من أين جاء تنظيم إغلاق المحلات وقت الصلاة…؟ رأي عالم واحد تبنّاه متشددون ففهم الناس أنه "تشريع ديني"

صُبرة: خاص

حتى عام 1407؛ لم يشهد التاريخ الإسلامي كله؛ أيّ تنظيم، في أي دولة من الدول، يوجب إغلاق المتاجر والمحلات وتعطيل الحياة في أوقات الصلاة. ففي ذلك العام صدرت لائحة تنفيذية لنظام صدر في شوال 1400؛ وتضمنت اللائحة التنفيذية شرحاً لدور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وتضمنت اللائحة النص التالي:

“على أن يراقب أعضاء الهيئة إقامة الصلاة في أوقاتها وحثّ الناس عليها، والتأكد من غلق المتاجر والحوانيت وعدم مزاولة البيع أثناء أوقاتها”.

ومذ ذاك؛ تداخل التنظيم الإداري مع التشريع الديني، ليتحوّل إغلاق المحلات في أوقات الصلاة إلى “عمل عبادي” إجباري، لم يأتِ به حتى نظام هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الصادر في 26/ 10/ 1400 بالمرسوم الملكي رقم (أ/37).

فرضت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تنظيماً غير مسبوق في التاريخ الإسلامي منذ بداية الرسالة على يد النبي (ص) والخلفاء الراشدين، وسائر الدول الإسلامية التي تعاقبت عبر التاريخ.

رأي عالم

كان رأياً بشرياً أقرّه عالمٌ، وفُرض على الناس بقوة “جمس الهيئة”، وتحوّل ـ مع الزمن ـ إلى “دين” في حين إنه “عادة اجتماعية” كان القصد منها حثّ الناس ليس على الصلاة فحسب، بل تضييق وقت أدائها الموسّع في الفقه الإسلامي إجمالاً.

مرور 35 سنة على الممارسة التنفيذية كافٍ لإيهام الناس بأن ما يفعلونه إنما هو امتثال إلى الدين. والدين لم يفرض على أحد أن يصلّي “فوراً”، بل تُرك الأمر ضمن توسيع ميسّر. وما صنعته السنوات الـ 35 هو ترسيخ لفهم خاطيء، خلاصته أن من لا يُغلق محله وقت الصلاة؛ فمعنى ذلك أنه “لا يصلي”..!

ومن لا يصلّي يمكن أن يكون “كافراً”. وهذا التشدّد وصل حتى إلى عقول العوام من الناس، وبالتالي؛ فإن نقاش موضوع إغلاق المحلات وقت الصلاة يكاد يكون من المحرّمات، حتى أن مجلس الشورى؛ اضطرّ إلى تأجيل النقاش في الموضوع في جلسة عُقدت في 11 ذي القعدة الماضي. وقبل ذلك بأشهر؛ اشتعل جدل مشابه في الأوساط الإلكترونية على خلفية التفكير في إصدار تنظيم يعود إلى الأصول التي سار عليها أئمة الفقه الإسلامي الأوائل، إذ لم يُؤثر عن أحد منهم أن أفتى بمثل ما ظهر في اللائحة التنفيذية لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ترك الصلاة…!

وحين تسرّبت معلومات، مساء البارحة، عن صدور تعميم من اتحاد الغرف التجارية في المملكة حول استمرار العمل طوال الوقت، وعدم إلزام المحلات الإغلاق في أوقات الصلاة؛ ثارت ثائرة المتشددين الذين وضعوا “ترك الصلاة” و “عدم الإغلاق وقت الصلاة” في مفهوم واحد..!

مؤسسة مُطاعة

حين صدر نظام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأمر ملكي سنة 1400؛ كان القصد منه ترتيب أنشطة دينية تحمي الآداب وتراعي التعاليم الدينية الخاصة بالسلوك. وفي مجتمع مسلم، مثل مجتمع المملكة، تلقى مثل هذه التنظيمات ترحاباً تلقائياً من حيث المبدأ. إلا أن تطبيقات الهيئة أوجد ممتعضين صامتين.

غير أن الهيئة اكتشفت أنها تمثّل قوة تنفيذية ليست مؤثرة فحسب، بل ومُطاعة، وأحياناً مخيفة. وهو ما صنع لها صورة وُصفت عند المعترضين عليها بـ “الشرطة الدينية”، بسبب تداخل بعض أنشطتها مع أنشطة أجهزة أمنية أخرى، مثل الشرطة ومكافحة المخدرات. وكان من حقها المداهمة والقبض والتوقيف، في كثير من القضايا.

ليسوا موظفين

وما ضاعف من قوة “الهيئة” هو أن المتصدين لـ “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، لم يكن كلهم من الموظفين، بل هناك فئات عاملة ضمن “المتعاونين”، الذين يعملون بـ “أجر” مقطوع، أو بالقطعة. كما أن هناك من تطوّع ـ مجاناً ـ لمساعدة الهيئة في أداء أعمالها الاعتيادية.

كلُّ ذي لحية طويلة وثوبٍ قصير كان يُمكنه أن يتدخل ويستجوب من يشاء في أيّ أمر مريب. في السوق، في شاطيء، في حديقة.. كان بإمكانه أن يرتّب إجراءً ما، فيتصل بالهيئة، أو بالشرطة، لتستكميل الإجراءات.

التدخّل “التطوعي” كان مفتوحاً بلا ضوابط. ولم يكن الناس على علمٍ بهذه التجاوزات، لأن “المنظر الخارجي” للمتدخِّل هو نفسه المنظر المعروف عن أعضاء الهيئة. لذلك؛ كانوا يخضعون للإجراءات بفزع شديد..!

استمرّ ذلك إلى منتصف العقد الماضي وما بعده، وتحديداً في عامي 1434 و1437- خالٍ من أي إشارة إلى وجوب إغلاق المحلات التجارية أو توقف الدوائر الحكومة عن العمل وقت الصلاة، في تنظيم للرئاسة العامة لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الصادر بقرار مجلس الوزراء رقم (289) عام 1437.

وتبع ذلك وضع لوائح تنفيذية تحدّد مهام الهيئة/ المؤسسة، وتُوقف تداخل عملها مع عمل الجهات الأمنية. وعليه؛ تمّ إلغاء وظيفة “القبض” على المشتبه بهم، وإلغاء “زنزاتها”، ليكون ذلك ضمن مهام أجهزة الشرطة، بموجب لائحة الإجراءات الجزائية.

احتساب طوعي

الأهمّ من ذلك؛ هو إلغاء “الاحتساب التطوعي”. فلم يعد أحد يمثّل الهيئة إلا أعضاء الهيئة الموظفون وكفى. وتلت هذه الخطوة خطوةٌ أخرى؛ هي إلغاء وظيفة “التعاون” بمقابل مادّي. لينحصر العمل في “الموظفين” فحسب.

تجربة إصلاح هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جديرة بالدراسة والمقارنة. صحيحٌ إن التجاوزات لم تتوقف 100%، ولكنها لم تعد تتكرّر بوتيرة ملاحَظة.

ما صنعته الدولة إزاء وضع الهيئة هو ـ في المقام الأول ـ استعادة طبيعية لوظيفتها ومسؤولياتها، ومنعاً للمتشددين من حشر تصرفاتهم في مسؤوليات ليست من اختصاصهم “الوظيفي”.

واقع الأمر؛ هو أن المتشددين لم يكونوا مشكلة، في نظرتهم “الشرعية” للهيئة. ففي النهاية؛ هناك أخلاقيات وآداب يجب أن تُحمى بقوة النظام وسلطته المُستمدّة من الثقافة الدينية. وهيئة الأمر هي الجهة المُخوّلة أداء هذه المسؤولية.

المشكلة ضمُرت في تطوّع المعجبين وأدائهم أعمالاً موازية لوظيفة الهيئة خارج نطاق مؤسسة الهيئة. أي المتدينين الذين لم يكونوا يعملون في الهيئة، ومع ذلك يقومون ببعض وظائفها ويستخدمون بعض سلطاتها وتترتّب إجراءات على تصرفاتهم الشخصية.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×