معضلة الإمام علي مع مغالطات المنطق قراءة في أقواله وتأملاته
هالة الشماسي
يُنسب إلى الإمام علي،عليه السلام قول: ”ما جادلت عالماً إلا وغلبته، وما جادلت جاهلاً إلا وغلبني”. هل من الممكن أن يغلب الجهلاء الإمام علي _ عليه السلام؟! وكيف؟!
نعم هم يغلبونه، يغلبونه في متاهات عقولهم الضائعة وليس في الحقيقة.. فالجدال مع الجاهل دائماً يؤدي الى طريق مسدود، ذلك لأن الجاهل يلوذ بالمغالطات المنطقية في الجدال سواء الصورية منها وغير الصورية.
فمثلاً كثيراً ما يستخدم في أغلب المناقشات في المواضيع الجدلية عندنا ـ في الوطن العربي ـ مغالطة الاستدلال الدائري. والاستدلال الدائري هو البرهنة على المسألة بنفسها، أي أن نعيد صياغة المقدمة ثم نجعلها نتيجة.
ومثال على الاستدلال الدائري:
أن يناقش شخص شخصاً آخر مقتنعاً بأن كل ما تقوله الكنيسة صحيح.
فيسأله ما الذي يثبت أن كل ما تقوله الكنيسة صحيح؟!
فيجيب قائلاً: لأن الكاهن بالكنيسة قال إن كل ما تقوله الكنيسة صحيح.
وأيضاً من المغالطات المنتشرة في التفكير العربي هي مغالطة (الشخصنة)، التي تعني مغالطة «الحجة الشخصية» حيث يعمِد المغالِطُ إلى الطعن في «شخص» القائل بدلًا عن تفنيد «قوله»، أو قتل «الرسول» بدلًا من تفنيد «الرسالة».
بينما في الحقيقة إن ما يحدد قيمة صدق عبارة، وما يحدد صوابَ حُجة، هو في عامة الأحوال أمرٌ لا علاقة له بقائل العبارة أو الحجة من حيث شخصيته ودوافعه وسيكولوجيته، فمثلاً عبارة «٢ + ٢ = ٤» هي عبارة صحيحة سواء كان قائلها عدوًّا أو مغرضًا أو معتوهًا أو كافرًا، وإن ما يحدد قيمة الصدق في عبارة «السماء تمطر» هو ببساطة الطقس المحلي، وهو شيء قائم ومستقل تمامًا عن شخص القائل.
والإمام علي، عليه السلام، يدحض مغالطة الشخصنة بقوله:
“الحق لا يعرف بالرجال، وإنما يعرف الرجال بالحق، فاعرف الحق تعرف أهله”.
ومن أنواع المغالطات المنتشرة في جدالاتنا العربية هي مغالطة التوسل بالأكثرية أو مغالطة عربة الفرقة أو الحجاج الجماهيري وهي مغالطة منطقية تقوم على افتراض صحة ما يقبله أكثر الناس لمجرد أن الأكثرية تقبل به.
حيث إن الفكرة الأساسية ـ هنا ـ هي أن الدعوى تكون مقبولة لأن غالبية الناس لديهم موقف إيجابي عن هذه الدعوى، وتكون مغالطة حينما يكون موقف الناس بديلاً عن الدليل المنطقي الذي يدعم صحة الدعوى، فالعدد المؤيد مهما كان كبيراً لا يؤثر إطلاقاً في صحة أو خطأ القضايا.
وبالطبع قد أثبت الزمن دوماً أن هذه مغالطة، فقد اعتقد الناس في الماضي “أن الأرض مستوية” وقد اعتقدوا “أن الأرض مركز الكون وأن الشمس تدور حول الأرض”، واعتقدوا كذلك بأنه “لا يمكن للإنسان أن يطير” وقد تم دحض كل هذه الدعاوى في الزمن الحديث، لأنها لم تكن مبنية على دليل منطقي يدعمها.
وهذه المغالطة مؤثرة للغاية كأداة لإقناع الناس، وتستخدم بأشكال كثيرة. حيث إن معظم الناس يميلون إلى الأخذ بالسائد كونه الأسهل والأقل خطورة.
وفي دحض مغالطة التوسل بالأكثرية يقول الإمام علي عليه السلام:
“لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه”.
كما أن القرآن الكريم ذم الأكثرية في 81 آية في كتابه، منها قوله تعالى:
{وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا ۚ إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ}
سورة يونس – الآية 36
ومن بين المغالطات المنطقية المتداولة عندنا في كثير من كتب المسلمين هي مغالطة التركيب.
وتحصل هذه المغالطة حين يُعتقد بأن ما يصدق على أفراد فئة ما، يصدق أيضاً على الفئة كلها معتبرة كوحدة واحدة، مع عدم وجود تبرير منطقي لهذه النقلة.
ومن أمثلة مغالطة التركيب المثال المستخدم كثيراً في كتب الأخوان المسلمين عن دولة السويد وكيف أنها دولة علمانية متقدمة بل ومن أكثر الدول المتقدمة ولكنها من أعلى نسب الانتحار في العالم.
فإذن؛ وبناء على ذلك فإن التقدم والتطور يؤدي إلى ارتفاع نسب الانتحار، فمن الأفضل لنا ألانصبح دولاً متقدمة، ونبقى متخلفين أفضل لنا وحفاظاً على طول أعمارنا.
وهنا نرى أن المغالطات المنطقية في النقاش وعند طرح رأيٍ ما ومحاولة إثباته منتشرة كثيراً في وطننا العربي ويتم استخدامها إما بوعي أنها مغالطة أو بعدم وعي.
وسبب ارتفاع استخدام المغالطات المنطقية يعود إلى عدم إدراج المنطق كمادة في المناهج الدراسية لدينا، على الرغم من أن باقي المواد العلمية التي ندرسها قائمة على المنطق ولم تثبت نظرية علمية في العالم بدون استخدام المنطق وتجنب مغالطاته.
والمغالطات المنطقية عبر الزمان غالباً ما كانت العقبة التي تواجه العلماء والمفكرين في إثبات نظرياتهم وأفكارهم الجديدة ودحض النظريات الخاطئة السابقة.
خليك في نفسك واهلك ولا عليك من غيرك،عندهم اهل وهم يعرفو مصلحتهم
الموضوع جميل وتحلبل رائع، ولو أنك لم تستخدمي المسيحي كمثال لكان أفضل. أما التعليقات التي تدس السم في العسل فتجاهليها لأن ذلك من صلب الموضوع الذي طرقتيه. تحياتي لك.
احستي
مقالة رائعة وجميلة بمنطقها.
كلام متقن وجميل و طريقه كتابه عامره بالمعرفه والمعلومات المنطقيه
مبروك عليك هذا الابداع
لنقرأ اكثر منك
ومن المغالطات أيضاً أن القرآن يحث على ستر المرأة وأنها تكون في كشف وجهها إلى بعلها وأبيها وأخيها ومن ومن الا أن في عصرنا الحاضر ( نهج الحرية الشخصية) الذي لانعلم إلى أين سيصل بنا من الانحطاط والانحراف…