ما هو موقع القطيف من تاريخ الدول السعودية الثلاث…؟؟ انضمّت إلى الحكم الحالي قبل 112 سنة.. دون إطلاق رصاصة واحدة

القطيف: صُبرة

منذ العام 1727م، الموافق 1139هـ؛ إلى الآن؛ عاشت القطيف تحت حكم الدول السعودية الثلاث. وعاصرت أوضاع الحكم في كلّ دولةٍ منها، تبعاً للظرف السياسي والأمني الذي عاشته كلّ دولة على حدة. كما تأثرت بطبيعة الصراع الذي شهده الشطر الشرقي من الجزيرة العربي والخليج العربي الذي شاركت دولتان استعماريتان خلال القرون الثلاثة الماضي؛ هي الحكومة البريطانية، والدولة العثمانية، إضافة إلى دولة محلّية هي دولة بني خالد.

الدولة السعودية الأولى

وقد دخلت القطيف حكم الدولة السعودية الأولى سنو 1206هـ. وكان دخولها بجيش الأمير سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود الذي حاصر سيهات ودخلها عنوة، ثم بعدها عنك. لكنّ قلعة القطيف دخلها صلحاً مع أهلها الذين قدّموا له 500 ليرة ذهبية.

وسبق لسعود أن ضمّ الأحساء سنة 1202هـ. وبعد انتصاراته في القطيف ولّى زيد بن عرعر حاكماً لآل سعود وزعيماً لقبيلة بني خالد في الشطر الشرقي من الجزيرة العربية. لكنّ الظروف لم تواتِ الزعيم الجديد، إذ سرعان ما دخل في صراعٍ داخل القبيلة، نتيجة خلافات تأرجحت بين الولاء للدولة العثمانية والدولة السعودية. 

سليمان باشا

وفي هذه الظروف؛ وتحديداً سنة 1211هـ؛ تحرّكت الدولة العثمانية، للقضاء على الدولة السعودية، وشنّت حملة عسكرية بتوجيه والي العراق العثماني سليمان باشا، وبدأ بالقطيف بواسطة جبهتين: بحرية أبحرت من البصرة تتكون من الجنود النظاميين، وبرية شاركت فيها قبائل البدو. لكن الفشل كان نصيب هذه الحملة.

وفي العام التالي فشلت حملة أخرى، رغم حشدها وآلياتها الحديثة من المدافع الضخمة. كما فشلت حملة ثالثة سنة 1226؛ بعد اتساع حكم السعوديين، ووصوله إلى الحجاز.

لكن الحملة الرابعة التي جهزها الوالي المصري محمد علي باشا، بقيادة ابنه أحمد طوسون؛ أبحرت عبر البحر الأحمر وأخذت الحجاز بعد سلسلة من المعارك.

وبعد سعود الكبير؛ خلفه ابنه عبدالله الذي حاول استرداد الحجاز مجدداً، لكنّ المصريين صدّوا قواته، وعكسوا الهجوم إلى نجد، فوقع صلحٌ بين عبدالله بن سعود الكبير والمصريين.

ثم عادت الأمور إلى مواجهة عسكرية ضخمة، سنة 1231ه، وجهها محمد علي، بقيادة إبراهيم باشا، وقد احتل الجيش المصري الدرعية وقبض على الأمير عبدالله بن سعود الكبير، وتمّ إرساله إلى مصر، ثم إلى تركيا حيث شُنق فيها. وكان ذلك عام 1233هـ، الموافق 1818م. كما نفى أسرة آل سعود وآل الشيخ إلى مصر، بمن فيهم أبناء الأمير عبدالله بن سعود الكبير.

وقد واصل الجيش المصري شرقاً؛ فاحتل الأحساء والقطيف، وتولّى بنو خالد الحكم تحت رعاية الدولة العثمانية.

الدولة السعودية الثانية

لكن الأمير تركي بن عبدالله بن سعود الكبير؛ نجح في الهروب من منفاه في مصر، بعد 6 سنوات. وعاد إلى نجد؛ وقاد حركة عسكرية استردّ فيها الحكم، ليكون مؤسس الدولة السعودية الثانية. وقد بسط نفوذه على نجد، فحاول بنو خالد، حكّام الشطر الشرقي للجزيرة، مواجهته؛ لكنّ انتصر عليهم، واستولى على الأحساء.

وبعد ذلك؛ ذهب وفدٌ من القطيف لمبايعته.

عام 1249؛ شهد حدثاً مفاجئاً، حين تحرّك حكام البحرين، آل خليفة، واحتلوا دارين وتاروت وسيهات. فأرسل الأمير تركي ابنه فيصل على رأس جيش إلى الشرق لاسترداد الحواضر التي احتلها آل خليفة، ووقعت معارك دامية، لكن فيصل اضطرّ إلى الانسحاب بعد اغتيال أبيه الأمير تركي بن عبدالله في نجد.

وبقيت القطيف ضمن حكم آل سعود حتى سنة 1253هـ حين جهز محمد علي باشا والي مصر التركي جيشاً بقيادة خورشيد باشا، فاحتل نجد ونصّب حاكماً يمثل حكومته، كما زحف على الأحساء والقطيف، ووضع يده على موانئ القطيف وسيهات والعقير.

وسرعان ما عاد حاكم من آل سعود، هو الأمير عبدالله بن ثنيان، فاستعاد حكم الأسرة على الأحساء سنة 1358. وبعدها بسنة جاء الأمير فيصل بن تركي فاستولى على الدمام. كما استرد ابنه عبدالله بن فيصل القطيف والأحساء معاً بعد ذلك بسنوات.

وقد خلفه أخوه سعود، ثم عبدالرحمن. وفي عهده؛ شكّلت الدولة العثمانية جيشاً أبحر من البصرة، وشارك أمير الكويت وقتها فيه، وفي سنة 1288هـ؛ سيطر العثمانيون مجدداً على القطيف، ثم الأحساء.

لكن عمر الدولة السعودية الثانية استمرّ حتى سنة 1309هـ.

الدولة السعودية الثالثة

تقلّبات السياسة في الجزيرة العربية منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى إلى نهاية الدولة السعودية الثانية؛ وضع القطيف في قلاقل عسكرية وأمنية، فهي تدخل في حكم وتخرج من آخر بقوة السلاح، وضمن النزاع العسكري. إلا أن دخولها في الدولة السعودية الثالثة؛ كان سلميّاً تماماً، ودون إطلاق رصاصة واحدة.

القصة حدثت تفاصيلها في اليوم التاسع من شهر شوال سنة 1331هـ،. والمكان هو قصر “السراي” في القلعة، حيث إدارة الحكم في القطيف. وداعيها هو وصول سرية صغيرة في موقع “مريجب” القريب من سيهات، مُرسلاً من الملك عبدالعزيز بعد ضمّ الأحساء.

وفي القصر؛ اجتمعت شخصيات من مناطق القطيف لتدارس عرض قائد السرية عبدالرحمن بن سويلم الذي طلب من أهل القطيف الدخول في حكم الملك المؤسس. وقتها؛ كانت القطيف تحت حكم الدولة العثمانية العاجزة عن حماية نفسها أصلاً، فكيف بحماية السكان..؟

ضمّ الملك عبدالعزيز الأحساء قبل ذلك بأيام. والأحساء، أيضاً، كانت تحت الحكم العثماني، وهي أقوى من القطيف حصانة وتعداداً، ومع ذلك عجز  الحاكم العثماني وقواته فيها عن مواجهة جيش القائد الآتي من قلب نجد.

منصور بن جمعة

خيارات محدودة

خيارات القطيف محدودة، والدولة العثمانية كانت ضعيفة حتى من قبل وصول “ابن سعود”. وفي السنوات الأخيرة؛ واجهت القطيف معارك متلاحقة مع غزاة البدو، وتكبّدت خسائر متتالية، ولم ينجح “الباب العالي” في توفير الأمن للناس، بل فقد السيطرة على الأوضاع.

اجتمع قرابة 10 شخصيات من وجهاء بلدات القطيف أمام الحاكم  العثماني في قصر “السراي”، وعرض عليهم ما لديه، وعرضوا عليه ما لديهم.. ثم صدر القرار.. الانضمام إلى حكم الدولة الجديدة، لتكون القطيف رابع منطقة انضمت إلى لوائه، بعد الرياض والقصيم والأحساء.

القصة سردها السيد علي العوامي، في كتابه “رجال عاصرتهم”، في سرده لحياة الشيخ علي الخنيزي “أبي عبدالكريم”، عبر روايتين شفاهيتين توصل إليهما من مصادره من الجيل السابق المعاصر لأحداث الدولة السعودية..

الرواية الأولى

“إحداهما تقول: إن الوالي التركي – القائم مقام -عند ما سمع بدخول الملك عبد العزيز الأحساء جمع الشخصيات من جميع مدن وقرى القطيف بالإضافة إلى القلعة – حاضرة القطيف – جمعهم في “السراج”، مركز القائم مقام الرسمي أيام الحكم التركي، وأقام على رأس كل واحد منهم جندياً شاهراً بندقيته ينتظر الأمر من القائم مقام لإفراغها في رأسه، وطلب منهم مقاومة عبد العزيز إذا ما جاء لاحتلال القطيف، لكن الشيخ علي (أبو عبد الكريم) تصدى له وخاطبه قائلا: إنك تعرف عدم قدرة الأهالي على ذلك لما مر بهم من حروب مع البدو أنهكتهم بشريا واقتصاديا، وأن الدولة نفسها – يعني الدولة التركية – عاجزة عن الدفاع عن نفسها وعن حماية رعاياها، وذكره بعجزها عن حماية البلاد أيام وقعة الشربة، وكيف أن القلعة ظلت محاصرة شهوراً والدولة عاجزة عن فك الحصار، والضحايا التي تكبدها الأهالي في هذه القضية، فلم يحر القائم مقام جواباً، وطلب منه الشيخ أن يسلم وينسحب بما لديه من قوة (قيل إنها لا تتعدى (90) جنديا، وقيل إنها (400) جندي ويعود للبلاد بعد أن يستطيع تجهيز قوة ملائمة، وتولى الشيخ صياغة مذكرة تطلب من القائم مقام الانسحاب وتعفي القائم مقام من مسؤولية الانسحاب، وكان من ضمن الحاضرين:

  • الشيخ علي الخنيزي، أبو عبدالكريم (القلعة)
  • الشيخ علي البلادي (القديح)
  • عبد الحسين بن جمعة (القلعة)
  • علي بن أخوان (القلعة)،
  • علي بن فارس (القلعة)
  • حسن سنبل (الجش)
  • حسين بن نصر (سيهات)
  • سيد حسين السادة (صفوى)،

يقال إن الشيخ صاغ المذكرة صياغة حذرة محتاطة للاحتمالين، احتمال سيطرة عبد العزيز النهائية، واحتمال عودة الأتراك، بحيث لا يدان أهالي القطيف من قِبَل المنتصر.

الشيخ علي أبو عبدالكريم الخنيزي

الشيخ علي أبو عبدالكريم الخنيزي

الرواية الثانية

هذه رواية إما الرواية الأخرى فتقول: إن حسين بن نصر – زعيم سيهات – بعد أن علم بدخول الملك عبد العزيز الأحساء استدعى بعض الشخصيات ليتذاكر معهم كيفية العمل الذي يسهل على عبد العزيز السيطرة على القطيف وإبعاد الأتراك دون إراقة الدماء، وفيما هم جالسون يتذاكرون إذ جاء أحد رجال حسين بن نصر وأسر إليه بأن عبد الرحمن بن سويلم – أحد رجال الملك عبد العزيز – ومعه سبعة رجال مخيمون في مريجب – غربي سيهات – وهنا انفض الاجتماع، وتوجهوا جميعا للقطيف للاجتماع بشخصيات القطيف وإخبارهم بوصول بن سويلم والتشاور معهم على كيفية العمل تجاه المستجدات.

ولما اجتمعوا في القطيف قرروا الذهاب إلى القائم مقام، وحينما ذهبوا إليه لم يجدوه قد عرف بوصول بن سويلم إلى مريجب، فأخبروه عن وصوله وقالوا له إن بن سويلم ورفقاءه ليسوا سوى طليعة استكشافية وجس للنبض، هل أن القطيف ستسلم أمرها لابن سعود أم أنها سترفض وتقاوم؟

وأخبروه بأنهم عرفوا من بن سويلم أنهم إذا رفضوا استقبال ابن سعود فإنه سوف يغزوهم بقوة لا قِبَل لهم بها، وأنهم سيتسببون في سفك الدماء، وطلبوا من القائم مقام الانسحاب بما معه من جند، لأن ليس لديهم لا هم ولا الدولة القدرة على مقاومة بن سعود، وقالوا له سنعطيك مذكرة تخليك من المسئولية أمام الدولة التركية.

وقبل القائم مقام الفكرة وقام الشيخ (أبو عبد الكريم) بصياغة المذكرة ووقعت من قبل الحاضرين، وركب القائم مقام السفن الشراعية هو وجنوده الذين لا يتجاوز عددهم (400) جندي على أكثر الروايات تقديرا وتوجهوا للبحرين.

وبعد مغادرة القائم مقام القطيف جاء الملك عبد العزيز إلى القطيف ونزل في مقر الوالي التركي السابق (السراي) حيث انتقل إليه بن سويلم، واجتمع عبد العزيز بشخصيات القطيف وعلمائها وأعيانها وبعد المبايعة أخبرهم عبد العزيز أنه عين عبد الرحمن بن محمد سويلم، أميرا على القطيف، والشيخ علي بن حسنعلي الخنيزي (أبو عبد الكريم) قاضيا”.

ومنذ ذلك اليوم الذي وافق ـ وقتها ـ الـ 15 من مايو 1913؛ تكون القطيف قد أمضت 112 سنة بالتقويم الهجري، تحت الحكم السعودي، الذي تأسس بفتح الرياض في الـ 5 من شهر شوال 1319.

الثالث من اليمين، هو عبدالرحمن بن سويلم، أول أمير في القطيف بعد الحكم السعودي (المصدر: حساب ذاكرة الماضي الجميل، تويتر)

—————

وثيقة

وتؤكد وثيقة وقف عليها الشيخ فرج العمران قبل 72 سنة بخط الشيخ علي البلادي ما ذكره المؤرخون حول دخول القطيف الدول السعودية. وحسب ما نشره الشيخ العمران في كتابه “الأزهار الأرجية في الآثار الفرجية”، الجزء: 4، الصفحة: 5، فإن السبب المباشر لعدم مقاومة المسؤول العثماني في القطيف هو “العجز”.

والشيخ البلادي هو واحدٌ من شهود تلك المرحلة، وقد توفي بعد ذلك بـ 9 سنوات.

القطيف وابن سعود

القطيف وابن السعود

 وقد عثر الشيخ العمران على الوثيقة بخط الشيخ البلادي، ونسخها كما هي، ويقول نصها:

“في الثامن والعشرين من جمادى الأول سنة 1331 تولى عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن سعود الحساء، بقتال يسير جدا، قتلت فيه أربعة رجال اثنان من جنده، واثنان من جند بني عثمان.

وفي اليوم التاسع من جمادى الثاني من هذه السنة تولى القطيف بلا قتال أصلاً، لعجز الحكومة والأهالي عن المقاتلة. فسبحان من يُؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء.

ثم أن جند بني عثمان بعد اجتماعه في البحرين توجهوا إلى فتح العقير بندر الحسآء وكانوا تقريباً من ثمانمائة نفر. وكانوا بعدة حسنة تفقانا وجبخان وأطوابا رشاشة.

أربعة على ما قيل لكن المتيقن اثنان، فنزل منهم إلى البر مائة وخمسون نفراً، والباقي صاروا في السفن يرسلون الرصاص والطوب على الثغر، وكان فيه من جند عبدالعزيز عشرون نفراً، وقيل يزيدون خمسة، فبقي خمسة في القصر يحاربون أهل السفن، ونزل الباقون، وهجموا على من في البر فقتلوا خمسة وأربعين نفراً، وأسروا ثمانين وفر الباقون إلى السفن وإلى البر.

فنُقل أن البداة قتلوا بعض المنهزمين إلى البر.

ثم وصل عبدالعزيز في جيشه فرأى المسألة قد كُفي مؤنتها، لأن السفن أيضاً انهزمت، فمنَّ على الأسرى بالفكاك وحملهم إلى البحرين بعد أن أخذ أسلحتهم. فالنصر بيد الله عز وجل يؤتيه من يشاء.

ولعمري أنه فعل معهم فعل الحُر الكريم، وكانت الواقعة المذكورة في العشرين من جمادى الثاني من السنة المذكورة.

(المصدر: الأزهار الأرجية)

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×