[سيرة طالب 1] غربتي في دعاء عند ضريح علي
سلسلة حلقات أسبوعية توثّق شيئًا من ذكرياتٍ أيام طلب العلم في حاضرة النجف ابتداءً، مرورًا بسوريا وعشّ آل محمّد، وانتهاءً بالعودة إلى الوطن الأم.
الشيخ علي الفرج
في بداية طلب العلم في النجف الأشرف سنة 1410هـ بدأت أحضر عند بعض الأساتذة من القطيف والأحساء، لدراسة ما اصطُلح عليه بالمقدّمات، إذ كانت دروسي في الكتب التالية:
– قطر النّدى وبلّ الصّدى.
– المسائل المنتخبة (للسيّد الخوئي).
– خلاصة المنطق.
– عقائد الإمامية.
وكان قلبي يتفطّر ألمًا في كلّ يوم؛ لأنّي فارقت أحبّائي وأصدقائي، وبالخصوص أمّي وأبي.
مرّ شهران كاملان والإحساس بالغربة يغتالني، ويتسرّب في قلبي شيءٍ من الضّجر والاكتئاب، فصرت أذهب إلى حرم أمير المؤمنين (ع) وأدعو الله أن يفرّج عنّا فرجًا عاجلًا؛ لأنّ هدفي الأسمى هو تحصيل علوم آل محمد عليهم أفضل الصلاة والسلام، لكنّ تحقيق هذا الهدف يحول دونه الإحساس القويّ بالغربة، فلم يكن أمامي إلّا التوسّل إلى الله بسيّد الموحّدين ومولى المتّقين، فتضرّعت إلى الله في مقامه الشريف تضرّعًا خالصًا بعيدًا عن مغريات وشهوات هذه الدنيا.
خرجت من الحرم المقدّس معتقدًا وواثقًا باستجابة دعائي إلى الله، ونمت تلك الليلة نومة عروس.
لم ينبلج نور فجر اليوم التالي إلّا وقد تلاشى ذلك الإحساس بالغربة، وقد انطفأ سعير القلب، وهجدت هواجس القلق في ذلك الصّبح بعدما أدّيت صلاة الصبح، فلامست التغيّر الإيجابي على مشاعري، فشكرتُ الله سبحانه، كما شكرتُ أمير المؤمنين (ع).
ومع إشراق شمس ذلك اليوم، إذ بي أقابل طالب علم يريد منّي النّصيحة ضمن سؤاله:
كيف يمكن أن يتخلّص الإنسان من الإحساس بالغربة؟
فكان جوابي إليه حاضرًا، جواب مجرّب لا منظِّر، فخاطبته: أسرع بخطاك إلى حرم أمير المؤمنين (ع) وادعُ الله بقلب خاشع وعين دامعة وثقة كبيرة باستجابة دعائك، فوسيلتك إلى الله أمير المؤمنين (ع)، ويكفيك به شفيعًا وناصرًا.
ثم سألته: كم مدّة الإحساس بالغربة في قلبك؟
فأجابني: خمسة أو ستة أشهر.
فقلت له: طالت المدّة.
والنتيجة واللّب:
ما أحسستُ بالغربة في أيّ مكان في العالم وفي أيّ زمان إلى الآن بعد استجابة تلك الدعوة في ذلك الصّبح التاريخي.