[قُم للمعلم] الفارس فتح فصولاً في منزله لتعليم طلاب خدموا في الجيش والوزارات و«الشورى» خريج ابتدائية أصبح معلماً.. وموظفاً في مرفأ القطيف ومصرفياً

القطيف: ليلى العوامي

قبل 6 سنوات، وشهر و6 أيام؛ ودع فارس محمد صالح الفارس الحياة، عن عمر ناهز 84 عاماً، فلقد ولد عام 1354هـ، وفارق الحياة في 8 صفر 1438هـ، بعد حياة حافلة بالعطاء في مجالات عدة، منها التعليم، الذي التحق به معلماً وهو في الـ18 من عمره، إضافة إلى العمل الحكومي، والمصرفي، وكذلك الكتابة الصحافية.

الفارس، الذي تلقى تعليمه الأولي في «الكتاتيب«، لينضم لاحقاً إلى أول مدرسة تأسست في القطيف، ترك سلك التعليم رسمياً، ولكنه لم يترك ممارسة التعليم، من خلال فتح فصول دراسية في منزله، لتعليم أطفال لعبوا لاحقاً أدواراً بارزة في المجتمع القطيفي، والوطني أيضاً.

ضمن سلسلة «قُم للمعلم» التي تنشرها «صُبرة» بمناسبة «اليوم العالمي للمعلم»، الذي حل قبل أيام؛ تقتبس شذرات من سيرة المعلم الفارس، من خلال حديث مع ابن اخته حسن سلمان الفارس، الذي استقى بدوره معلوماته من خاله، حيث كان قريباً جداً منه، وأحد تلامذته، ليسلط الضوء على شخصية أسهمت في الحراك التعليمي في القطيف، وكانت شاهدة على مراحل البدايات، والانتقال من تعليم «الكتاتيب» إلى النظامي.

من «الكتاتيب» إلى مدرسة القطيف الأولى

يقول حسن الفارس «بداية؛ درس خالي في الكتاتيب، ولست متأكداً هل تعلم على يد الشيخين الشيخ محمد صالح وميرزا البريكي (رحمهما الله)، أو غيرهما».

وأبان أنه لما فُتحت مدرسة القطيف، التي صار اسمها فيما بعد «الحسين بن علي»؛ كانت أولى مدارس القطيف، وتأسست في مبنى مستأجر في عمارة النهاش قرب ساحة بيع التمور؛ درس الفارس فيها.

حصل على شهادة المرحلة الابتدائية عام 1372هـ (قبل 71 عاماً)، والتحق في سلك التدريس الحكومي، في مدرسة الحسين بن علي الابتدائية بالقطيف، لافتاً إلى أن التعليم – آنذاك – كان في مراحله الأولى، وكان بدائياً مقارنة بما هو عليه اليوم، لذا؛ لم يكن مستغرباً أن يعين خريج ابتدائية يجيد القراءة والكتابة معلماً.

من معلمي المدرسة آنذاك؛ الأساتذة خالد الشعوان، خالد الصبغ، عيد السعيد، الشيخ عبدالله بن سحيم، الشيخ عبدالله بن دهام، ومدرسان؛ أحدهما اسمه عبيد، والآخر عبدالرزاق، ولا يتذكر حسن الفارس اسمي عائلتهما.

وبعد أن توظف وتزوج؛ التحق في مدارس مسائية بالدمام، حتى نال شهادة المرحلة المتوسطة.

يضيف حسن «استمر بالعمل معلماً في مدرسة القطيف لسنوات، باذلاً جهده وتفانيه لإفادة الطلاب من الدروس المختلفة التي كان يدرسها لهم، وفق المنهج الدراسي».

قرآن وعربية وحساب

دَرَسَ الفارس اللغة العربية والقرآن الكريم والحساب، وحتى عندما ترك العمل في وزارة المعارف، إلى وظائف أخرى؛ قام بالتدريس في بيته، مركزاً على نفس المواد.

يستمر حسن الفارس في الحديث عن خاله «كان معلمٌ يمارس المهنة كأي مدرس؛ بإخلاص وأمانة».

وأقر بشدة خاله أحياناً؛ مُستدركاً «لم يكن يميز بين تلميذ وآخر. كان يوصل المعلومة لهم بدقة، وشعاره في التعليم إنها رسالة سامية مُستوحاة ومأخوذة من رسالة الأنبياء. فالمعلم مربٍ وهكذا كان؛ معلماً ومربياً وأخاً لتلاميذه؛ صغاراً وكباراً»، مضيفاً ان «الشدة زالت مع مرور الوقت، ولم يعد لها وجود في الفصول التي فتحها في البيت».

من طلاب الفارس: العقيد سعيد الغانم والدكتور جميل الجشي.

فصول دراسية في المنزل

من تلاميذ فصوله هذه الذين يتذكرهم حسن الفارس، الذي كان بدوره طالباً «مُستمعاً» فيها، كل من: خالد وعمر أبو السعود، عبدالواحد الزاير، سعيد الجشي (أبو رائد)، مهدي الجامد، الأستاذ صادق إخوان، العقيد سعيد أحمد عبدالوهاب الغانم (متقاعد من الجيش السعودي)، الدكتور جميل عبدالله الجشي (عضو مجلس الشورى وسفير خادم الحرمين الشريفين في إيران سابقاً)، والعمان عبدالهادي ومنصور الفارس.

مر فارس الفارس في مسيرته التعليمية بمدير فلسطيني اسمه راشد العيسوي. كما زامل في الدراسة ميرزا الخنيزي (أبو نضال) وعبدالرزاق اليوشع، ومدرس اسمه سعد العبيد.

في رحلته لأداء مناسك الحج.

من المرفأ إلى العمل المصرفي

استقال الفارس من سلك التدريس، والتحق بالعمل في إدارة مرفأ القطيف، وعمل فيها لعدة سنوات، ما لبث أن استقال منها، والتحق بالعمل في بنك القاهرة بالقطيف.

وبعدها انتقل للعمل في مؤسسة النقد العربي السعودي في الدمام، مترأساً وحدة المقاصة، حتى تقاعده عام 1414هـ.

السيد عدنان العوامي.

توثيق التعليم السعودي

اهتمام الفارس بالتعليم لم يقتصر على ممارسته؛ سواءً معلماً رسمياً، أو من خلال إعطاء دروس في منزله، بل دفعه إلى توثيق مبكر للتعليم في المملكة عموماً، وليس القطيف فقط.

وفي هذا الصدد؛ كتب السيد عدنان العوامي في «صُبرة»، تعقيباً بعنوان «وزير شيعي في حكومة بني خالد.. وواقعة «الشربة«  لم تكن حرباً مذهبية»، جاء فيه «قبل سبعين عاما بالتحديد، كتب الأستاذ فارس بن محمد صالح الفارس (رحمه الله) – وهو من أوائل المعلمين القطيفيين في التعليم الحديث – مقالاً في مجلة العرفان اللبنانية عن التعليم في المملكة العربية السعودية، عنوانه «التعليم في المملكة العربية السعودية – من العهد العثماني إلى العهد السعودي»، جاء فيه: «… التعليم في العهد العثماني ضئيلٌ جدًّا، ومنحصر في حلقات الخطاطين في الحرمين الشريفين، والكتاتيب، وفتحت مدارس ابتدائية صغيرة لم يكن الإقبال عليها يُذكر، وفتحت، كذلك، المدرسة الصولتية (الصولية؟)، وأوشكت الحركة العلمية في العهد العثماني الأخير على الاضمحلال، لو لا وجود بعض العلماء».

خلف الفارس أربعة من الأولاد: علي، هيثم، حسام وصلاح، وخمس من البنات: هناء، رجاء، عائدة، أنوار والمرحومه آمال.

فارس الفارس في مراحل عمرية مختلفة (الصور من أرشيف: ابن اخته حسن سلمان الفارس)

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×