الحسين.. الدين.. التاريخ.. الفلكلور
حبيب محمود
قال جاري، وهو يغسل سيارته، “أبو امحمّد؛ ليش ما تكتب لينا مقال عن اللّي يسدُّوا الطريق في عاشور باسم الحسين”..!
وأظنُّ ـ غير آثم ـ أن جاري يظنّ ـ غير آثمٍ أيضاً ـ أن مقالاً واحداً سوف يساعده على عبور الطريق إلى منزله. وأظنّ ـ أيضاً ـ أن “المُلّا” لو لمّح لأصحاب “المجلس”؛ بشيء من ذلك؛ لاستبدلوه بـ “مُلّا” آخر، هذا إذا لم يطردوه. ذلك لأن قصة الإمام الحسين، عليه السلام، معقّدة في تفكيرنا الجمعي، وأساس تعقيدها هو التشابك غير القابل للتفكيك..!
الحسين دينٌ في وعينا، بالمعنى الحرفي لكلمة دِين. إنه ريحانة رسول الله، وامتداد لذريته الطبيعي، واستمرار لرسالته ومبادئه الأخلاقية. وفي فهمنا ـ نحن الشيعة الإمامية ـ مرفوعٌ إلى مرتبة العصمة. وتلك عقيدةٌ لا نجادلُ فيها ضمن دائرتنا المذهبية..
هذا أولاً..
ثانياً: الحسين مادة تاريخية عميقة، متشعبة، ضاربة في التفاصيل المتنازَع فيها. وعلى الرغم من الفاصل الزمني الهائل بين وقتنا الراهن وبين واقعة كربلاء في مطلع العقد السابع الهجري؛ فإن حرارة الحدث مستمرّة، منذ البدايات المتسلسلة للأسانيد والرواة وموثّقات أمّهات كتب التاريخ، وصولاً إلى “الارتجالات” المنبرية التي يزجُّ فيها خطيبٌ من الخطباء عبارة “قال حميد بن مسلم”، في سردٍ لم يقل فيها راوية كربلاء المشهور شيئاً مما نسبه الخطيب إليه..!
ثالثاً: الحسين مادة فلكلورية أيضاً. أيّ أن مكانة الحسين في وجدان المسلمين عموماً؛ أضافت الكثير من القصص والعادات والأساليب، ومع تتابع الاعتياد ارتقت هذه الممارسات الاجتماعية ـ في تفكير الناس ـ إلى مستوى العمل العِبادي. وعليه؛ أصبح المستحبّ ـ فقهياً أو اجتماعياً أو أخلاقياً ـ واجباً لا فكاك عنه، ولا مجال لنقاشه. بل ويُمكن تقديمه على الواجب الصريح.
في أزمنة الفقر والعوز؛ كان إطعام الناس في أيام عاشوراء إحساناً إلى المجتمع. لكنّ هذا الإحسان استحال إسرافاً وتبذيراً في زمن الكفاية. كثيرٌ من الأطعمة لن تعرف طريقها حتى إلى البهائم، بل إلى براميل النفايات.
حسناً إنه مثالٌ واحدٌ على تعارض “المستحب” و “الحرام”. إلا أن المعتاد في زمن جوعٍ استمرّ في زمن شبع، وفاض إلى مستوى المخالفة الفقهية..!
الديني تشابك والتاريخي والفلكلوري في وعي الناس، بحيث يصعب التمييز ـ عندهم ـ بين ما نفعله من أجل الحسين، وبين ما لا يرقى إلى قيم الحسين.
ثم جاءت “الشكلانية”، وهي رابعاً، فقد زادت الأمر تعقيداً؛ إذ لا بدّ من استمرار “العادة” ولو على حساب الحقوق. وهنا أتذكر خطيباً معروفاً في القطيف؛ اضطرّ إلى “توسيط” شخصيات مقرّبة من “صاحب عادة” ليدفع له أجوراً متأخرة لسنواتٍ عن قيامه بالخطابة في مجلسه..!
“صاحب العادة” حافظ على استمرار “القراءة” كلّ عام، من أجل الحسين. لكنه لم يدفع أجور الخطيب..!
بالعامية “ما ترهم”، لكنّها “رهمت ونص” عند رجلٍ حافظ على إحياء ذكر الحسين في مجلسه، على حساب حقوق لا يؤدّيها..!
جاري المتأذّي من إغلاق الطريق إلى بيته؛ يُطالبني بكتابة مقال لن يقرأه أحد إلا هو وأنا. ولو قرأه ثالث؛ لقال مرتجلاً: إنكم لا تحترمون الحسين..!
الكاتب والجار وصاحب التعليق جعفر الاعزاء تحقق لكم ما اردتم هنيئا لكم
أحسنت أبو محمد، واحسبني الثالث اللي قرأ المقال مع جارك وأعجبني ما جاء فيه