يوم حزين ليس فيه مهدي الشويكي

حبيب محمود

فيما كان الناس يهزجون في مسيرة زفاف؛ كانت كفّه اليسرى مُمسكةً بكفّي اليُمنى. لم أفهم المغزى، لكنّ ملامح الشاب الودود كانت مُطمئنةً بما يكفي لتقبُّل المودة. يا الله.. انخرط 38 حولاً على تلك الليلة الصيفية التي انتهت بموعد ألتقيه وحسن غزوي للنقاش..!

ببساطة؛ كان المقترح تشكيل جماعة شبه أدبية تتبنّى بثّ التثقيف الدينيّ في المجتمع. ربما تقارب حاجباي غيرَ مرّة أمام العرض المتحمس. المهمات؛ أن يكتب “مهدي” و “حسن” مقالات، وأنا أكتب قصائد. ما الذي يُكتَب عنه في منتصف ثمانينيات القرن الماضي..؟

موجة تديُّن عارمة، متخالطة، متصارعة في أشتات اتجاهاتها، المحافظة والثورية، ومناخ إقليمي مشحون بحرب في رأس الخليج..!

ظاهرة استهلاك متصاعدة في أوساط الشباب، عبّرت عنه سيارات الـ 240L وساعات كاسيو، وأشرطة فيديو بوب مارلي ومايكل جاكسون..!

وكان عليّ ـ حسب الكلام ـ أن أمارس دوري في التصدّي للشقّ الثاني من ظواهر مجتمع القطيف ـ القديح تحديداً ـ فأكتب شعراً “يهجو” أو “ينصح” أو “ينتقد”.. لا أدري كيف تخالطت أفكار “الإنتاج”. وبقدر غرابتها عزمتُ على “التصدّي” لما عرفتُ ـ لاحقاً ـ أن اسمه “تغريب”..!

كتبت قصيدة أضحكُ كلما تذكرتُها. لكن المؤكد أنها لا تصلح لشيء يمكن وضعه على منصّة مؤثرة في أخلاط التضادّ الاجتماعي الذي عاشه ذلك العقد “الأغبر” من القرن الماضي..!

كنتُ أبحث عن بناء اسم والاعتزاز بصفة “شاعر” في مناسبات مسقط رأسنا. ثم إنني لا أجيد القيام بدور “المصلح الاجتماعي”، ولا هم يحزنون.

بيد أن الأهم من كلّ ذلك؛ هو الخروج بمعرفة شابٍّ قريبٍ من القلب والعقل، شاب ما زال طالب ثانوية وقتها، وفي طموحه أن يلتحق بأرامكو، وهكذا كان فيما بعد. فيما كنتُ أقل سنّاً ومستوى دراسياً، وأطمح إلى شيء آخر أكثر تعقيداً.

يا الله.. انخرطت 38 سنة. انخرط عمرٌ سريع جداً في حياة رجل فيه من النقاء والبساطة ما يُغني حتى عن الأوصاف التي أشارت إليه اليوم.. يوم رحيله..!

ومؤلمٌ جداً أن يمرّ نهار هذا اليوم ومهدي الشويكي ليس فوق الأرض. الناس، في القديح، وصفوه بـ “المؤمن”، وهي كلمة دقيقة في استحقاق وجهٍ خيّر بشوش، حافظ على تديُّنه دون التماهي في تشنُّج المتعصبين. وجه تحترمه، وكفٌّ تصافحها، وعينان تبادلانك مودة الرجل الشريف.

 تقول أخبار الوَفَيات إنه عاش 58 سنة فقط، وهو عُمر ليس بالطويل في زمن مثل زماننا. هو عمرٌ قصير، قصير جداً على شجرةٍ تعوّدت أن تُعطي بصدق.

‫2 تعليقات

  1. وجه آخر لحبيب محمود المصلح كيف كان؟ لعل القصيدة المعنية كانت ستقربنا شيئا ما من الجواب، وتضعنا في سياق المشهد وفهم أكثر عمقاً للمشهد آن ذاك.

    عظم الله أجوركم.
    وتغمد الله الفقيد السعيد أبا صالح بواسع رحمته.

  2. البقاء والدوام لله.خبر مفجع تسلل إلى مسامعنا اليوم مفاده رحيل الرجل المؤمن الخير مهدي الشويكي الذي أفنى حياته بالبذل والعطاء لمجتمعه وبلدته التي عشقها من أعماقه النقية. كم هي خسارة كبيرة للقديح بفقده المر.نسأل المولى أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جنته ويحشره مع محمد وعترته وأن يعظم الأجر للفاقدين ويربط على قلوبهم بالصبر والسلوان.وإنا لله وإنا إليه راجعون.
    الكلمات مهما تعاظمت لا تفيك حقك يا أباصالح. وفدت على رب كريم .إلى جنان الخلد ورضوان الله.

    جزاك الله خير الجزاء أخي العزيز حبيب محمود على حروفك المشعة بالصدق.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com