[20] قبس من سماء رمضان
الدكتورة رانية الشريف العرضاوي* |
{أمَّنْ يُجيبُ المُضطرَّ إذا دعاهُ ويكشفُ السوءَ ويجعلكُم خُلفاءَ الأرضِ أءلهٌ مع الله قليلا ما تذكّرون} النمل/62:
أبْشِرْ! إن كنتَ قد استوفيت كل سبب لتحقيق غايتك، وطرقت كل باب للوصول إليها ولم تصل؛ فأبشر فأنت مضطر! وإن كنت قد دارت بك نازلة من نوازل الدنيا، فقلّ الرزق، وعظُم سببه حتى انقطع، فأبشر فأنت مضطر! وإن كانت ذنوبك قد كبّلتك، وأحاطت بليلك ونهارك، في سرك وجهارك، ثم استغفرت تائبا، فأبشر أنت مضطر! وإن قهرك ظالم واستبدّ، وسلبك حقّك، وطغى عليك حتى استنفذت كل سُبلَ الصبر والتحمّل، فأبشر أنت مضطر!
وما دمت مضطرا، وقلبك في توحيد الله منغمسا، ومتوجها له بخالص العبودية، موقنا بقدرته وحوله وقوته، فأبشر؛ ففي ذلك باب لانكشاف الضرّ، واستجلاب لحصول الفرج، والآية برهان لا يحتجب عن لُبّ ذي بصيرة.
والله -سبحانه وبحمده- يعطي عباده هنا وعدا حقا، إذ يمتنّ عليهم بتحقق الاستجابة، وحصول الغوث، إن كانوا من أهل التوحيد. وذلك يظهر في سياق الآية جليا بهيّا؛ حيث يكون (يجيب) ردّا بجواب لكل سائل وطالب. و(المضطر) الملتجئ الذي لا حول له ولا قوة، وثُقل الحِمل يفوق طاقته، وقد استنفذ السبب والعمل، فضجّ إلى ربه الواحد الأحد الله الصمد. وهذا وعد مُخبَر عنه في: (أجيب دعوة الداعي إذا دعان)، ومتحقق هنا بالتوكيد من خلال (ويكشف السوء). إذ تكون الجملة الثانية تفسيرا لشكل الجواب وهيأته، حيث يكشف السوء والضر، بل ويزيد في عطاياه ب (ويجعلكم خلفاء) حين يمكّنكم بعد الاضطرار والبلاء، فينقلكم من حال الضعف وقلة الحيلة إلى حال القوة وتمام التمكّن. فانظر إلى اكتمال الجواب وجمال الاستجابة.
وهنا تحضر مسألة؛ وهي أنّ لله في استجابته وتدبيره مع المضطرين، جنودا لا يعلمهم إلا هو، فيكون تسخيرهم استحكاما لتحقق الكشف ورفع الضّر. وهو ما تعاينه مشاهد الفرج في حياة المضطرين المخلصين في دخولهم على الله، فتنفك عقد، وتُفتح أبواب، وتُحقق مستحيلات الأمنيات بلا أسباب مواتية، ولا سابق ترتيب بشري. وهنا يعجز العقل عن مواكبة حركة الفرج فيهتف مؤمنا بسرّ التسخير و (مايعلم جنود ربك إلا هو). ويكون العبد في هذا المقام قد أصاب عين اليقين، بمواجهة العوارض بقوة إيمانه بقدرة من توجّه له بالعبادة -تعالى- فيثبت بالعطية كما ثبت بالاضطرار. ولا بدّ لطارق الأبواب أن يلجا، فأبشِر.
والله أعلم
____________
* أستاذ مساعد، قسم اللغة العربية، جامعة الملك عبدالعزيز.