حراس الفضيلة بلا فضيلة

محمد حسين آل هويدي

بسم الله الرحمن الرحيم: … «3» وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ «4» … صدق الله العلي العظيم – القلم.

قبل الرسالة المباركة، اشتهر رسول الله محمد (ص) بالنبل والأخلاق والصدق. وبعدها، أيدته السماء فيما يفعل من أخلاق عظيمة. وقال مربينا الأول (ص): الدين الخلق؛ من لا خلق له، لا دين له؛ إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. وحب الرسول (ص) ووده ليس مجرد كلام يلفظه اللسان، ولكنه اتباع صارم للأخلاق الحميدة التي تّمَيّز بها سيد الخلق والمرسلين (ص). كثيرون يدّعون أنهم يتبعونه أو حتى يمثلونه، ولكنهم يخالفونه في أبسط الأمور، ألا وهي الأخلاق والرحمة.

ذكرنا من قبل أن السماء ركزت على تربية النفوس من خلال اصطفاءِ بشرٍ أخيار يمثلون أعلى قمة هرم الفضيلة. هؤلاء الأخيار لم يريدوا من الناس أجراً على وعظهم المستمر. وطالما تم الاختيار السماوي لخيرة البشر، لم يعد التبليغ اختياريا، ولكن إلزام، ونستطيع أن نعرف الأمر من خلال قصة نبي الله يونس (ع).

مع ختام الرسالات، ركز الرسول (ص) على ثلاثة أمور مهمة، ولقد أوصى الناس قبل رحيله بجهاد الأنفس:

  1. المُثُل التي يحتويها ضمير الإنسان وكيف يتصرف حينما لا يراقبه أحد.
  2. الأخلاق وهي عبارة عن تعامل الفرد مع من حوله بالحسنى.
  3. الأحكام وهي قوانين تردع من يتجاوز حدوده الأخلاقية.

يفترض أن الذي يتبع رسول الله (ص) ليس بحاجة لأن يصل لمساءلة قانونية وذلك لأن أخلاقه لا تسمح له أن يعتدي على الآخرين، ومُثُلُه تمنعه من الغش في السلع حينما لا يراه أحد (مثلا، زيادة الماء للحليب). ومن لا يلتزم بهذه الأمور، قبل محاكمة القانون، لا يدّعي أبدا بأنه من أتباع محمد (ص)، ناهيك أن يفرض رؤيته على كل أتباع محمد (ص).

الطريف في الأمر أن أكثر الذين يتصدون لحراسة الفضيلة لا يمتلكون أدنى متطلبات الأخلاق. ولا يعلم الناس، لماذا يتصدى عديمو الأخلاق للحفاظ على الفضيلة؟ وأي فضيلة تلك التي لا تقترن بأخلاق؟ وبسبب سوء سلوك هؤلاء الحمقى، تُحسب تصرفاتهم على الإسلام وعلى رسوله. وكيف لا، وهم يشبرون ويعبرون تحت مظلة الشرع إذ يعيثون في الأرض فسادا دون حسيب أو رقيب. وكيف لا والحمقى في كل بقاع الأرض يبررون لهم تصرفاتهم البشعة وسوء أخلاقهم تحت ذرائع مختلفة. ولكن، كما تكونون يولى عليكم. إذ يبدو أن هؤلاء انعكاس لأخلاق من يدافع عنهم.

قبل برهة، انتقد (بل سب) أحدُ حراسُ الفضيلة كاتبا وصحفيا مرموقا وأخذ يعيّره بأنه كان فقيرا يسكن في صندقة يخر منها المطر وبأن مخاطه يملأ وجهه. ومن المؤسف أن الوعاظ الذين يتدخلون في تصرفات الناس الشخصية من خلال منابرهم لم يأمروا بمعروف أو ينهوا عن منكر. وكيف لا، وكل منهم يحك ظهر الآخر ويستفيد منه. في أحيان كثيرة، صاحب النفوذ يستعين بأشرس الكلاب لحماية قصوره، التي بنيت على لحوم الفقراء، ولا يعتذر حتى ممن اعتدت عليهم كلابه وهم يمشون في سبيل حالهم.

من المؤسف، أن الفضيلة أصبحت بالمقلوب إذ تسمح لمن يدعيها أن يفعل ما يشاء دون حسيب أو رقيب، بل وبتأييد جماهير وغطاء شرعي، والمشتكى لله.

‫3 تعليقات

  1. الأخ الكريم.. شكراً على حسن ظنك. ويجدر بنا الإيضاح بأن الأستاذ الهويدي يكتب باسمه وصفته، ولا يستخدم قناعاً ولا برقعاً ولا اسماً مستعاراً. وهو يعبّر عن رأيه بوضوح دون اللوذ بوسائل التخفي التي يلوذ بها أصحاب الوجوه المتعددة. شكراً لتعليقكم الكريم.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com