كِتَابٌ غريب يسكن رفّ مكتبتي

ليلى الزاهر

المكتبة سراج في المنزل بألف شمعة تضيء حدوده المظلمة، وتُعدّ الملاذ الآمن لجميع أفراد الأسرة صغيرهم وكبيرهم، ذكرهم وأنثاهم. وتُعدُّ الكتب ثروة علمية يتوارثها الأبناء عن آبائهم وأجدادهم.

إنها الكنوز الثمينة التي يُبخس ثمنها عند البعض بينما لا يعيرها محبوها إلّا لمن يزنها بمثاقيل عادلة.

 فلا يدخل في قلبك الضعف أمام حاجة أحدهم لها فتعيره شيئا من كنوزك فيبخل بإعادتها لك.

هذا ما تردده ابنتي دائما…

وفي حرصها المستمر على كتبها القيمة تودعها في خزانتها الخاصة وتخفيها بين طيات ملابسها حتى لا تعيرها لأحد ولا تسمح لأحد بقراءتها قبلها.

تردد ابنتي دائما في الإعارة خسارة وفي خروج الكتاب من داره ندامة.

لعل من المفيد أن نأتي بأمثلة كثيرة حول استعارة الكتب ثم نسيان أصحابها الأصليين، وهذا ما يحدث كثيراً مما يدفع المرء إلى إساءة الظن بمن يلجأ إليه طارقًا أبواب مكتبته طالبا إعارة ما يسد نهمه المعرفي.

 وربما كان غياب الحسّ الأخلاقي المسؤول هو السبب خلف غياب الأمانة عند البعض، والحقّ أنّ حامل الكتاب يجب أن يعاني فقْد بعض كتبه حتى يكتسب الخبرة في عدم التفريط فيها بعد ذلك.

يذكر أحد الأدباء أن صديقه استعار منه أحد تفاسير القرآن وظل بحوزته لأكثر من أربع سنوات وعندما طلب منه أن يعيده قال له: لماذا العجلة يا صديقي؟ لم أراجع المسألة بعد.

ويعترف آخر أنه ينسى أو ربما يتعمد نسيان كتب الآخرين عنده، ويُنسب للأديبة غادة السّمان قولها:

“أحمق من يعير كتابا، وأحمق منه من يرده”. 

من جانب آخر أنا أحترم كثيراً وجهة نظر ابنتي في محافظتها على كتبها.

 فعندما أُصغي لتلاطم أمواج الكتب بين يديها أراها تُبحر في  بحور المعرفة مع كتبها، أُقدر صداقتها مع الكتاب ومؤلفه إنها تعشق كلّ كتابٍ، جديد تبتاعه فتقيم له حفل استقبال وسط أجواء جميلة من الفرح والسعادة، دائما تختم حوارها مع كتبها الجديدة قائلة:

‏إن الذين ينعون كتبهم التي خرجت دون عودة لم يستمعوا لنصيحة الأديب الفرنسى جان كوكنو ت:

“لا تُعِر كتبك لأحد، فأنا نفسي كونت ثلاثة أرباع مكتبتى من استعارة كتب الأصدقاء”.

ومهما تحدثت عن فضل وثواب إعارة الكتب مستدلّة بقول محمد بن مزاحم: “أول بركة العلم إعارةُ الكتب”

ومشيرة لكلام  وكيع:

 “أول بركة الحديث إعارة الكتب”

إلا أنها تصرّ على عدم مناكفتها بشأن الكتاب وتظلّ تزهر يوما بعد يوم بإطلالة جديدة من الكتب المختلفة.

بلا شك؛ أنا أجزم بأنها تكتب على كل كتاب تقتنيه (في الإعارة خسارة)

وتتغنى بقول الشاعر:

ألاَ يَا مُستعيـــــــرَ الكُتْـبِ دَعْنِــــــي

فإنَّ إعارَتِـــــي لِلكُتْـــبِ عــــــــــارُ

فمَحبوبِـــي مِنَ الدُّنْيَـــا كتابِـــــــي

وهلْ أَبْصَرْتَ مَحبـوباً يُعـــــارُ؟!

حقيقة أنّ صفحات الكتب أجنحة تتلاقح بالعالم وإن كان مسكنها بين يديك، فإنّ كل كلمة، وكلّ فكرة في كتاب تعشقه تنشط حواسك الإدراكية، وتعطيك الصفاء الذهني الذي يجعلك تطلّ على نافذة العالم بسعادة.

ومهما وصف عُشّاق القراءة غرام الكتب فلن تصل لمشاعر النشوة التي يشعرون بها وهم يحتضنون كتبهم، ولن تعاتبهم في قفْل أرفف مكاتبهم في وجه الآخرين وإنهاء موضوع الإعارة عندهم.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×