صفية العقيلي.. الورد باقٍ بعد رحيلها

ليلى العوامي

كان اليوم قاسياً بأخباره، أفقت من نومي على خبر العثور على جثة المرحوم الشاب علي آل يعقوب، وأردفه رحيل الغالية صفية العقيلي؛ الاسم الذي أربكني منذ قراءته، حاولت التأكد منه أكثر من مرة علّ التباس أو خطأ وقع هنا أو هناك حتى وصلت للخبر اليقين..  إنها هي.

 حينما رأيت رسائل النعي تنهال كالمطر في مجموعات الواتساب عندي؛ علمت أنها هي، وحينما رأيت دموع ابنتي تأكدت أنها هي (أماه ماتت معلمتي هذه مو بس معلمتي هذه أمي الحنون وأمنا كلنا).

ياله من وجع أصاب أطراف أصابعي، وضربة قوية نزلت على رأسي حتى انتهى الشعور بالبكاء.

صفية..  صافية القلب ونقية السريرة، رحلت عن عالمنا وتركت وراءها إرثاً لا ينضب من العطاء والكفاح، تعرفت عليها من أربع سنوات ونصف فقط، ولكن كأني أعرفها منذ أعوام كثيرة لنقائها وطيب حديثها.

كانت معلمة ابنتي نور وأمها الثانية الحنون، لم نر منها إلا كل خير، حينما كنت أتصل بها لأسألها عن مستوى ابنتي الدراسي كانت تخاطبني (أم نور عاد تسألي عن بنت عند أمها)، لا تخافي عليها، كنت أرتاح كثيرًا عند الحديث معها، وكنت أستمد منها القوة والصلابة كلما حدثتني عن تجاربها في الحياة.

حينما توفي أخواي بكت وقالت “الله يعين اليتامى، فأنا يتيمة وأشعر بهم” وكانت دائما تتصل لتسألني عنهم.

صفية لم تكن فقط معلمة بل كانت أماً وصديقة لبناتنا، لذا هنّ اليوم يبكونها بحسرة، غير مصدقات أنها رحلت دون أن يروها.

قلب كبير حملت هموم الحياة منذ وفاة أمها رحمة الله عليها،

سألتها عن اهتمامها بالطالبات قالت ” ماتت أمي وأنا طالبة ومن ذلك الوقت حملت هموم أخوتي وكل الأجيال”..

تشعر بأنها أمهن ويجب عليها الاهتمام بهن

حالت الجائحة بينها وبينهن في أن يلتقين، إلا عبر رسائل الواتساب.

كانت دائماً تتصل بي هاتفياً تسألني “أم نور كم أعداد المصابين”، وتسألني بألم: “في أموات”

كنت أجيبها لا تهتمي وانتبهي لنفسك، لا عليك

كانت دائماً حينما تسمع عن متوفى تترحم عليه وتسأل “هل تعرفون عياله”، تحزن إذا تيتم الأطفال وتتمنى أن تحتويهم.

واذا لم أرسل خبر عن إحصائيات كورونا تتصل بي “أم نور ما فيه خبر؟ تأخرتي اليوم”.

رحمة الله عليها وأسكنها الفسيح من جنته، مواقف كثيرة جمعتني بها، كانت صفية تتحدث دائماً عن أمنياتها المستقبلية كانت طموحة لكن الموت أخذها من هذا الطموح، لترتقي للرفيق الأعلى في هذه الأيام المباركة، مازال صوتها الناعم في أذني للحظة سماع خبر رحيلها وكأني أسمعها وهي تقول (سلمي على بناتي وحشوني)؛

اليوم يسلمن عليك ويودعنك راحلة لكنك باقية في قلوبهن، محال الدموع التي تساقطت من أعينهن أن تنساك ولو بعد حين،

محال أن ينسين يداك التي أمدت لأيديهن يوماً من الأيام، وفي لحظات الدعاء حينما يرفعن أكفهن متضرعات ستكونين المعلمة والأم صفية العقيلي أمام أعينهن.

من المواقف التي لا أنساها لها أبداً كيف خجلت مني لأني أعددت لها فيديو صغير كواجب من ابنتي نور لمادتها وكيف حدثتني يومها قائلة (أم نور سامحيني تعبتك)، يا لهذه الإنسانة تقول تعبتني والعمل واجب من واجبات ابنتي، خجلت مني وظلت تتصل عليَّ يومياً تعتذر وأنا أقول لها (عادي هذا واجب ويجب أن ينجز)، تقول تخجلوني أحس بأني أتعبكم بهذه الواجبات..

لا يا صفية القلب..  على العكس رحيلك من أتعب قلوبنا

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×