هل يسرق المشاهير..؟ أم يُسرق لهم..؟

حبيب محمود

في تصوّر شخصيّ؛ لا أجد كثيراً من اتهامات “السرقة الأدبية” و “انتهاك الملكية الفكرية” دقيقة تقنيّاً؛ خاصة في قضايا الـ “شخصيات” المعروفة، من الكتاب المشهورين، أو ذوي الجذب الجماهيري الواسع.

في تصوّري؛ هناك ما هو أسوأ من “السرقة” في مثل هذه القضايا.

في عام 2002؛ كلفني رئيس تحرير صحيفة “اليوم” ـ وقتها ـ المرحوم محمد الوعيل التواصل مع ثلاثة كتّاب خليجيين، للاتفاق معهم على كتابة مقالات أسبوعية، وحدّد لي ميزانية لا أتجاوزها. كانوا من الشخصيات اللامعة في الكتابة الصحافية على مستوى الخليج. وأحدهم يسبق اسمه حرف “دال”، ولديه حضور فضائي يفيض في القنوات. وحين بدأتُ التفاوض معه؛ أحالني إلى شاب لبنانيّ، لأنه ـ أي الكاتب الدكتور ـ لا يتحدث في تفاصيل المال، وقال أيضاً ما معناه تماماً “أنا لا أكتب، بل أعطي المكتب رؤوس أقلام، وهم يتولون الكتابة”..!

حين تواصلتُ مع اللبناني؛ قال لي: لا نقبل بأقل من 100 دولار للمقال الواحد. وبما أن مجموع التكلفة يفوق الميزانية المحددة؛ أبلغتُ رئيس التحرير، ولم يكتب “الدكتور” في الصحيفة.

“أنا لا أكتب”، هذا هو الشاهد الذي أضع إصبعي عليه. والمشاهير الفائضون في منصات الإعلام ليس لديهم وقت ليكتبوا. بل قد لا يكون لديهم ليقرأوا حتى ما نُشر بأسمائهم في وسائل الإعلام.

لديهم “موظفون” يتولّون الكتابة بأسمائهم، والقراءة نيابة عنهم، ويتقاضون أجوراً من “الكتاب” بعد وصول التحويلات، أو حتى قبل وصولها. الموظفون يكتبون مقالات، يحررون تصريحات صحافية، يُعدّون بحوثاً، بل ويؤلّفون كتباً كاملة، بأسماء “معازيبهم”..!

وهنا تقع الواقعة..!

في قضية شهيرة؛ أدين أحد الدعاة بسرقة فصول من كتاب مؤلفة سعودية. وحُكم عليه بتعويض مالي لصالح المؤلفة. وكانت تلك القضية من أشهر فضائح انتهاك الملكية الفكرية والحقوق الأدبية في بلادنا. وشقّتِ الناس بين “شامتين” بالداعية المعروف، وبين ملتمسي أعذارٍ له.

منطقياً؛ لا أحد فوق شبهة السرقة الأدبية، لكن ما تورّط فيه الداعية؛ ليس أنه سرقة مؤلفة، بل سرق ما سرقه موظفون لديه برضاهم، وهؤلاء الموظفون سرقوا المؤلفة دون رضاها. هذا يعني أن الداعية سرق شيئاً لم يعرف أنه مسروق من طرف ثالث..!

وأدبياً؛ يعرف السارق المتهم أنه اشترى جهد آخرين بمقابل مادي. وطالما أن المنتج الكتابي ليس من “بنات” أفكاره وبيان إنشائه؛ فإن هذه هي السرقة الأدبية بعينها.

وقانونياً؛ هو السارق؛ طالما أن اسمه وُضع ـ بعلمه وبرضاه ـ على غلاف كتاب له، أو في رأس مقالة منشورة.

وهذا ما يتورّط فيه بعض الكتاب المعروفين الذين تلاحقهم اتهامات السرقة الأدبية وانتهاك الملكية الفكرية. يعتمدون على “كتاب موظفين”؛ ينسخون ثم يسلخون، أو يمسخون، ثم يُلصقون..!

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com