العوامي والحربي تقدمان «فارس».. نمر يعالج مشكلات الأطفال..وذوي الاضطرابات النمائية أيضاً يعتمد على الرسوم والحوار.. و«العودة إلى المدارس» ألبسته كمامة
القطيف: ليلى العوامي
برؤية أدبية؛ استنطقت سيدتان نمراً صغيراً، بعدما حولتاه إلى شخصية كرتونية، أطلقتا عليه اسم «فارس»، ليكون عنواناً للطفل العربي السليم بشكل عام، مع تكليفه بمهمة توعية الصغار والكبار بما يجب عليهم فعله في مواقف عدة.
ولأن الحاجة أم الاختراع؛ لم يكن لهذه الفكرة أن ترى النور لولا اطلاع السيدتين على مشكلات تواجه الأهالي، ورغبتهما في إيجاد “وسيلة مجدية، تساهم في علاج هذه المشكلات بطريقة قصصية شيقة، تستهوي الصغار، وتلفت انتباههم، وتؤثر فيهم عبر رسومات القصص، والحوار الموجود فيها».
مرت فكرة «فارس» بمراحل عدة، وكادت تتوقف، عندما لم تتوصل السيدتان إلى شكل نهائي لـ«فارس»، إلا أن الصدفة لعبت دورها في إحياء الفكرة من جديدة، وكانت مع قرار إعادة افتتاح المدارس هذا العام. وتستهدف القصة الأطفال عموماً وتكون قريبة من ذوي التأخر النمائي (الاضطرابات النمائية وغيرها)، وتقع في 20 صفحة.
شيء حقيقي
«فارس» بالنسبة للقائمات على الفكرة، وهم: الدكتورة أمل العوامي، الدكتورة هديل الحربي وفاطمة مجدي، «شيء حقيقي، وليس مجرد رسوم على ورق، فهو نمر عربي، يشعر بالفرح والحزن، يحب ويكره»، وكل أمنياتهن «أن يكون قريباً من الأطفال، ويجدوا أنفسهم فيه».
الأحداث اليومية
تحدثت الدكتورة أمل حسين العوامي، استشارية طب تطور وسلوك الأطفال، عن فكرة قصة «فارس»، قائلة «منذ عام؛ بدأت الفكرة عندما نجح مخيم “نموكم» الصيفي الافتراضي للأطفال من ذوي الاعاقة، وكنا قريبين من الأهل، وتفهمنا احتياجاتهم، ولمسنا حاجتهم إلى قصص تحاكي الأحداث العادية اليومية، لتقرب المفاهيم والمهارات من الأطفال عموماً، والأطفال من ذوي الإعاقة والاضطرابات النمائية خصوصاً».
تضيف «بدأنا بالبحث عن شخصية، واتفقت مع الدكتورة هديل الحربي على أن تكون الشخصية نمراً، نظراً لحب الأطفال للحيوانات، ثم جاء الاسم، فاقترحت الدكتورة هديل «فارس»، لأنه اسم من أسماء النمر، وهو اسم بسيط وسهل، ومن هنا بدأت رحلة البحث عن تصور الشخصية، وكيف تكون، وتواصلنا مع أكثر من رسام، وتم تغيير وتعديل الشكل مرات عدة، ولم يعجبنا ما تم تقديمه، فتوقفنا فترة، وشاءت الصدفة أن التقينا فاطمة مجدي، عن طريق أحد المعارف، ورسمت لنا «فارس»، الذي يرتدي البلوزة بالقبعة، وقريب من الأطفال».
القصة الأولى
تضيف العوامي «القصة الأولى التي كتبتها الدكتورة هديل الحربي، كانت بعنوان «فارس وركوب الطائرة»، لأن ركوب الطائرة عند الأطفال التوحديين يشكل مشكلة حقيقية، والأهالي يشكون من صعوبتها، ويطلبون المساعدة في مواجهتها. وتكونت القصة، واكتملت، ولكن لانشغالنا، لم ننتجها وننشرها بعد».
تتابع حديثها قائلة «ثم جاء موضوع آخر مُلِّح، وهو عودة المدارس بعد إغلاقها بفعل جائحة كورونا، خصوصاً انه كان من الواضح علي الأطفال القلق بعد الجلوس في المنزل طويلاً، والدراسة عن بُعد، فقررنا إنتاج قصة تتعلق بالرجوع إلى المدرسة، وألبسنا فارس كمامة، وكانت القصة بعنوان “فارس والعودة إلى المدرسة».
مساندة وتشجيع
لم يخل الأمر من مساندة وتشجيع من صاحبة دار الراوي للنشر والتوزيع كفاح البو علي، وخبرتها الكبيرة في أدب قصص الطفل، إذ رأت أن المكتبة العربية تفتقر لمثل هذا النوع من القصص، وأوصت باستخدام جملاً قصيرة ولغة بيضاء، متوسطة بين الفصحى والعامية، لأنها هي القريبة من مفاهيم الطفل، خصوصاً أن أعمار المستهدفين من القصص هم في عمر يراوح بين 4 و7 سنوات. قالت العوامي «هكذا؛ ولد «فارس»، وبدأت قصتنا معه».
ولأن القراءة جزء مهم من حياة الدكتورة العوامي وبناتها؛ لذا قالت «أعرف يقيناً مدى تأثير القراءة على حياتنا، وأحث على القراءة للطفل طوال الوقت وتشجيعه على قراءة الكلمات البسيطة في هذا الكتاب أو غيره»، مشددة على أن «إثراء اللغة عند الأطفال من الولادة مهم جداً، لتطوير قدرات العقل والتحصيل العلمي في المستقبل».
تطور الاطفال
في رسالة وجهتها العوامي إلى المجتمع؛ قالت «أرجو من مجتمعاتنا العربية إيلاء الكتب والقراءة أهمية كبيرة في الحياة اليومية، وفي تربية الأطفال، وأيضاً تسليط الضوء على دور القراءة في نمو عقل الطفل وتطور مداركه، من خلال نشر الوعي الجمعي على أهمية القراءة، والتقليل الحازم من الإلكترونيات التي اتضحت لنا جميعاً مخاطرها على تطور الأطفال عموماً».
أمل العوامي
التربية الخاصة
بدورها؛ أشارت الدكتورة هديل الحربي (دكتوراة في التربية الخاصة، مسار التوحد)، إلى الهدف العام من القصة، قائلة «إثراء المكتبة العربية بسلسلة قصصية للأطفال، تفتخر بالثقافة العربية، تناقش المشكلات التي يمر بها الطفل العربي، وهو هدفنا العام من هذه القصة».
وأكملت «عند النظر لأدب الأطفال في المنطقة العربية، يلاحظ أن جزءاً كبيراً منه عبارة عن كتب مترجمة من أخرى أجنبية، صممتْ بما يتناسب مع ثقافة مختلفة، وربما لا تتوافق مع الثقافة العربية، أو قد تكون قصصاً عربية، لكن لم تنتبه أو تهتم في الجانب الثقافي والبيئي، أما سلسلة «فارس»؛ فحرصتْ على التركيز على ذلك، بدءاً باختيار النمر العربي، وأحد أسمائه».
قصص فارس
أكملت الحربي حديثها «هدفنا أيضاً من قصص «فارس»، إلى تقديم سلسلة قصصية للأطفال، لا تلتزم استخدام اللغة العربية الفصحى، فنحن نعتز بها، وندرك أنها اللغة الرسمية للقراءة والكتابة، لكننا نعرف – كما يعرف الجميع – أنها ليست اللغة الأم للأطفال، بل اللهجة المحلية، أو ما يُسمى بالعامية، التي يتكلم بها أفراد عائلة الطفل، وهي تختلف عن الفصحى وقواعدها، والأطفال لا يفهمون الفصحى، ولن يشعروا معها بارتباط عاطفي عميق، كارتباطهم باللغة التي تسمعها آذانهم على مدار اليوم، وبالتالي يزيد فهمهم واستمتاعهم وتعلقهم بقصة كُتبت بلهجة قريبة من ألسنتهم وعقولهم، أكثر من قصة كُتبت بالفصحى».
أضافت «حرصنا على أن تكون الصيغ المستخدمة في القصة بسيطة ومنتشرة ومفهومة عند غالبية اللهجات، ويتجسد هذا في مقدمة “فارس».
هديل الحربي
اللغة الفصحى
ترى الحربي، أهمية بالغة في تعليم الأطفال والأهالي كيفية التصرف في المواقف والمشكلات التي تواجههم بأسلوب قصصي سهل، وغير مباشر. وتقول «هذا هدف خاص بالنسبة للأطفال من تأليف هذه القصص، كما تهدف إلى تهيئة الأطفال للقراءة والكتابة، بعكس المعتقد في السابق بأن تعليم القراءة والكتابة يحدث مع مرحلة التعليم التقليدي المباشر، عندما يصل الطفل لعمر معين، لكن الأبحاث في العقود الأخيرة أثبتت أن تعليم القراءة والكتابة في الحقيقة لا يمكن أن يتم إلا إذا أتقن الطفل مهارات صغيرة متعددة، بحيث تكون حجر أساس للقراءة والكتابة، هذه المهارات تُسمى “مهارات ما قبل القراءة والكتابة»، وهي كثيرة، منها تمييز الكلمات المطبوعة، إدراك أن الحروف والكلمات وُجدت كي تُقرأ، وتمييز أصوات الحروف والكلمات سمعياً، التفاعل مع الكتب، والاستماع إلى القصص».
أيضاً؛ ترى أن غالبية مهارات ما قبل القراءة والكتابة، «يستقيها الطفل إذا قُرئ له، وعندما نقول القراءة للطفل؛ فنحن لا نعني فقط قراءة النص المكتوب، بل أكثر من ذلك، وفي مقدمة «فارس» بيننا بعض الخطوات للقراء مع الأطفال».
عن رؤيتها المستقبلية؛ قالت الحربي «نسعى إلى توفير مجموعة قصصية تهتم بمشكلات الطفل العربي، وتناسب قدراته اللغوية والإدراكية، وتقديم سلسلة قصصية للأهالي والمعلمين، تساعدهم على التعامل مع المشكلات والمواقف التي يمر بها أطفالهم وطلابهم».
أشارت إلى أنه في مكنون سلسلة «فارس» رسالة مهمة، وهي «نشر ثقافة القراءة للأطفال على اختلاف أعمارهم وقدراتهم، خصوصاً القراءة للأطفال ذوي الإعاقات والاضطرابات التي تؤثر على الجوانب الإدراكية».