاسي مقابل، هو البيت الأبيض، يفصل بينهما 60 عاماً..!
أكتوبر 1962، ومارس 2022؛ خروتشوف مقابل جون كندي، بوتين مقابل بايدن. الأزمة الأولى قبالة الساحل الأمريكي في كوبا، والأزمة الثانية قبالة الحدود الروسية في أوكرانيا.
لكنّ تسارع أحداث الأزمة الراهنة هو الأشدّ خطورة والأكثر دراماتيكية في المواجهة الغربية الشرقية. في أزمة الصواريخ السوفيتية في خليج الخنازير أصرّت الولايات المتحدة على تفتيش السفن القادمة من الاتحاد السوفييني إلى كوبا، وفي الأزمة الحالية أصرّت روسيا الاتحادية على إبعاد أوكرانيا عن لعبة الناتو.
المواجهة الأولى تشنّجت الدبلوماسية بين عاصمتين، وشملت قواعد في اوربا قادرة إلى إطلاق 100 صاروخ نووي نحو الشرق.
والمواجهة الحالية تسخّنت السياسات جميعها بين موسكو وعواصم الناتو جميعها، والقدرات النووي تضاعفت أكثر، والأزمة لم توفر حتى الرياضة. وكلّ ذلك حدث في 6 أيام. وهي سابقة كونية تبلورت فيها مواقف حلفاء بأسرع مما تبلور حلفاء الحرب العالمية الثانية بكثير.. بكثير جداً.
حتى أدولف هتلر؛ لم يحصل على معسكر معادٍ بالسرعة التي حصل عليها فلاديمير بوتين هذا الأسبوع. حتى صدّام حسين لم يواجه حزمةً من المقاطعات الدولية بهذه السرعة، وهو أضعف بكثير من رجل الكرملين.
وفي عام 1962؛ كان إعلام العالم يتحدث عن حافة هاوية نووية بين موسكو وواشنطن، وفي عام 2022؛ بدأت التصريحات عن تأهُّب الردع النووي مبكراً جداً.
في أزمة خليج الخنازير كان خطاب الرئيس الديمقراطيّ، جون كندي، قريباً من خطاب بايدن الآن، في جمود معاني ملامح الوجه، مقابل حدّة الرئيس السوفييتي خروتشوف الصارخ. إلا أن بوتين؛ هو أكثر هدوءاً في النبرة في حديثه عن الأزمة الراهنة، رغم حدّة العبارة بمحتواها المتحدّي..!
قواعد الاشتباك المعلنة ـ حتى الآن ـ تُشير إلى أن الناتو سيكتفي بالدعم اللوجستي والسياسي والإعلامي والاقتصادي لأوكرانيا، لم تتحدث عاصمة “ناتوية” عن إرسال جنودها إلى محاربة الروس وجهاً لوجه في أوكرانيا. ولكن ـ ووفقاً للتشنّج المتصاعد أكثر من المُتخيَّل ـ لا ضمانة لوقوف الناتو متأهباً فحسب لأي مُتغيِّر عسكري يمسُّ أياً من دوله..!
في أزمة الصواريخ كان إعلام العاصمتين ـ واشنطن وموسكو ـ يتبادل الصراخ والتصعيد، وفي الاتصالات السرّية كان الساسة يبحثون عن حلّ، لتفكيك الاستعداد العسكري في كوبا من جهة، وفي أوربّا من جهة أخرى. وقد نجحت المساعي السرّية..!
فهل هناك تواصل سرّي راهن لن يعرفه عن سكان الكوكب إلا بعد نُضج الرعب الكوني…؟ أم أن الأزمة ذاهبة إلى تصعيد يُعيد صوغ الأزمات المقبلة في شكل “دول محور” و “دول تحالف” في حرب عالمية جديدة؟ أم أن العاصمتين ستدخلان في فصل جديد من حرب باردة، وسباق تسلّح أشدّ استقواءً مما بدأ بعد حصار برلين 1948م..؟!