ننتمي إلى وطن شرّفه الله
ترجمة حب الوطن
الشيخ حسن الصفار
إن حب الوطن من الإيمان وهو غريزة مودعة في نفس الإنسان، وبحمد الله تعالى فإننا ننتمي إلى وطن مميز شرّفه الله بالحرمين الشريفين، وهو مهبط الوحي ومحل نزول القرآن الكريم، وفيه قبلة المسلمين، ومثوى رسول الله (ص)، وبضعته الزهراء، وعدد من أئمة أهل البيت الأطهار (ع)، والصحابة الأخيار.
وقد حبانا الله في هذا الوطن بالنعم والخيرات مما تفتقده كثير من البلدان، فلنحمد الله ونشكره على هذه النعم، ولنحافظ عليها.
إن الحب للوطن الغالي يجب أن نترجمه بالعمل الجادّ لرقيه ورفعته، عبر كسب العلم، والإخلاص في العمل، والتفاني في خدمة المصالح الوطنية، وأن يحب بعضنا بعضًا، فأبناء الوطن الواحد يجب أن يسودهم الشعور بالمساواة والشراكة الوطنية، بعيدًا عن أي عنصرية او تمييز، وأن يتحقق هذا الشعور في سلوكهم وحياتهم العملية.
الأوطان تعز بأبنائها، وتتقدم بهممهم وسواعدهم، فإذا ما تحرك أبناء الوطن وتفجرت طاقاتهم المبدعة، وكفاءاتهم العالية وخدموا وطنهم فلابد أن يتقدم الوطن ويعلو شأنه، أما إذا بخل أبناء الوطن، وتخلفوا عن ذلك، فسيؤدي ذلك التخلف، إلى التأخر والانحدار على المستويين الخاص والعام.
فالواجب يحتم أن يتقدم الإنسان بعمله، لأجل أن يتقدم بلده ووطنه في شتى المجالات، فالعالم لا بد أن يظهر علمه ويعمل به من أجل خدمة وطنه وأبناء وطنه.
وصاحب المال لا بد أن يستثمر أمواله وثروته لصالح بلده ووطنه، فإنشاء المشاريع وسد الاحتياجات الاقتصادية التي يحتاج إليها الوطن من تصنيع وإقامة الأعمال الناجحة والفاعلة كل ذلك من شأنه أن يؤدي إلى خير الوطن اقتصادياً وصناعياً، أما إذا تكدست الأموال وتجمدت في المصارف والبنوك، فسيؤدي ذلك إلى تخلف وتأخر هذا الوطن، إذاً فعلينا جميعاً أن نسعى كأفراد وجماعات لإجادة العمل وإتقانه، ورفع كفاءتنا المتخصصة علمياً وفنياً في جميع المجالات، من أجل ذلك الهدف النبيل السامي، وهو خدمة الوطن والمساهمة الحقيقية والناضجة في رفعته وتقدمه.
هناك علاقة وثيقة بين التدين وحب الوطن، لأن الدين الحقيقي ينعكس أثره على علاقات الإنسان مع الأشياء من حوله، فتصبح تلك العلاقات قويمة واضحة، لذلك يكون حب الوطن جزءاً من الإيمان ومظهراً من مظاهره، وكما ورد: ((حب الوطن من الإيمان)).
ولماذا لا يحب الإنسان وطنه ولا ينشد إليه؟ وقد ابتنى جسمه من غذائه وارتوى من مائه، واستنشق عبير هوائه؟ إن في ذلك دلالة على حالة من اللؤم وعدم الإنصاف. بينما يكون التعلق بالوطن والمحبة له أثر لتجذر الكرامة في نفس الإنسان يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع): ((من كرم المرء.. حنينه إلى أوطانه)). وهذا رسول الله (ص) حينما اضطر إلى مغادرة مسقط رأسه مكة المكرمة والهجرة إلى المدينة المنورة، عبر عن مشاعره الجيّاشه تجاه موطنه، وأبرز مدى تعلقه به، وألمه لفراقه كما عن ابن عباس أن رسول الله (ص) عند خروجه من مكة وقف على الحَزوَرَة (سوق بمكة) فقال: ((والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إليَّ، ولولا أهلك أخرجوني منك ما خرجت منك)).
وحين ينقل لنا القرآن الكريم دعوة نبي الله إبراهيم (ع) في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ}، وقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ}.
فإن هذا الدعاء المتكرر من نبي الله إبراهيم (ع) يربي الإنسان المؤمن أن يحمل همّ وطنه، وأن يتطلع إلى تعزيز الامن في ربوعه، وتحقيق التقدم الاقتصادي، وسيادة القيم الإلهية.
نسأل الله تعالى أن يحقق لوطننا دعوة أبي الأنبياء نبي الله إبراهيم الخليل (ع). وأن يديم علينا نعمة الأمن والأمان، وأن يوفق قيادة الوطن لأعلاء شأنه وتحقيق تطلعات مواطنيه.