[اليوم الوطني] سجاد الحلال لسان الصم وأذنهم.. يترجم «سارعي للمجد» للغة الإشارة نذر حياته ليكون قناة تواصلهم منذ كان في السابعة حتى أصبح مترجماً ومدرباً معتمداً

سيهات: شذى المرزوق

غداً (الخميس)، يلتقي سجاد حسين الحلال رفاقه الصم، يترجم لهم، ينقل لهم بلغة الإشارة معان كلمات «سارعي للمجد والعلياء مجدي لخالق السماء». سيؤدونه سوياً، في احتفالات اليوم الوطني الـ91 لبلادهم.

خطط الحلال وأصدقائه الصم؛ «لوضع برنامج الاحتفال في اليوم الوطني، من مشاهدة الألعاب النارية، ومتابعة الفعاليات في محافظتنا؛ القطيف، وبعضهم قد ينوي ركوب الدراجات، وآخرون سينضمون متطوعين في مبادرات وطنية، وكل عام ووطننا الغالي بألف خير».

سجاد (24 عاماً)، مترجم ومدرب معتمد للغة الإشارة، يشعر أن على عاتقه مسؤولية أن يكون لسان الصم وأذنهم، وقناة تواصلهم مع محيطهم. يُسخرّ وقته وجهده في هذا العمل، ويشعر بسعادة غامرة وهو يؤدي هذا الدور.

أصدقاء لم يسمع أصواتهم

يرافق أصدقائه، يشاركهم أحاديثهم، يطرحون مقترحاتهم حول فعاليات اليوم الوطني يوم غد، يلعب معهم كرة قدم، وألعاب الورق، يزورون سوياً ديوانيات الشباب هنا وهناك، ما بين المزرعة التي يجتمعون فيها في بلدة التوبي، ومجلس التجمع في حي التركية بالقطيف. هو لا يسمع أصواتهم، يكفيه منهم لغة الإشارة، حتى مع انفعالات اللعب بحماس، أو نوبات الزعل التي قد تنتاب صديقين منهم.

هم مجموعات من فئة الصم، من مختلف مدن وقرى القطيف، علاقة الحلال الوثيقة بهم مكنته من أن يكون مترجماً بجدارة للغة الإشارة، ومن ثم مدرباً للتعليم على هذه اللغة، من بين عدة مدربين على مستوى الوطن العربي، رغم صغر سنه.

إنجاز الحلال الذي لم يكن أكاديمياً متخصصاً، ولا عملياً على مستوى الوظيفي والمناصب، التي يتمكن فيها من أن يكون في موقع قيادة، ليشار إليه بالبنان، بل كان إنسانياً بالدرجة الأولى، واجتماعياً هادفاً.

علاقة نشأت أيام الطفولة المُبكرة

قال لـ«صبرة» «استحوذت فئة الصم على جلّ اهتمامي، منذ كنت صغيراً، لا يتجاوز عمري حينها السابعة، طالباً في مدرسة الأندلس بسيهات، التي تحتضن طلاب برامج ضعاف السمع تعليمياً، اقتربت منهم، أحببتهم وأحبوني، قضيت برفقتهم أوقات الفسح وما بين الحصص، تأثرت بهم كثيراً، وشهدت معاناتهم في مواقف كثيرة، فتعلمت لغتهم تدريجاً، حتى تخرجت من المدرسة، وأنا أتقن لغة الإشارة».

رغم افتراقه عنهم دراسياً؛ بقي الحلال صديقاً لزملائه الصم، حتى مع تقدمه في المراحل الدراسية، وصولاً إلى تعيينه موظفاً في إحدى الشركات الأهلية، بعد نيله شهادة دبلوم هندسة الكهرباء.

يشعر سجاد بمسؤولية تجاه هؤلاء الأصدقاء «أوصلتني الآن إلى ما أنا عليه، هم أشخاص على طبيعتهم تماماً؛ عفويين وحساسين جداً، ومتفهمين بشكل كبير. عدم مقدرة الأشخاص المحيطين بهم على التفاعل معهم، رغم حساسية إعاقة السمع التي يعانون منها؛ إلا أنهم اجتماعيون يبادرون إلى المساعدة، ويعتنون في أدق تفاصيل الصداقة، ومنها مراعاة المشاعر والخصوصية، ومن مجرد تعبير خاطف على ملامح الوجه؛ يستشفون منه إحساسك، فيحتضنونك بينهم بحنان».

تأثر بالمترجم الرامزي

لم يكتف الحلال بما تعلمه من إشارات مع الممارسة التراكمية لسنوات، بل قرر أثناء دراسته الثانوية أن يتعلم لغة الإشارة الأكاديمية ذاتياً، فانضم إلى دورات، وتابع عدداً من المترجمين، من ذوي الخبرة، ليكتسب منهم المزيد، خصوصاً المترجم الدكتور محمد الرامزي، من الكويت.

للحلال وهذا المترجم قصة راسخة في عقل الحلال، رغم تقادم السنين، «عرفته في طفولتي، أثناء متابعتي المسلسل التلفزيوني «جرح الزمن»، وهو من بطولة الفنانة حياة الفهد، إذ كان يروي قصة شاب أصم أيضاً. من هنا رسخ في ذهني أن اتعلم اللغة أكثر بعد مشاهدتي الدكتور الرامزي، وتأثري بأصدقاء طفولتي من هذه الفئة».

نشر لغة الإشارة في المحيط

سجاد الحلال الابن الثاني، بين 6 من الأخوة، لأم تعلم منها «أن جميع البشر أخوة، وفق مبدأ «رب أخ لك لم تلده أمك». شجعتني صداقتي وتقربي من هذه الفئة، ودعمت توجهي نحو تعلم لغة الإشارة، وبالمثل كان والدي، فتطورت علاقتي بفئة الصم من أصدقائي، وبدأت أترجم لهم كل حديث يدور حولنا، حين نخرج معاً، وسعياً لنشر هذه اللغة؛ عملت جاهداً على تعليم الأصدقاء من الأصحاء بعضاً من الإشارات، ليجيدوا مخاطبة الصم والتعامل معهم، وبالفعل تمكن أحد أصحابي أبان فترة جائحة كورونا تحديداً، من إتقان اللغة، بعد فترات من التعليم».

وبعد أكثر من 15 عاماً في هذا المجال، انضم الحلال إلى اتحاد الهيئات العاملة مع الصم، منذ قرابة عامين، «وجدت فيها سبيلاً للوصول إلى هدفي بنشر هذه اللغة وتعليمها» يقول.

عن بعض ما أنجزه من التدريب على لغة الاشارة؛ يضيف «عملت مترجماً في مواسم الحج، وشاركت كذلك مع وزارة الصحة، في تثقيف هذه الفئة حول لقاح كورونا. كما شاركت مترجماً في بعض فعاليات ومبادرات وزارة التعليم، ومثلها مع وزارة المالية. الآن أعمل مترجماً حتى في الشركة التي أعمل فيها موظفاً».

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×