صدق الله العظيم

إبراهيم الزين

 

 

على الرغم من التطرق والطرْق على بعض المشاكل المجتمعية المستشرية ، إلّا أننا نلحظ تفاقمها وكأنها في حرب مع الحكمة والنصيحة والمشورة ، وهي لذلك تعاند وتستفحل بشكل تستعصي معه الحلول مهما طُرقت أبوابها ،

وإن أول ما يشخص أمامنا من حيث الأهمية هي مسألة الطلاق ، وهو أمرٌ منطقي بلا شك ولكن : هل هو الطلاق بعينه ولذاته ؟ ، أم أنها المسببات الإبتدائية التي تؤدي في النهاية لوقوعه ، والعبد الفقير ليس باحثاً اجتماعياً ولا طالب علم ، ولا طبيباً نفسيا ، حتى أشخص الأمر بدقة ، ولكني فرد من المجتمع أعرض قدر ما أفهم وادرك ، فلا يؤاخذنا الضالعون في الأمر .

ظني والله أعلم أن القضية تأتي من الأساس وهي ليست وليدة ما بعد تاريخ عقد القران ، وبلمحة سريعة على الماضي القريب ولنقل لعشرين أو ثلاثين سنة ماضية فقط وما عقبل ذلك ، نكتشف أنه لا يوجد لدينا ما يدل على وجود هذه الظاهرة ، بل ربما تكون معدومة أو بنسبة لا تذكر، وهذا دليل على أن هذه الظاهرة هي لأسباب أخرى وجدت مع وجود الأجيال المتلاحقة .

نحن نلحظ في الغرب وبعض الدول العربية أن الأجيال المتلاحقة تحافظ على القيم والمسلمات العرفية والخلقية ، وكذلك العادات والتقاليد الحسنة والتي يتوارثونها عن بعضهم ، ولهذا فإن زائر هذه الدول لا يلحظ التغيير الكثير على شعوب هذه الدول خاصة فيما ذكرنا ، ولكننا هنا في مناطقنا نرى أن كل عقد من الزمن يظهر علينا أجيال يتفننون في الإنسلاخ عن مجتمعهم والإنحلال عن القيم ، وأن التباين واضح وضوح الشمس بين الجيل والآخر بما هو أسوأ ، ونحن لا يمكننا هنا تفسير ما يحدث ، إنما على عجلة نقول أن العصرنة ، وتسارع الطفرات الحضارية ، والتهاء أولياء الأمور ، والأخذ من الآخر القريب أو البعيد العادات السيئة السلبية بدل الحسنة الإيجابية ، ولا ننسى قوة التأثير الإعلامي ، والأهم الأهم هو ترك مقاعد الدراسة تزامناً مع عدم مراقبة جيل الشباب ، كل ذلك أدى إلى الإنقلاب على عقارب الساعة بحيث أصبحت عجلة التغيير للأسوأ بسرعة لا يمكن تصورها ، ومعها يستحيل التحكم فيما يحدث ، من أجل إعادته إلى جادة القيمومة .

فلا نستغرب مطلقاً أن يكون الطلاق أمراً سهلاً في ظل هذه المتغيرات التي تؤثر بلا شك على التربية ، سواء الأسرية أو التعليمية أو المجتمعية ، فتجعلها هشة تقيمها الرياح بلفحة واحدة.

لهذا ، إن القاعدة التي يبنى عليها الإرتباط الزيجي عندنا إن صح التعبير هي قاعدة غير صالحة ابتداءً ، فلا ندري ما الذي يستحضره الخطيب ، وكذلك الخطيبة أثناء العقد ، بل ما هي الشروط والمواصفات التي كانا يرغبانها في بعضهما أثناء البحث والتقصي حتى وصلا إلى مرحلة الموافقة المشروطة ؟

هناك الكثير والمثير من الملاحظات للأسف بني عليه ما سوف يكون باطلاً بعد فترة ، مما سوف يؤدي بلا شك للإنفصال قبل أو بعد الزواج ، والمقام هنا لا يسع للتفصيل ، ومن السخرية أن نذكر بعض المخجل منها ، كأن ينفصل الزوجان بسبب نوع كوشة العرس أو مكان السفر ، أو حجم الشقة ، أو خلافه من الحطام الدنيوي الذي لا يسوى شيئاً أمام توافق القلوب والعواطف والأحاسيس ، نقول ذلك لأنه ربما رغب الزوجان في الإستمرار ولكن الأنانية والشيطان والمناظرة مع الآخر يجعل تغليب المفاسد هو الأولى على تغليب المصالح القيمة المشتركة .

من جانب آخر نحن نقسو أحياناً على الشاب لتأخره في الزواج وكذلك الشابة ، ولكن بسبب ما يلحظانه نراهما يتخوفان من الإقدام ويضعان الشروط حتى يضمنا الحصول على التزاوج المرضي على أقل تقدير . ولهذا فإن العنوسة من الجنسين لدينا بينة جلية ، تماماً كما هو حال المطلقات والمطلقين .

ونحن هنا من الصعوبة أن نتعرض للتربية الأسرية ومدى نضجها لحساسيتها ، وحتى لا ينقلب علينا أحد بالإتهام السلبي ، ولكن وجب علينا مراجعة أنفسنا لمعرفة : هل نحن فعلاً ربينا أبناءنا التربية الحسنة التي تهيئهم لحياة مستقبلية مرضية ، هل غذيناهم بالقوامة والأعراف العالية ، وورثناهم الجميل منها حتى سارت حياتهم سلسة جيلاً بعد جيل ؟ ، أم أننا التهينا عنهم ، بل وفرنا لهم الملهيات تدليعاً لهم ، وخوفاً عليهم مما أوقعناهم فيه بأنفسنا ، فأصبح البون الشاسع بيننا وبينهم فضلاً عما ما بينهم وبين من قبلنا بوناً لا يمكن إدراك إصلاحه من دون القانون والعصا ، ولن ينفع ذلك .

بمراجعة واحدة لحالات الطلاق ونظرة واحدة للشوارع أيام العطل بالذات عند الكورنيشات أو أماكن التفحيط ندرك تماما ما الذي فعلناه نحن بأيدينا ، وندرك تماما أن المسؤولية تقع على عواتقنا نحن أولياء الأمور الذين أعطيناهم الضوء الأخضر والأزرق وخلافها من الألوان الزاهية ، ولم يهدونا غير اللون الأسود ، والذي لا نتمنى رؤيته ، فدائماً الأمل موجود إذا استعنا بالله وراجعنا أنفسنا ، تماماً مثلما أتاح لنا ربنا عز وجل المراجعة في الطلاق ، فعلى الرغم من أن الطلاق ثلاث ، ولكنه قال مرتين ، فقط وفقط من أجل مراجعة النفس والإصلاح ، بل وأتاح فرصة بقاء المرأة في بيت زوجها ، بل حتى وإن طلقت بالثالثة وتزوجت وطلقت ، فزوجها الأول أحق بها ، فسبحانه من مدبر حكيم . قال تعالى ( الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ ) .. صدق الله العظيم

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×