مرة أخرى.. خُمسنا في وطننا
حبيب محمود
في زمن تساؤلات وإشكالات؛ ظهر نموذج السيد علي بن السيد ناصر السلمان الأحسائي، لتتحوّل ملايين من أمانته الشرعية الواقعة تحت يديه إلى مشاريع مجتمع مؤسسية، ينتفع بها المواطنون، بلا تطييف ولا تمييز.
وفي زمن مواربات ومناكفات ولغات مزدوجة؛ يخرج خطاب السيد السلمان بدلالة واحدة واضحة غير قابلة للتفسير؛ إلا في سياق المواطنة وصناعة فعلٍ يراه الله ورسوله والمؤمنون..!
وفي زمن خصومات ما أنزل الله بها من معنى؛ يفعل “السيد” فعله “غير مأمور”، كما يقول عمّنا الشريف الرضيّ. فيتخذ قراره ويُخرج أموالاً ائتمنها عليه المتعبّدون بالخمس والحقوق الشرعية، وربما من أمواله الخاصة، ليحصل منها الناس على نصيبهم.
وخلال عام واحد؛ منح السيد القطيف مشروعين صحيين، تُقدّر تكلفتهما بالملايين، لتكون تحت إمرة وزارة الصحة، وينال خدماتها المواطنون والمقيمون في المحافظة.
في القطيف أثرياء قدّموا مثل ما قدّم السيد، وهذا معروف. هناك الشيخ عبدالله السيهاتي الذي منح القطيف مركزاً للكُلى، وهناك أبناء المحروس الذين أسسوا مشروعاً لرعاية المسنين نأمل له أن يتكمل. وهناك أبناء عبدالوهاب المعلم الذين موّلوا مشروع مركز صحي في سيهات.
وهناك رجال علم دعموا أندية رياضية، وهناك من ما زال يدعم الجمعيات الأهلية والخيرية. والعطاء موجودٌ بوضوح لمن يريد الإنصاف.
إلا أن العطاء الذي قدّمه السيد السلمان؛ يتصف بنموذجية من الزاوية الجديدة على تطبيقات الصرف المالي، نموذجية مختلفة عن التفكير من داخل الصندوق. الصندوق الذي يضع شروطه أمام أي تصرُّف مالي خارج الدائرة الضيقة المحصورة في “شهريات” الطلبة، وغموض لا يجوز معه السؤال عن مصير الأموال.. المكدسة..!
حدّثني شابٌ ذات نقاش؛ عن آخر مرة دفع فيها الخمس، وكأنه متوجس من 18 ألف ريال أعطاها معمّماً، لا يعرف دافعها إلى أين ستذهب، ومن الذي يستفيد منها بالتحديد…!
ومن منا يعرف إلى أين تذهب كلّ هذه الأموال، ومن من المؤتمنين على تسلّمها لديه سجلُّ شفّافية يكشف عن الإيرادات والمصروفات، كما يفعل المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله..؟!
كلُّ من يدفع الخمس؛ يرجو “براءة الذمة”، و “القربة إلى الله”، امتثالاً لتكليف فقهي شرعي. فهل كلّ ـ أو أكثر ـ من يقبض الأموال لديه حس المسؤولية نفسه الذي لدى الدافعين..؟ وهل كلُّ حاصل على “شهرية” لديه حسّ ذمّي باستحقاقه ما يحصل عليه..؟
وهل كلُّ حاصل على “شهرية” يحلّل ما يحصل عليه بإنجاز أعمال نافعة للناس؟
هذه التساؤلات ليست من بنات أفكار كاتب السطور، ولا اختراعات أمثاله، ولا تنطوي على تشكيك في التشريع الفقهي، ولا تضع أحداً في قفص الاتهام. بل تشير إلى وضع قائم. ولو عدنا إلى قرنٍ من الزمان؛ لوجدنا كيف أن التساؤلات الحادة ظهرت ـ عندنا في القطيف ـ بأقلام علماء؛ قارعين جرس الإنذار الصارخ من وجود معممين مزيفين.
ولو اتّسع المقام، هنا، لحمل الاستطراد قراءات واسعة لما كنّا عليه، وما زلنا فيه. ولكننا في مناسبة تكريم؛ يستعد لها منتدى الثلاثاء الثقافي، فلنطوِ عن هذا كشحاً، ولنحيّي مبادرة المنتدى.
اذا كانت هذه الصحيفة مهنية فعلا فأتحداها أن تتعرض للاستدعاءات الكثيرة التي طالت الوكلاء بذريعة الخمس