بلوغ سنِّ الفتاة..؟ أم نضجها؟!

الشيخ علي الفرج

جاء الإسلام بمنهج متكامل لكلّ مجالات الحياة، بما شرّعه من قواعد وقوانين تنتظم بها حياة الفرد والمجتمع من خلال النصوص القرآنية الشريفة أو الروايات، وفيهما معًا يتفاوت فهم العلماء والفقهاء في استنباط بعض الأحكام الشرعية منها، ومنها مسألة القطع بسنّ بلوغ الفتاة.

فقد اتّفق علماء الشِّيعة – إلَّا قليلًا من المتأخرين – على أنّ الفتاة تكون بالغة إذا ما أكملت من العمر تسع سنين قمريّة، سواء حاضت أو لم تحض. كان هذا الاتفاق اعتمادًا على الروايات الصحيحة بحسب نظرية السَّند أو نظرية المتن، في حين أنّه يمكن تحديد الفترة الزمنية التي يبلغ فيها الإنسان من خلال آيات القرآن الكريم.

وقد اتفق الفقهاء والأصوليون على مسألة عرض الرواية المشكوك في مضمونها على القرآن، وهو النظرية الثالثة، وإن اختلفوا في السِّعة والضيق، والأرجح أنّ المحور والأساس والمرجع هو الرجوع إلى فهم القرآن، ثم العرض عليه واستنتاج ما يكون أقرب إلى الواقع.

عرض الرأي القرآني
عندما نرجع إلى القرآن نرى أنّ البلوغ الشّرعي للبنت هو النضج الجسدي والعقلي، وإذا نظرنا إلى فهم القرآن أيضًا نرى المساواة بين الذكر والأنثى، بمعنى أنّ المدار الشرعي للبلوغ هو النضج الجنسي والعقلي، وتتفاوت الفتيات في نضجهنّ، فقد يكون نضج أغلب النساء عند بداية العاشرة، والأغلب لا يعني كلّ النساء، فبعضهنّ يبلغن عند الثالثة عشرة، بمفهوم الآيات الشريفة الآتية:

١- قال تعالى: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ [النساء: 6]،
ولم يفرِّق بين الذكر والأنثى في هذا الحكم لليتيم وما يؤخذ من أمواله، وهو بأمرين:
– بلوغهم النكاح (النضج الجسدي).
– الرُّشْد (النضج العقلي).

٢- قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاَةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنْ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاَةِ الْعِشَاءِ ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ الآيَاتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [النور: 58-59].
تتحدث هذه الآية عن الذكر والأنثى بالمدار والعلامات، وهو النضج بقسيميه الجسدي والعقلي؛ لأنه قد بلغ الاحتلام من حيث النكاح والعقل والقدرة والشدّة.

٣- قال تعالى: ﴿وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ [الأنعام: 152؛ الإسراء: 34].
التعبير الوارد في الآية غير (بلوغ النكاح) أو (بلوغ الحلم)، وإنّما بـ (بلوغ الأَشُدّ)، وهو النضج في الجسد والعقل.

حلّ التعارض بين الروايات
وبعد مرحلة فهم منطوق الآيات الشريفة، يأتي دور عرضها على الروايات، فكلّ الروايات تخرّج على أنّ المراد والضابط من البلوغ في النضج الجسدي والعقلي، سواء للذكر أو للأنثى.
ولكن قد تكون العلامات الدالة مختلفة، فثمّة بلوغ عند تسع سنين، أو عند ثلاث عشرة سنة، أو عند الحيض، أو بلوغ النكاح، كلّها علامات عرفية عن النضج الفسيولوجي والعقلي، فربما تنضج المرأة وهي في سنّ الحادية عشرة أو الثانية عشرة بحسب منطقتنا، وربما لا تنضج قبل سنّ الثالث عشرة، فالبلوغ يتفاوت من منطقة إلى أخرى، ومن زمن إلى آخر.

هذا هو الحلّ للاختلاف بين الروايات المعارضة، ويمكن مراجعتها كتب الفقه، ولا يبقى هناك تعارض بينها بعد فهم القرآن، فمن الأمثلة:
1. موثّقة عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله (ع) قال: “إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة كُتبت له الحسنة، وكُتبت عليه السيئة وعوقب، وإذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك؛ وذلك أنّها تحيض لتسع سنين”.
وفيها تعليل لبلوغ التاسعة وهو التحيّض، كما أنّ التحيّض علامة عرفية سائدة عن النضج المذكور، وكذلك بلوغ الذكر السائد في مناطق الامام (ع) ثلاث عشرة سنة.

2. وموثقة عمّار الساباطي، عن أبي عبدالله (ع)، قال: سألتُه عن الغلام، متى تجب عليه الصلاة؟
فقال: “إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة، فإن احتلم قبل ذلك، فقد وجبت عليه الصلاة وجرى عليه القلم.
والجارية مثل ذلك، إنْ أتى لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك، فقد وجبت عليها الصلاة وجرى عليها القلم).
فالمكلّف أو المكلّفة في بلوغ الفتى والفتاة ترجع إلى إحدى العلامات المذكورة، كما لو تيقّن المكلّف أو المكلّفة بعدم نضج الطفل فلا فائدة في العلامات.

ملاحظات
وفي هذا السياق، أدوّن بعض الملاحظات على رسالة استدلالية من سماحة السيد منير الخباز إلى سماحة المرجع الشيخ إسحاق فيّاض (دام ظلّه) حول تحديد البلوغ في البنت:

(1) ذكر سماحة السيد (حفظه الله) بأنه لا يبعد كاشفية بلوغ الفتاة في السنة التاسعة من ارتكاز متشرعي متصل بزمان المعصوم.
وأقول: هي دعوى لاتصالها بزمان المعصوم، مع أنّها لا تنسجم مع القرآن الكريم كما بيّنا، ولا تنطبق مع كثير الروايات، وتعارضها في ذلك الزمان، كيف نفهم حصول الارتكاز في زمن المعصوم، نعم ندّعي أنّ الارتكاز المتشرعي مطابق للقرآن، هو تتفاوت في النضج من مكان إلى مكان آخر، وهذا هو حلّ اللغز بتعارض الروايات.

(2) وذكر السيد أنّ الارتكاز المتشرعي له قرائن، ومن قرائنه: وضوح عبائر الفقهاء في كون هذا التحديد مما تميّزت به الإمامية مقابل غيرها..
وأقول: هذا كلام غريب؛ لأنّ الله يُثيب أو يَعْذُر إذا كان عند المكلّف حجة شرعية، وليس (التميّز المذهبي) حجة شرعية، بل هو دغدغة نفسية، وقريب من هذا كثير مما ذكره العلماء كذلك، كقول الشيخ الجواهري: “وهو الذي استقرّ به المذهب”، وهل استقرار المذهب يثبت عدم الخطأ؟!،
نقول: لا دلالة على صحة رأي كذلك، نعم، لو احتجوا بالأدلة القرآنية لكان أثبت وأقرب إلى الله ثوابًا أو مَعذِرَة.

(٣) كذلك ذكر السيّد (حفظه الله) أنّ المؤيدات بالارتكاز المتشرعي، الإجماع، وكذلك اشتهار الفتوى.

وأقول: لا دلالة على كونهما حجة، وهذان الأمران في واقعهما خدعة؛ لأنّ التراكم الزمني في القرون الطويلة يجعل كلّ عالم يدخل في رقم الإجماع أو اشتهار الفتوى، فيتضخم كلاهما، وكلّما ازداد رأي الفقهاء التقليديين، صعب كسر الفتوى، بل يصعب ليّها، وخصوصا كلّما اشتهر صيت المرجع.

وإن وجدت الأدلة الكافية على خلاف الإجماع أو الشهرة الفتوائية، فنقول: لا حزازة في مخالفتهما بعد أن عرفنا أنّ المدار والمحور هو عرض الروايات المشكوك في صحة مضامينها على كتاب الله، بينما الواقع أنّ أكثر الفقهاء اتخذوا من مضامين الروايات أساسًا للفتاوى دون عرضها على كتاب الله.

تعليق واحد

  1. ويش دراك شيخنا ان الفقهاء لم يعرضوا الروايات على كتاب الله فربما هناك روايات أكثر صراحة متوافقة مع الكتاب فلا يمكن أن يفتون بشيء مخالف للكتاب.
    الأمر الثاني جنابكم لم يحدد بالتحديد النضج الشرعي متى يكون عند البنت حتى تعمل بتكليفها فالترديد ليس حكمًا شرعيًا

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com