ضرر الآلهة على البشرية

محمد حسين آل هويدي

بسم الله الرحمن الرحيم: … «22» إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ۚ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَىٰ «23» … صدق الله العلي العظيم – النجم.

مع بزوغ البشرية، ومع وجود الأحلام، اعتقد الإنسان بوجود ما ورائيات وعالم آخر، وذلك لأن الأقوام يحلمون بأحبائهم الموتى في مناماتهم. ومن ثم طوّر هؤلاء البشر لأنفسهم آلهة؛ بعضها نصف بشر ونصف حيوان. حينها، لم يعرف كيف يصيغ هؤلاء البشر القوة الخفية وراء الكون. فصاغوها حسب عقليتهم البدائية، وليس كما هو حسب الله سبحانه. مع بداية الحضارة، اعتمد الناس على الزراعة في بلاد الرافدين. وكان النهران (خصوصا دجلة) مزاجيين ولا يُتَنَبَّأ بفيضاناتهما اللتان تضران الزراعة والأرض، وذلك عكس النيل، لأن النهرين يجرفان معهما أملاح قاتلة للتربة. وهذا أثّر على الحضارة العراقية القديمة، مما أجبرها للنزوح من الشمال إلى الجنوب، وذلك بسبب موت الأرض مع كل فيضان. حينها، ظن الناس بأن ما يحدث سببه غضب الآلهة. وعليه، ولتسكين هذا الغضب، أخذت الناس تقدّم القرابين؛ جزافا، وأي قرابين؟ فتيات في عمر الزهور. ولكن كل ذلك لم ينفع في شيء، إلا خسارة الأرواح وموت الأراضي الزراعية.

وبما أن النبي إبراهيم (ع) من العراق، وعلى مقربة من هذه المشاهد، وتحت سيطرة معبد عشتار، حطم الأصنام الحجرية التي تمثل تصورات لآلهة تلك الأقوام. وزيادة على ذلك، هَمَّ إبراهيم (ع) لذبح ابنه، ولكن القضاء الرباني رفض هذه القرابين. وهي إشارة واضحة لقوم إبراهيم بأن الله واحد أحد وهو غني عن التضحية بالبشر، وأنه لا يريد قرابين لنفسه. الله يريد أن يحيي النفوس، لا أن يتسبب في موتها؛ خصوصا، عندما تطغى قداسة بعض الطقوس المبتكرة، كما الآلهة التي اخترعها البشر.

الله هو الخالق البارئ المصور. وتصور هذا الكيان العظيم عبارة عن صياغته كإله. وفي ظني، من المستحيل أن يتصور الإنسان البسيط هذا الكيان العظيم كما هو. ولو فعل، فإنه يحدّ الله سبحانه بقصور تفكيره. والله بعيد عن الإدراك ولا يمكن أن تحدّه أوهام بشرية. ولكن لا بأس أن نجتهد في الأمر شريطة أن تكون تصوراتنا تصب في مصلحة الإنسان؛ خصوصا الآخر، لا في مضرة أحد. وهذا ما جسده إبراهيم (ع).

الرسالات (الأمثلة تضرب ولا تقاس) مثل سباق التتابع بحيث يسلّم كل لاعب الراية لمن يأتي بعده، إلى أن ينتهي اللاعب الأخير بالوصول للنهاية. في هذه اللعبة، يقوم المدرب بانتخاب أفضل لاعبيه، ويجعل آخرهم أكفأهم وأسرعهم وأقدرهم على الفوز. وتمثل ذلك في خاتم الأنبياء والرسل محمد (ص) الذي حطم الأصنام الحجرية والآلهة المزعومة التي استخدمها كهّان قريش ضد الفقراء والمساكين. الرسول (ص) من أفضل مربي النفوس، وأعرف بنفوس الناس. وقبل رحيله للرفيق الأعلى، أوصى قومه بجهاد أنفسهم، الذي يعتبر من أصعب أنواع الجهاد.

كل الرسالات السماوية التي سبقت الرسول (ص) تم تحريفها، ونظرة سريعة للقرآن ولأحاديث النبي (ص) المتواترة، قومه اتبعوا سنن الأولين، حتى دخلوا معهم جحور الضبان. كما خلقت اليهود إلها غليظا وناقما ومتحيزا لهم، خلق النصارى عكس ذلك الإله الذي أرسل ابنه للأرض وضحى به ليمسح ذنوب البشر. ونحن على يقين؛ ومن خلال قصة إبراهيم (ع)، بأن الله لا يريد أضاحي لنفسه، خصوصا إن كانت بشرية.

البشر يبقون بشرا، ودائما يصيغون الإله حسبما يشتهون، ودليل ذلك أنه لا توجد عقيدة على وجه الأرض لا تجعل آلهتها تنحاز إليها ضد الآخرين من الناس. وهذه عقيدة مضروبة، وحذر الله منها في القرآن أكثر من مرة. والمسلمون بشر، اختلفوا في صياغة ألوهية الله على الأرض، ولن تجد ملتين في الإسلام تتساوى فيهما النظرة للإله العظيم. وبقي إله المسلمين منحازا لهم؛ بل، إله كل مذهب تم صياغته حيثما فصّله أعيان المذهب كما أراده الناس.

وبسبب اختلافات البشر في تصوير الخالق العظيم؛ وهذا لا يقتصر على المسلمين فقط، أقيمت مذابح وانتهكت حقوق وأهينت كرامات. ومن المؤكد أن هذه الآلهة لا تمتّ لإله الأنبياء في شيء، وذلك لأن إله الأنبياء أتى لإحقاق الحق ورفع حظوظ المستضعفين والمطالبة بحقوق المظلومين.

أيها الإنسان الكريم، بغض النظر عن ديانتك أو مذهبك، وبغض النظر عن تصورك للإله الذي وصل إليك، عليك مراجعة تصورك للإله، فإن وجدته منحازا إليك ولقومك من دون الناس، فإلهك يقبل بظلم الآخرين، ويعتبر ظلمهم جهادا في سبيله. وإن كنت مسلما على خطى محمد (ص)، فتذكر أنه أمر بجهاد النفس وترك الخلق للخالق؛ لا ضرر ولا ضرار.

وبعيدا عن الطقوس وكيفية الشعائر التي انشغل بها السائل والمسؤول، هناك أمور جوهرية أهم من هذه القشور التي لا تسمن ولا تغني من جوع. هناك عدل ورفع للظلم ورحمة وتعايش وانشغال بعيوب النفس بعيدا عن ملاحقة عيوب الناس أو انتهاك حقوقهم من خلال التصورات البشرية الناقصة لذلك الكيان العظيم، الله.

الله يريد منك أمورًا بسيطة جداً؛ بأن تكون ذا خلق، لا تظلم أحداً من خلقه دون حق. إن استطعت أن تفعل، فأنت تجسد إرادة الله، وإن لم تستطع، فجاهد نفسك كما أمرك رسول الإسلام محمد (ص)؛ وعلى الأقل، كفّ أذاك عن الناس.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×