بعد نزع العمامة.. احترمتك أكثر
حبيب محمود
إنها عمامة علم محمد عن آل محمد، عمامة ورع محمد عن آل محمد، عمامة نزاهة محمد عن آل محمد. اللهمّ صلّ على محمد وآل محمد. وحين نزعتَها عن رأسك؛ تضاعف احترامي إياك. ليس لأنك تخلّيت عن سبيل خير؛ بل لأنني قرأتُ فيما فعلتَ أنتَ إجلالاً لمحمد وآل محمد.
في إرث القطيف؛ عبارتان متهكّمتان على المدّعين المزيّفين.. كانوا يقولون “شيخ دَزْ”، و “ملّا اخْياش”..! ولا أعرف سبب هذا التهكم، سوى وضع الماضي قبالة الحاضر في التكاثر. فنحن ـ في القطيف ـ نفهم (ونخاف أن نتحدث علناً) أن المُتساهلين بعمائم العلماء؛ أكثر من العلماء بما لا يُقاس ولا يُقارَن. والـ “مستأكلين” بمنبر الحسين يتنافسون في “الفواتح” و “العادات”؛ وكأنها تجارة..!
وفي أربعينيات القرن الماضي؛ قال محمد سعيد المسلم:
ضعتَ يا شعب بين كلّ معمم
جشعٍ فاغر اللهى، فاتح الفمْ
حين قال ذلك؛ ربما كان لديه حنَقٌ من حالة، أو حالتين. وقد ثار الناس عليه، حتى وفاته سنة 1995م. إلا أن التجربة الاجتماعية، لدينا، متجددة في صدماتها، وما أشار إليه المسلم لم يتغيّر؛ على أيدي من أهانوا العمامة، وما زالوا يُهينونها، وسوف يستمرّون في إهانتها. والمجتمع الصامت خائفٌ من سُمّ لحوم العلماء. وكلّ اللحوم مسمومة، لحم العالم، ولحم الجاهل. والعبرة في انتهاك الفقه والتحرُّز، وليس في المأكول لحمه..!
ذاتَ حديث جانبي؛ قال لي معمّم أحترمه؛ ما معناه إن طالب العلم لن يحافظ على مكانته إلا حين يستقلّ مادياً. وكنتُ أحترم طالب بسيطاً في تحصيله؛ يتكسّب من عرق جبينه، كان يُتاجر في الأغنام. وعليك أن تتخيل “شيخاً” يُتاجر في الأغنام. أليس في هذا مدعاة لسخرية الناس منه..؟
من يعرف الكرامة جيداً؛ يُدرك أن بيع الأغنام؛ أرقى قيمةً ممن لا يبيع شيئاً؛ سوى الكلام المنفصم..!
يا سيدي؛ نزعك العمامة، وارتداؤك أي شيء دونها؛ مدعاة لإكبار مقامك، وإجلال قدرك. لكنّهم سوف يجدون “مخارج” ملتوية كثيرة؛ للنيل منك. أعني من يظنُّ أن في العمامة مزية غير مزية العلم والورع والنزاهة.. والاستقلال في التفكير والتعبير.
كنتُ قد احترمتك “معمّماً”، وسأحترمك “مشمّغاً”، ولا علاقة لاحترامي لا بالعمامة، ولا بالشماغ. بل بما أنت عليه من “استقلال” لم يجعلك أسير “شهرية”، ولا تابعاً لمتبوع.
يا سيدي شكراً لك؛ لأنك تقدّم الدرس الذي لن يفهمه الأكثرية.. الأكثرية المعلّبة أفكارهم تعليباً في كلامٍ جاهز ومكرّر ومرسَّخ في عقول المساكين.