الصورة عنوانا للجرح والتعديل الكروي!

أثير السادة*

 

في هوامش المباريات الساخنة، وغير الساخنة، هناك متسع لأحلام الجماهير وخواطرهم، فالصراخ والتشجيع في داخل الملعب أو خلف الشاشة هو بالدرجة الأولى تسخين لعواطفهم التي لن تكف عن الانحياز لفريقها الذي سيكون سببا غالبا لمراقبة ليس الكرة واللاعبين فقط بل حتى الحكم وهو المرشح الأول غالبا في تفسير ضياع أي نتيجة!.

ليس شكا في نزاهة الحكم دائما وإنما هي ثقة بوجود مساحة للخطأ تطوق فعل الحكم وقوله، ومن هنا جرى القبول بهذه العبارة التي تقول بأن الأخطاء التحكيمية جزء من اللعبة، والأحالة إليها كلما خرج استفاد لاعب أو فريق من هذا الخطأ أو ذاك.

وقبل أن توجد الاستوديوهات التحليلية في شاشات التلفاز، وديوانيات التحليل، كانت الناس تعقد منصاتها التحليلية في مجالسها عقب كل مباراة، حيث المباراة في أجزائها موزعة على ذاكرة الجالسين، ليس لأن الواحد منهم لا طاقة له لحفظ تفاصيل كل المباراة، بل لأن الذاكرة انتقائية بطبعها، وهناك لا يخلو الكلام من وجبة نقدية لأفعال الحكم، وإن تضاءلت فسحة الخطأ في أدائها جرى الحديث عن طريقة ركضه أو مكان تموقعه وهكذا…لذلك ينال بعض الحكام شهرة تضاهي شهرة اللاعبين إما لنجاحه المتكرر أو لفشله الدائم!.

ولأنه سيد الملعب، قضى الاتحاد الدولي لكرة القدم أن يهبه المزيد من التقنيات لضمان سلامة قراراته، وكان آخرها تقنية اVAR التي أقرت قبل عامين وجرى تطبيقها في النسخة الأخيرة من كأس العالم، وكان الهدف المعلن من هذه التقنية هو تعزيز النزاهة في إدارة مباريات كرة القدم، وهو يذكرنا بالطعون المألوفة في ذمم حكام المباريات في حالة التغاضي عن أخطاء لها انعكاسات جذرية على نتائج واتجاهات المباراة، أي أنه المطلوب من هذا البروتوكل الجديد أن يجعل من الصورة رافعة أخلاقية لسلوك الحكام وطرق إداراتهم للمباريات، في حين يبقى الحكم مجددا هو صاحب القرار وليس الصورة والواقفين خلف شاشاتها!.

الصورة التي كانت من حظوظ المتابعين فقط عبر الشاشات يصححون بها قناعاتهم أثناء مشاهدة المباراة، باتت الآن طريقا للجرح والتعديل المباشر في قرارات التحكيم، أي أن آثارها لم تعد بعدية فقط بل استحالت إلى معالجة آنية لأكثر القرارات مصيرية في المباراة، حيث الوقوف المتكرر لمراجعة اللقطات بالبطئ والسريع بنية التقرب للنزاهة أكثر فأكثر!.

الطريف أن هذه التقنية لن تحاصر ضمائر الحكم فقط، ولا الجمهور المدفوع بغريزة التشجيع المستميت، بل حتى اللاعبين الذين يجهدون في ابتكار المزيد من الحيل لاكتساب ركلة جزاء أو فاول على اعتبار أن الحيلة هي واحدة من جماليات اللعب، فما يبدو سؤالا أخلاقيا بامتياز في شأن التحكيم لا يبدو كذلك في مربع اللاعبين، فليس من عرف هذه الممارسة أن يصحح للحكم إذا ما وهبه ما ليسه له، بل الأصل أن يحرضه على منحه ما هو أكثر ولو بالخداع!.

صورة السقوط المتكرر لنيمار والتي باتت عنوانا للتندر في يوميات المونديال، قد تصبح درسا في القادم من الأيام حيث الصورة عقاب حاضر لمن يختار الطريق الموارب للوصول إلى مبتغاه، فكما يراد للحكم أن يذهب بعيدا في نزاهته يجد اللاعبون أنفسهم تحت التعقب الكثيف من الصورة مدفوعين إلى الانضباط السلوكي والبحث عن خيارات بديلة للاحتيال، في شكل من أشكال التأديب الذي تمارسه الصورة في حقهم!.

والمحصلة أن التقنية المستجدة التي تتذرع بعنوان النزاهة في حضورها ستخطف من الجمهور بعض متعتهم، وستفرغ الأحاديث التالية للمباراة من بعض سخونتها، وستجرد اللاعبين من بعض حيلهم، غير أنها لن تخرج اللعبة من صورتها التي تجعل من خداع الخصم والحكم معاً لونا من ألوان اللعب!.

______________

*من صفحته على الفيسبوك.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×