محمد قريش.. صوت هاجم المرابين في الستينيات فنان فكاهة شاغب مع أرامكو وأشرف على "عسس" أسواق الذهب

القطيف: صُبرة

في أواخر سنوات حياته؛ لم يعرف عنه الجيل الجديد من سكان مدينة صفوى، إلا ذلك “الشايب” الطيب الحاضر في مناسبات المجتمع، السعيدة والحزينة، وذلك الصوت الذي صار “أجشّ”، وهو يتلو الأدعية في المساجد تعقيباً على الفروض، أو ينعى أهل البيت، على طريقة “الملالي” الكلاسيكيين..!

وعرفوا عنه أيضاً ـ وتفهّموا ـ إصراره على الاستمرار في قيادة السيارة بنفسه، وفرض قانونه الخاص في شوارع المدينة. ورغم تقدُّمه في السنّ؛ كان “أبو قيس” يمارس عناده الذي عُرف به منذ شبابه، أن يفعل الفعل غير مأمور، بل إنه لا يُطيق أن يأتمر بأمر أحد، ولعلّ هذا ما خسّره وظيفة ثمينة يتمناها كلُّ شاب من جيله.. أرامكو..!

مونولجست

لكنّ الذي لم يعرفه الجيل الجديد عن المرحوم محمد عبدالله آل قريش؛ هو أنه نسخة خاصة من آل قريش، الأسرة التي خرج منها فنانون أكثر من أي أسرة أخرى في صفوى، وربما في القطيف. وفن المرحوم الذي برع فيه شاباً هو “المونولوج”، وبالذات في الشعر الشعبي الذي يجلد ظواهر المجتمع السالبة، حين كان الشعر الشعبي ينبت من لهجة القطيف ولسانها، ويُكتب بلكنتها.

كان المرحوم “أبو قيس” يودّي فن المونولوج بكلمات شعراء آخرين، بينهم الدكتور محسن الشيخ آل حسّان وآخرين لم تجد “صُبرة” سبيلاً إلى التأكد منهم، أو تحصل على إذن بذكرهم.

نهام ينعى

نشأ محمد عبدالله آل قريش في صفوى، حين كانت بلدة، أو قرية، واستهوته طربيات البحر، كما أثّرت فيه نواعي الحسينيات. فزاوج بين “النهامة” البحرية، وبين صوتيات الرثاء والمديح لأهل البيت. ولم نعثر على مصدر عارفٍ بالوقت الذي أخذ يؤدّي فقرات المونولوج.

لكنّ لقاءً صحافياً قصيراً وثقته نشرة أرامكو الأسبوعية “قافلة الزيت”؛ في شهر ذي القعدة 1388هـ؛ بعض معلومات تُشير إلى أنه ممارس للفن الفكاهي.. فحين سأله مراسل “قافلة الزيت” عزت أبو حويج عن بدايته؛ قال إنه أحب الفن بجميع أنواعه منذ كان تلميذاً في المدرسة.. “ولكنني لم أوفق إلا في الغناء الفكاهي”، حسب إجابته للمراسل الصحافي؛ وبرّر توفيقه في الفن الفكاهي بـ “ساعدني شكلي على ذلك”.

وشكل محمد عبدالله آل قريش فيه ملامح فكاهة فعلاً، بالذات في سنوات الشباب والكهولة، فهو مفتول الشارب، مليء الوجنتين، إذا ابتسم يبستم وجهه كاملاً، وإذا عبس يعبس وجهه كاملاً. وقال إنه بدأ هوايته ـ رسمياً ـ منذ سنتين من ذلك التاريخ، وقال إنه غنّى في البحرين وفي بغداد، عدا مسقط رأسه صفوى و “القرى المجاورة” على حدّ تعبيره..!

وعن قدوته في الفكاهة قالها “أقولها بكل فخر.. فؤاد المهندس”..! وقال إنه يستعد لتسجيل 3 مونولوجات في التلفزيون السعودي من كلمات محسن الشيخ..!

الدكتور محسن الشيخ آل حسان

المرابون

وفي اللقاء ذاته؛ نشرت “قافلة الزيت” نصّ المونولوج الذي يهاجم المرابين في ذلك العهد:

أيا امرابي يبُو السوسة

أخذت البُوكْ بفلوسه

أخذا الصكّ للدكان

وخليتني كده حيران

أيا امرابي يبو السوسة

***

أخذت الألف بالألفين

ولا أدري اجيبها منين

تلاحقني.. تطاردني.. أيا امرابي

عن افلوسك تحدثني.. أيا امرابي

وحياتي عندك محبوسة

أيا امرابي يبو السوسة

***

تعيش بدون ضمير واحساس

أمام الله وجميع الناس

تكلمني.. تعيرني.. أيا امرابي

أمام الناس تحيرني.. أيا امرابي

وحياتك كلها منحوسة

أيا امرابي يبو السوسة

مع ابن أخته المرحوم عمار قريش

موظف مشاغب

حين أجرت “قافلة الزيت” اللقاء معه؛ كان موظفاً في وحدة الحدائق براس تنورة. وحسب إفادة له مسجلة في فيديو حصلت عليه “صُبرة” من ابنه قيس؛ فهو لم يعمل في شركة أرامكو إلا 10 سنوات، وخلالها ـ حسب قوله ـ كان يفتعل كل يومٍ مشكلة، إلى أن فُصل من الشركة، واتجه نحو عمل آخر.

يقول ابنه قيس إن والده المرحوم عمل، بعد أرامكو، 17 سنة مشرفاً على “عسس” أسواق الذهب في القطيف، وهو ما قاله أيضاً ابن عم خالد آل قريش الذي أشار إلى مناكفاته في شركة أرامكو، وتجاسره على مواقف لا تخلو من فكاهة، من بينها إصراراه على مقابلة رئيس الشركة الأمريكي ليشكو عنده. وقد كاد يُفصل وقتها بسبب طريقته. يقول خالد آل قريش: انتظر أبو قيس عند البوابة التي يعبر منها الرئيس، وأحدث جلبة وقت وصوله..!

وفاته

توفي آل قريش في 27 شعبان 1441؛ ودُفن في مسقط رأسه، صفوى، ولم يبق من أثرهِ إلا مقاطع فيديو سُجّلت في السنوات الأخيرة من حياته، وقد جُمِعت في تسجيل رثائي بعد وفاته، وفيها ظهر في مشاهد نعي ومديح وحكايات عامة، أغلبها ذو طابع عائلي.

تغمده الله برحمته.

لقاء نشرة “قافلة الزيت”

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×