مقال مُثير للذعر
ليلى الزاهر
هذا الشرود الذهني وغيابها عن العالم _وهي تتوسطهم _ يوحي لمن يراها أنها ترسم صورة ذهنية جميلة، أو ربما تنسج فكرة لامعة، ولكن تلك الهواجس التي أحكمت عليها الخناق ما تلبث أن تشمت بها بين الحين والآخر عندما تستنشق رائحة التحرش الجنسي فتمتزج ذكرياتها بأحداث مُشابهة مصحوبة بمخزون كبير من الألم النفسي بعد أن طُويت بعض من صفحات الألم الجسدي.
قد أُمهّدُ لموضوعي بسطر أو سطرين ولكنه حقيقة يحمل آلام سنين لفتاة أو امرأة تعرضت لتحرش من أحد الذئاب المتسكعة هنا وهناك، ولا أخفي عليكم قولًا إنّها عادة الأقلام إذا انبرت وتطايرت شظاياها فغدت تحمل رؤوس قنابل نووية تُضاهي قنبلة هيروشيما في سطوتها بعيدة المدى.
لذلك فإنّ مقالات التحرش تثير الذعر ولا يحبذ قراءتها عند البعض ممن لامسته قضايا مشابهة أو مر بها وخاصة عندما ينفذ ذلك المجرم من العقاب؛ قد خرج بجرمه بحذر متناهٍ، وظلّ يحمل بين جنبيه ذلك الإنسان المقرف سلوكا وشكلًا؛ وبلا شك فأفعالهم الخبيثة تنعكس سلباً على وجوههم.
لقد باء بغضب الله تعالى لانتهاكه حرمة الناس ووقوعه في مستنقع الكبائر.
ولولا أن طينة ذلك المتحرش بفتاة صغيرة من أخبث ما أخرجته الأرض لما بادر بارتكاب أخبث الأعمال، وظلت فِعاله هُجْنَة عارٍ تلاحقه ليوم مشهود.
منذ زمن بعيد والمرأة تتعرض للتحرش ومنذ خُلقت المرأة وُجد الرجل المحترم الذي حمل على عاتقه مهمة حمايتها
فالنساء شقائق الرجال، وعلاقة المرأة بالرجل ليست وليدة انفتاح مجتمعات إنّما تُقاس بثقافة العقول للجنسين معًا، وبملكة العفاف التي إذا تحطمت زحفت به حياته إلى حياة شبيهة بحياة البهائم.
وإذا كانت المرأة على اختلاف سنوات عمرها عرضة للتحرش منذ زمن بعيد كان من واجبها الحفاظ على حيائها وعفتها وإظهار اعتراضها على أي وضع تراه غير مناسب لأنوثتها بشكل فاضح، يحرّك قوانين العالم لنجدتها فتلجم الأفواه وتحطم سير من يحاول انتهاك حرمة الطّهْر والعفاف بدم بارد، قال تعالى في كتابه الكريم:
(قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ)
وكما يتبين من واقع الحياة بأن المرأة المحترمة يحترمها الجميع ويقف الآخر عند حدودها، والمرأة المُتحرش بها امرأة صادفت ذئاب بشرية تجردوا من الضمير الرقيب، أوقعهم القدر أو الحظ العاثر في طريقها وبعض من هؤلاء النساء يُجدن التصرف بينما بعضهن تدهشها المفاجأة فلا تحسن الرد ولا التصرف.
وهذا يذكرني بإحدى قريباتي اللاتي تعمل في شركة أرامكو فتاة محترمة، مهذبة تعمل بصمت عرض عليها أحد الزملاء الذهاب معه للبحرين لتمضية بعضا من الوقت الممتع على حد زعمه لكنها ردت عليه برِباطة جَأْش قائلة: سأرافقك، وسوف ترافقنا ابنتك لتكون نديمة لسائقي.
ألف سلام على كلّ فتاة استطاعت أن تحمي نفسها بمظلّة القوة والثقة بالذات فأبعدت عن نفسها جميع أشكال التحرش وأيقنت أن معرفتها بمجتمعها لابد أن يكون مصحوبًا بتوجه خاص بها، تحمل بين يديها قوة جسدية يزينها فكر واعٍ، وهدف سامٍ.
فالنوادي الرياضية تضج بالنساء اللاتي يخضعن لتدريبات رياضية مكثفة، تُبنى بها العقول والأجسام.
ومن وجهة نظر إنسانية أنّ وقوع الفتاة في براثن المتحرشين لا يُعطي الوالدين صك براءة مما حدث؛ لأن الأبناء أمانة والتربية المسؤولة واجب يتقلدانه، وإنكار الذنب لا مبرر له.
ومما لا يدع مجالا للشك فإنّ دروس العفاف التي يتلقاها الناشئ في حرم أسرته تبني لديه حصانة فكرية ودينية.
ومع انتهاء ثقافة العيب المرسومة لنا منذ كنا صغارا بادرت الأُسر لرفع منسوب التحذير السلوكي لأفرادها، فأصبح الطفل الصغير يُصغي لهمس والديه ونصحهما ويتجنب المحظور الأخلاقي بشتّى أشكاله وقد تمّ زرع ذلك كلّه في أعماقه تحت ظلال وارفة من الأمان، وبين توجيه وإرشاد ورحمة وحب، فالواجب حس مسؤول والحب حارس أمين له.
وأنا أضع ختاما لمقالي قرأت خبر اعتداء شابٍ على فتاة بالضرب فلاح لي بريق زمن أرجو أن يكون قريبا ففي الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام في وصف زمان القائم عليه السلام يقول:
(بنا يفتح الله وبنا يختم الله وبنا يمحو ما يشاء وبنا يثبت، وبنا ينزل الغيث، فلا يغرنكم بالله الغرور، ما أنزلت السماء قطرة من ماء منذ حبسه الله عز وجل ولو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها، ولأخرجت الأرض نباتها، ولذهبت الشحناء من قلوب العباد، واصطلحت السباع والبهائم، حتى تمشي المرأة بين العراق إلى الشام، لا تضع قدميها إلا على النبات، وعلى رأسها زبيلها لا يهيجها سبع ولا تخافه)
وكم نتمنى أن تداعب أقلامُنا أوتارَ هذا الزمن ونحظى بالمثول أمام أنصع صفحاته الزاهية، ربما سوف نضع ختاما لفصول كتاب كنّا نخشى طباعته أو ربما يصبح الأكثر مبيعًا.
لن أنسى في نهاية حديثي أن أخبركم بأننا اعتدنا سماع ما كنا نعده بالأمس شبحًا مخيفًا فأصبح بمثابة الخبر الدارج، لأنني
أعرف حق المعرفة أن المسؤولية الأخلاقية تفوق المسؤولية العلمية فقد يخون المعلم وقد يخون الطبيب وقد يخون القاضي أماناتهم بدوافع شخصية وطمع ممقوت بينما من يحمل حسّا أخلاقيا يستخدم ضميره لنشر الفطرة الإنسانية السليمة على كافة الأنشطة التي يمارسها لأنه يمتلك المعرفة البنّاءة بمكوناته الإنسانية الحقيقية فيشبع ضميره راحة واطمئنانا.