مـِلح “الشَّرْيَهْ”.. “داوود” يتوقف عن حماية البيئة

حبيب محمود

“صوتك مزعج يا داوود.. أنت وصاحبك جعفر الصفواني”.. ومن الطبيعيّ أن يكون “الإزعاج” أسلوباً في الرجلين، ليس لأن طبعهما العناد، إنهما من أكثر الناس سِلماً و “جَنْتلَهْ”، بل لأنهما مخبوزان بـ “ملح صفوى”، وبالذات “وَدْ إِمْ داوود” الذي خاض “الهَيرات” و “الخِيران” بـ “طرّاداته”، وخبطت أقدامه الحافية سيقان “القُرم” القاسية، من أقصى شمال الخفجي إلى أقصى حدود سلوى..!

صيّاد صفواني آتٍ من سُمرة “لــِسْعِيدات” النابتة في صفوى، والمتفرّعة في العوامية والقديح والقطيف وسنابس.. أسرة حملت أسماء مختلفة.. وتشابكت حياة كثير من أبنائها بـ “السّاليات” و “القراقير” و “اليَواريف” و “لـِحْضُورْ”، والتصقت بهم رائحة الصيد، حتى أدمن جِيران عين “داورش” في “الشَّرْية” ما يفعله “داوود” في الليالي الصفوانية “الزّفرة”..  

تلك الغمامة “الشهية” التي يعرف سكان صفوى منها حتى نوع السمك الذي يشويه “داوود” وأصدقاؤه.. “الميد” أو “لـيْواف” أو “الصافي” أو “اليَنمْ”..!

من الخِيران

عادة “الزّفَرْ” التي عُرف بها “داوود”، كما عُرف بها الصيادون في صفوى؛ هي التي جعلت منه مزعجاً، فـ “ابن سلمان اسْعيد” مهمومٌ منذ تفتّحت عيناه على “خور صفوى”، ومنذ خطت قدماه طين الخور الواسع المتفرع إلى حواف “أبو زيد” و “لـِينيب” و “أم لـِبْخوش” و “القصّار” و “امغيبة” من جهة راس تنورة.. ومن جهة أخرى “لِيصَيْصه”، و”ادْوَينْ الجنوبي” و “ادوين الشمالي” و “اليَلاّخة” و “الباب” و “احديدة” و “القحقوح” و “الدام” و “امهدّة الدام” و “المرافيع”..

عمرٌ مخلوط بالطين والملح والرطوبة خارج  من ـ أو عائد إلى ـ المراسي والبنادر.. “الخريص” أو “المسْيَحْ” أو “الغليّل” أو “لـمْسَيْ”، فمنها يخرج الصيادون من صفوى، ثم يعودون إليها حاملين خيرات البحر.

هنا نشأ “داوود”، وهنا شبّ، وعلى هذا تدرّب وتعلم، وشاهد ـ مثل أبناء جيله ـ تحوّلات كلّ شيء، في مسقط رأسه “صفوى”، التي اتسعت من قرية وسط نخيل إلى مدينة أكلت كل ما حولها تقريباً.. وكذلك تحوّلات كل شيء في مساقط رزقه، والخيران التي خاض لها أمواج الخليج بطرّاداته وعمّاله، من أقصى شمال الخفجي، إلى أقصى حدود سلوى..!

خبير البيئة

عرف داوود اسعيد البحر، ومصائده، ومنغروفه، وأسماكه، ومخاطره، وفهم أسواقه.. وكان شاهد مرحلة على “النقص” الذي أخذ يتتابع في المصائد.. لم يدخل معهد أبحاث، ولم يدرس شيئاً عن علم البيئة.. ربما لم ينطق كلمة Ecology كما يفعل “الناشطون البيئيون” في أحاديثهم..!

لكنه يفهم طبع البحر، ومزاج ملحه، وخارطة أقماره ونجومه، ومواعيد كرمه، وتردده. ربما لم يفهم معنى كلمة “الجرف القاعي”، إلا أنه كان يُدرك ما يجري من جور لا يراه الناس على الطبيعة في طين الخليج. وشاهد ـ مثلما شاهد الناس ـ ما يجري في “الأسياف”، وتآكل غابات القُرم، وبحسّ صيّاد يراقب التغيّرات؛ تحرّك خوفه على المستقبل، على تآكل هذه الثروة، على تراجع كرم الخليج، على شحّ الصيد، على منافسة المستورد من الأسماك..!

خسارة

لهذا صار داوود مزعجاً، وصوته عالياً، واسم الصيّاد الصفواني أصبح يُتداول في وسائط الإعلام، مقروناً بـ “مشكلة المنغروف”، وبيئة الصيد والأسماك، خاصة بعد تأسيس جمعية الصيادين، وبدء تفعيل نشاطها تحت مظلة رسمية. وحين يرحل داوود اسعيد وسط وباء مخيف؛ فإن الخسارة تتضح أكثر.

اقرأ أيضاً

“كوورنا”.. الموت يغيّب عضو جمعية الصيادين داوود سعيد

تعليق واحد

  1. الكاتب حبيب أحسن الوصف وأجاد المغزى في سرد وتوضيح المعلومات بأسلوب بسيط يفهمه من خاضت رجلاه بماء المسيح والمسي والخريص وتمردغت سيقانه السمراء بطينهم. أوجز الكاتب نخوة توأم التحدي داود و رفيق دربه جعفر ابوهادي وبين جهدهم المستمر والمستميت لحماية البيئة البحرية وخيراتها. رحمك الله يا ابا سلمان و لنا في رفيق دربك ابوهادي كل الأمل ونشد على يديه في حمل الراية والنهوض بالثروة البحرية والبيئية للوطن.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×