سعيد الغانم.. القطيفي الذي قاد سريّة جيش في حرب 67  لعب دور "العسكري" صغيراً فأصبح أول ضابط في مجتمعه

القطيف: ليلى العوامي

عندما يكون الإصرار دافعاً لتحقيق الحلم، وتكون العزيمة وسيلة لتجذير الأماني على أرض الواقع.. نكون أمام “النموذج” العصامي و”القدوة” التي يجب استنساخها لتصبح في كل سلوك وتصرف وطموح بروح القيادة.

نحن اليوم أمام شخصية لها بصمتها المؤثرة التي ظلت طيلة حياتها كـ “سيرة” رائعة، و”مسيرة” مخلصة، ألا وهي شخصية العقيد سعيد الغانم (1358 ـ 1438 هـ) الذي ولد في القلعة لأسرة توارثت الوجاهة والقيادة والزعامة والثراء في القطيف..

الغانم الذي ولد في أسرة لأبوين هما الحاج أحمد بن عبدالوهاب بن علي بن عبدالله بن إبراهيم بن علي بن أحمد الكبير بن راشد الغانم، ووالدته الحاجة زكية إبنة آخر زعماء السياسة في القطيف الحاج عبدالله بن راشد الغانم، كان يلعب دور الشرطي ـ في “القلعة” وهو طفل صغير، وكأنما كان يستقريء المستقبل الذي ينتظره.

مع الملك سعود، رحمه الله

فقد والدته وهو لم يتجاوز الرابعة من عمره؛ فتربى في حضن عمته الحاجة فهيمة بنت عبدالوهاب الغانم (أم علي الفارس)، وكنف الحاجة برّة القطري (ام عبدالله أبو خالد الغانم) زوجة أخيه الأكبر الحاج ملا علي بن أحمد الغانم، حيث لقي عندهما الحنان والحب مع وجود الأب الحاج أحمد بن عبدالوهاب الغانم الحافظ للقرآن والمعلم له منذ الصغر على حب القرآن وصوت الحق..

كان الفقد المبكر دافعاً ليصبح أول ضابط في محافظة القطيف ونواحيها حتى وصل إلى رتبة عقيد وهو الوسام الأسمى الذي يتباهى به، وبالتالي عاصر أحداثاً كثيرة أهمها حرب يونيو عام 1967م حيث كان شاهداً على بعض أحداثها.

وقد رزقه الله بأربعة من الأولاد الذكور أكبرهم أحمد ويعمل مديراً لمدرسة ضرار الإبتدائية بصفوى، وياسر يعمل في الخطوط الجوية السعودية، وميثم في الأعمال الحرة، ثم حسين ويعمل في إحدى الشركات الخاصة، وإبنتين هما ميساء وعلياء كانتا قرة عين له وتعملان في التعليم.

ذكريات زوجة مخلصة

عن البدايات، تشير زوجته الحاجة هنية بنت حسن عبدالله بن راشد الغانم إلى أنها تزوجت ابن عمتها عام  1383 وهي في الرابعة عشر، وعايشت جميع فترات انتقاله في خدمة وطنه، حيث كانت أول رحلة لها معه إلى تبوك لمدة أربع سنوات، وحينما أكمل طفلهما أحمد عامه الأول، غادراها إلى الأردن ومن ثم المنطقة الشرقية.

وتتذكر ذهابهما لنجران في طائرة عسكرية لها أزيز مدوٍ، هبطت على مدرج ترابي كان هو الوحيد هناك، إضافة لوجود غرفة صغيرة لإدارة المدرج، واصفة الرحلة بـ”المتعبة” وقد رفضت العيش في المنزل الذي استأجره لأنه بعيد عكس رغبتها بالسكن وسط البلد.

وتزامن ذلك مع ملاقاة زميله العقيد سعيد الزاير، رحمه الله وزوجته، فاستعارا منزلهما مؤقتاً عند عودتهما للمنطقة الشرقية، قبل أن يستأجرا شقة متواضعة. ثم كانت النقلة عندما أخذا منزلاً يعود لمدرس فلسطيني انتهت إعارته. كان من الطين، ولكنه كان يعوض حرارة الطقس، قبل أن يشتريا مكيفات صحراوية تساعد الأسرة على التأقلم.

وتذكر أيضاً انتقالهما لمدينة الملك خالد العسكرية في خميس مشيط وكانت منطقة زراعية وجميلة، حيث استمتعا بمشاهدة الأفلام السينمائية في قاعة مجهزة حديثاً، في يوم للرجال ويوم آخر للنساء.

وتقول بأسى إنها لا تنسى وقتها استشهاد الملك فيصل رحمه الله، حيث وقع الخبر على الجميع كالصاعقة خاصة زوجها الذي جلس حزينا لفترة، قبل أن يعودا مرة أخرى للمنطقة الشرقية.

وعن معالم شخصيته، تردف الحاجة هنية: “أبو أحمد في المنزل يختلف عنه في العمل، فذلك الذي تراه حازماً وشجاعاً وصارماً.. يكون مع أسرته عطوفاً حنوناً يغدق عليها الحب والحنان ولا يدخر جهدا في تقديم كل ما يستطيع”.

تضيف أنه ربَى أبناءه على حب الخير والطاعة والتقرب الى الله والخوف منه، وأوصاهم بأن يكونوا عوناً لكل ذي حاجة بعيداً عن التباهي، ويكفينا أنه حتى بعد رحيله لا يزال أصدقاؤه وزملاؤه داخل المملكة وخارجها يتذكرونه بالخير دائماً.. ومن هؤلاء شخصيات رفيعة مدنية وعسكرية ومسؤولون في مناصب رفيعة.

وتعود الحاجة هنية بذاكرتها للوراء قليلاً، وتذكر أن زوجها الراحل تشرف بلقاء الكثير من الشخصيات والقادة منهم الملك سعود، والملك فيصل، منذ أن كان وليا للعهد، والملك خالد، كما كان ضمن وفد القطيف في لقاء الملك فهد. وأيضا التقى الأمير سطام بن عبدالعزيز، والأمير محمد بن فهد، والأمير فهد بن سلمان والأمير سعود بن نايف، والأمير مشاري بن سعود، والأمير تركي بن ناصر، ولا ننسى علاقته المميزة بالأمير سلطان بن عبدالعزيز  والأمير بندر بن سلطان، والأمير فهد بن عبدالله، كما التقى العاهل الأردني الراحل الحسين بن طلال أثناء وجوده في الأردن ضمن قوات الجيش العربي السعودي عام 1967، معتبرة تلك الأيام هي الأجمل التي قضتها هناك كالعاصمة عمان والكرك ومعان والزرقاء، ولم تشعر بالغربة ووجدت من جيرانها كل تعاطف وتعاضد خاصة في غياب “أبو أحمد” في المرابطات الميدانية الطويلة..

وأضافت أنها في تلك الفترة تأثرت إيجابياً بثقافات أخرى وتشرفت بدخول القدس وزيارة المسجد الأقصى والصلاة في مسجد قبة الصخرة.

كان يلعب دور الشرطي

من جهتها، تقول إبنته ميساء، إن والدها الراحل كان يتمنى أن يكون عسكرياً منذ صباه، و”سمعنا منه قصصاً من حياته يرويها لنا أثناء جلوسه معنا حيث كان يقوم بدور الشرطي الذي يحقق في القضايا وكيف يمثل دور الضابط الذي يقوم بوضع المجرم داخل السجن ويغلق عليه”.

وتوضح الكثير من مواقفه التي تدل على عشقه لهذه المهنة، وتضيف “اهتم جدي ـ رحمه الله ـ بتعليم والدي فأرسله إلى الكتاتيب لتعلم قراءة القرآن وحفظه، علي يد الشيخ عبد الرسول آل جواد،  وفي سن مبكره التحق بابتدائية الحسين بن علي وأنهى دراسته بتفوق.

ومن أجل تحقيق حلمه في الخدمة العسكرية؛ اتجه على لرياض والتحق بكلية الملك عبدالعزيز الحربية ليكون خادماً للوطن، و بالإصرار والعزيمة تمكن من تحقيق حلمه، حتى بعد أن فقد والده وهو في السادسة عشرة، واعتمد على بناء ذاته يدعمه في ذلك شقيقه الحاج عبدالله الغانم، رحمه الله، الذي أصر على تفرغه لإتمام دراسته وترك الأمور التجارية.

مع العاهل الأردني الملك حسين بن طلال

تدرج وظيفي

أما ابنه أحمد فيضيف، أن والده أنهى المرحلة المتوسطة وهو طالب بكلية الملك عبدالعزيز الحربية، ولما تخرج عُين ملازماً ثانياً في الطائف عام 1381هـ، وهو العام الذي أسندت فيه مهام وزارة الدفاع والطيران لصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز «يرحمه الله».

انتقل بعدها إلى “القشلة” بالمنطقة الشرقية برتبة ملازم أول، ثم نقل الى تبوك كضابط إشارة ثم ضابط تنفيذ، بعدها ولمدة سنتين وستة أشهر وتحديدا في العام 1387 «1967» تولى قيادة سرية ضمن الجيش السعودي في القوات العربية المشتركة التي ذهبت الى الأردن برتبة نقيب، وبعد عامين تقريبا أي في العام 1389 هـ  عاد الى الشرقية في قاعدة الملك عبدالعزيز الجوية بالظهران، بعدها نقل الى نجران عام 1392 هـ  برتبة رائد، ثم إلى خميس مشيط برتبة مقدم، وكان حينذاك في الإمدادات والتموين، ذلك عام 1395 هـ.

ثم عاد ليعمل ركن تموين المنطقة الشرقية للقوات المسلحة بقاعدة الملك عبدالعزيز الجوية برتبة عقيد، ثم إلى مدينة الخرج بالمصانع الحربية، وبقي فيها حتى شهر رمضان 1403 وقبل أربعة اشهر فقط من ترقيته إلى رتبة عميد. وتقاعد ـ رحمه الله ـ بالرغم من محاولة الكثيرين إقناعه بعدم التقاعد، إلاً أنه أصر على ذلك ليتفرغ لأسرته ومجتمعه.

ما بعد التقاعد

عن هذه المرحلة، تقول إبنته علياء، إن التقاعد لم يثن والدها عن العمل الوطني والاجتماعي، فقد ظل خادماً لوطنه ومجتمعه في القطيف ومشاركاً في الكثير من المناسبات الاجتماعية والأعمال التطوعية، وقد خصص مجلسه كل ليال الخميس لاجتماع العائلة والأقارب.

أما ليال الجمعة فخصصة لطلاب العلم ورجال الدين وخطباء المنبر، كالملا علي الطويل والشيخ منصور الجشي والشيخ عادل الأسود والشيخ مهدي وعبدالمنعم وعبدالعزيز المصلي والشيخ علي الخاطر والسيد مجيد الشاخوري والشيخ مرتضى سليس والخطيب ملا عبدالرسول البصارة.

تضيف أنه رحمه الله كان شديد التعلق بآل البيت عليهم السلام وتربطه علاقات متميزة بالشيخ عبدالحميد الخطي، وكان يعتبره بمثابة الأب القدوة ويكن له جل التقدير والاحترام، وكذلك الشيخ سعيد أبو المكارم، وله علاقات محبة وصداقة مع مشايخ آل العصفور بالبحرين كالشيخ سعيد العصفور والشيخ محسن العصفور، والحاج زكي شيخ علي أبو عبدالكريم الخنيزي.

كما يفخر دائماً بأبناء خالته الشيخ عبدالله الخنيزي والأديب الشاعر محمد سعيد الخنيزي. وله شأن خاص بجلسات متعددة مع الشيخ كاظم الجشي، وهناك زيارات متفرقة تدخل عليه الفرح والسرور لكل من : السيد سعيد الشريف والسيد منير الخباز والسيد ضياء الخباز والسيد عمران السادة، والسيد شرف الجراش، والشيخ عباس المحروس وكذلك الشيخ علي ال محسن والشيخ محسن المعلم، والخطيب محمد أبوزيد والسيد حيدر العوامي، وله لقاء مع السيد علي مكي العاملي والشيخ مرتضى الشهرودي، في مشهد ودمشق.

ماذا يقول الأبناء؟

بذات السياق، يكشف ابنه ميثم، أنه عندما أسندت لوالده مهام إدارة المستشفى العسكري بالظهران لفترة بسيطة، استطاع إحداث نقلة نوعية في فترة وجيزة على المستوى الطبي والإداري مما جعل قائد المنطقة يثني على جهوده وإنجازاته، وأوضح أنه ـ يرحمه الله ـ كان عزيز نفس، سخياً، نقي السريرة، واضحاً وصريحاً، قليل المجاملة وهو ما سبب له الكثير من المتاعب أحياناً، وإضافة لحضوره الذهني فقد تمتع بذاكرة شديدة ويحفظ المعلومات بسهوله، كأسماء أفراد سريته وأرقامهم العسكرية وأكود أسلحتهم، لدرجة أنه من الطرافة أن يتصل به مسؤول السنترال ليعرف تحويلات هواتف الضباط بالقاعدة.

وبينما حكي ابنه حسين طرفة عن والده ، ملخصها أن أحد المدرسين رصده نائما في الحصة، فورّط الفصل بسؤال وقال: ”حتى هذا النائم راح يجيب على السؤال“، فتفاجأ من إجابته الصحيحة على السؤال، رغم كونه نائما.. استرسل الابن ياسر في الحديث عن والده الراحل، معتبراً أنه كثيراً ما كان يتحدت عن شخصية علي بن يقطين الإنموذج فأخذ يحذو منهجه بتقديم أقصى ما يستطيع لأبناء مجتمعه، ومن جميل عطايا السماء صدق حدسه بتحليل الأمور والمعطيات وكأنما يقرأ المستقبل برؤيا المشاهدة القلبية للأحداث ولعل ذلك التوفيق لبقائه على طهارة الوضوء بشكل مستمر.

ويجمع الأبناء على طيبة قلب والدهم وكرمه وحسن ضيافته، وأنه إذا جاءه شخص يريد مساعدة كان يبقى طوال ليلته يفكر كيف يقضيها له ويسعى من أجل الجميع، من يعرفه ومن لا يعرفه، وقالوا إن مشهد المعزين وهم يتوافدون ويذكرون فزعته وشهامته وكيف كان لا يؤخر لهم حاجة طلبوها، جعل منه وساما على صدورهم ومحل فخر واعتزاز . وقالوا إنه يكفيهم أنه كان يحثهم  دائماً على المبادرة في خدمة الناس دون انتظار عبارة شكر.

أسرة الغانم

تاريخ الأسرة يعود لـ”بني مقلد” من بني بكر بن وائل العدنانيين، الذين برزت منهم وجوه في الفقه والعلم والشعر والخطابة قبل القرنين العاشر والرابع عشر الهجريين، وأسسوا مدرسة دينية نسبت لآل أبي ذئب وتولوا زعامة الشيعة في المنطقة، ويعرفون حالياً بألقاب عديدة منها آل مقلد وآل ابي ذئب وأشهرها آل غانم وقد ساد حكمهم على القطيف بدءاً من الزعيم أحمد بن راشد بن غانم الملقب بشيخ الحاضرة، الكبير على الرعايا في القطيف ونواحيها إبان الحكم العثماني، ثم الزعيم علي بن أحمد الكبير الملقب بأمير الشرق، ثم سعود بن علي، وبعده إبراهيم بن علي، عبدالله بن إبراهيم، علي بن عبدالله، وآخرهم جده لوالدته الزعيم عبدالله بن راشد المتوفى1349ه حيث تولى إدارة بيت المال، مع إشراقة الدولة السعودية الثالثة.

‫2 تعليقات

  1. كان العقيد سعيد مدير مستشفى قاعدة الملك عبد العزير الجويه بالظهران قبل ١٩٨٠ واستلم منه العميد الصيدلي عبد الرحيم حبيب الله وفي سنة ١٩٨٢ قدمت من المانيا وتعرف علي واصبح صديق يزورني بين الفينة والأخرى ويحدثني عما عمل بالمستشفى وكان آنذاك عقيدا متقاعدا وقد قرأت تقريركم لأعرف لأول مره انه متوفي الله يرحمه ويحسن اليه كان رجلا طيبا

  2. معلومات تاريخية قيمة
    المقال يعتبر مشهد تاريخي قديم للصعوبة العيش سابقاً،
    طرق انتقاله من منطقة إلى منطقة في وطنه في ظل صعوبة الاتصالات والتواصل وعدم وجود الهواتف إلا مانذر ولكنه استطاع استطاع أن يتعايش ويعيش لخدمه عمله وطنه.
    رحمه الله رحمة الأبرار
    وحشره الله مع محمد وآل محمد

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×