أهمية التربية الموسيقية للمجتمع

محمـد السـنان*

تعـتبر الموسـيقى من أهم العـلوم التي ارتبطت بحياة الإنسان في كل نواحي الحياة، لـدرجة أنها أصبحت جـزءاً من تكوينـه، وأصبحت عنصـراً هاماً في مناهج التربيـة بالنسـبة للشـعـوب المتحضـرة. 

‎قال الشيخ حسن العطار (شيخ جامع الأزهر في القرن الثالث عشر الهجري، التاسع عشر الميلادي) “من لم يتأثر برقيق الأشعار تتلى بلسان الأوتار، على شطوط الأنهار في ظلال الأشجار، فذلك جلف الطبع حمار”.

‎ويقـول هـنري جـورج فـارمـر في كتـابـه (تاريخ الموسـيقى العـربيــة) “الموسيقى هـي اللغـة الوحيــدة التي يفهمهــا العـالم كلــه عـلى اختـلاف أجنـاسـه وألـوانـه ولغــاتـه.  إن الكـون كلـه يسـبح فـي أنغــام الموسيقى الـتي تصـدح بهـا البـلابل عـلـى الأغصــان، وتترنم بهـا النسـايم بأعـذب الألحــان في كل مكان، وتهـدر بها موجــات البحــار والأنهــار وتهمس بهـا أوراق الأشــجار.. وأنـه ما من شـيء في هـذا الكـون إلا ولـه من النغـم نصيب”.

‎فالموسـيقى لغـة عالميـة كأيـة لغـة تخاطب في هـذا العالم، فهي تتكـون مـن حـروف، ومـن كلمــات ومـن جمــل. ولها قـواعــد وتصـريف، ولها أوزان وبحــور كالشـعـر تمـامـاً، وهـي اللغـة الوحيــدة في هـذا الكـون الـتي لا تحتــاج إلى ترجمــة، فكل الشـعـوب بمختلف لغـاتهم وثقـافـاتهم يفهمـونهــا، بل إن كل الكائنــات الحيــة مـن حيــوان ونبــات يفهمهــا. وقــد أثبتت تجــارب العلمــاء ذلك.

‎وعلاقة الموسيقى بالتربية علاقة وثيقة، فكلاهما يعتمد على الآخر، فالتربية تعتمد على الموسيقى في بناء شخصية الإنسان بشكل عام والطفل بشكل خاص؛ الذي سينمو ويصبح شابا له قيمته في المجتمع. والموسيقى تحتاج إلى أساليب التربية ومفاهيمها في التعليم لنشر التذوق الموسيقي الجيد والوصول إلى إمكانية تحقيق الإبداع الفني لذوي المواهب في هذا المجال.

‎والتاريخ يخبرنا بأن الحضارة الإغريقية القديمة قد اهتمت بالموسيقى على اعتبار أنها أداة من أدوات التربية قبل أن تكون فناً جميلاً يُبتغى لذاته، فقد جعل أفلاطون للدولة حق الإشراف على الموسيقى لما لها من تأثير في تكوين الشخصية المتزنة المتناسقة، وكذا في تنمية ملكة الخلق والابتكار. لذلك، اتخذ اليونان من الموسيقى مادة أساسية في منهج التعليم، وكانت وسائل التربية لديهم لا تتعدى الموسيقى والرياضة البدنية حتى عصر الإسكندر،

‎ولفلاسـفـة اليـونـان الفضـل الأول فـي إثبـات أن الموسيقى وسـيلـة فعـالـة فـي تربيـة النفس وتهـذيب الطبــاع.. وقد اتخذ اليونان من الموسيقى مادة أساسية في منهج التعليم، كما أنهم اعتبروها أداة من أدوات التربية قبل أن تكون فناً جميلاً يبتغى لذاته، فقد جعل أفلاطون للدولة حق الإشراف على الموسيقى لما لها من تأثير في تكوين الشخصية المتزنة المتناسقة، وكذا في تنمية ملكة الخلق والابتكار، ولقد تأثرت الحضارة الأوروبية بالتربية اليونانية في العصور الوسطى تأثراً انعـكس على كل فنـونها وثقافاتها.

‎وفي عصر النهضة، كانت الموسيقى قد حظيت باهتمام بالغ بسبب اهتمام أوروبا في ذلك الوقت بإحياء المثل اليونانية القديمة. وفي القرن الثامن عشر والتاسع عشر، عمل كثير من المفكرين والمربين على دفع الحياة الإنسانية إلى آفاق أسمى وأفضل، وكان جان جاك روسو من أوائل المربين الذين اهتموا بالبحث في أنواع الموسيقى المناسبة للتربية في المراحل المختلفة وإتاحة الفرصة لكل طفل أن يمارس التعبير الذاتي بالأصوات الموسيقية وباستخدام أنواع معينة من الغناء الشعبي لما فيه من أصالة كما أشار إلى تبسيط طرق التعليم حتى يستفيد النشء ويتقنه وتنمو ملكاته الفنية، وهكذا نرى أن الموسيقى على مر العصور القديمة والوسطى والحديثة، كانت لها مكانتها كأداة ووسيلة من وسائل التربية،

‎وكانت لـ (بستالوتزي) المربي السويسري المعروف، آراء من حيث ضرورة الموسيقى لتكوين الشخصية المتسقة، بينما ينادي (فروبل) المربي الألماني بجعل الموسيقى والفنون التشكيلية محور تكوين الطفل في المرحلة الأولى من حياته التعليمية، حتى ينال كل طفل فرصة النمو الوجداني الكامل.

‎وعليه، فمن المهم جداً البدء في إدخال مادة التربية الموسيقية في مناهج المدارس الابتدائية أولاً، لأن عالم الطفل له سـماته المميزة والمختلفـة عن عالم الكبـار، فهو يتعلم ببطء ويستوعب في هـدوء إيقاع الحيـاة، وهو قادر أن يؤقلم نفسـه أكثر من الكبار مع تغيرات واتجاهـات ومؤثرات بيئته، وبذلك فهو يؤسس لمرحلة خالية من العقد والموروث الذي لا ينسجم وطبيعة النفس السوية. وقـد استخـدمت الموسيقى في مـدارس الأطفـال في غالبية دول العالم المتحضر لتحقيق أعظم الأهــداف التربويـة والاجتمـاعيــة والفكـرية. فهي تسـاعـد عـلـى تطـوير الإدراك الحسي للفـرد، وتنشـيط العقـل، وتسهم في عـلاج الخجل والانطـواء.

‎فإذا ما أراد أي مجتمع أن ينتج جيلاً خالياً من العقـد الاجتماعية والأمراض النفسية التي قد تدفع به ليكون فريسة سهلة للحركات والمنظمات الإرهابية، فيجب تحصين ذلك الجيل بالتربية والثقافة الموسيقية، وأنا هنا لا أقصد موسيقى البارات والملاهي، بل أعني الموسيقى الرزينة والراقية.  

ــــــــــــــــ

*كاتب وباحث ومؤلف موسيقي

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×