حكيمة دعبل.. أنقذت شقيقها بمنحه أكثر من نصف كبدها أخي أغلى من كبدي.. الأخ لا يُعوّض.. وكلانا بخير

القطيف: ليلى العوامي

بخوف الأخت الحقيقية، ولهفة الأم البديلة، تعاملت حكيمة عبدالله دعبل مع أزمة أخيها الصحية، فكانت نموذجاً استثنائياً في الحب والعطاء وإنكار الذات، وهي تتبرع حباً ورغبةً وتمنحه 57% من كبدها، وتعيش هي على 43% فقط، رافضة أن يبقى أخوها لحظة واحدة على قائمة منتظري المتبرعين.

كان لحكيمة من أسمها نصيب الأسد، هذا النصيب جعل منها صوتاً مسموعاً، يحذر الجميع بأنه لا فائدة من خصام الأخوة وفراقهم لأسباب تافهة، وقالت ناصحة “تسامحوا قبل فوات الأوان، قبل أن يفرقنا الموت، فنندم عندما لا يفيد الندم”.

حكيمة التي تسكن جزيرة تاروت، تعمل مرشدة طلابية في الإبتدائية الثانية بسنابس، ضربت مثالاً في التضحية، عندما رفضت الاستماع إلى حديث الطبيب الذي تكلم معها بصراحة، مُذكراً إياها بخطورة العملية ونتائجها المتوفعة عليها، كما لم تلتفت إلى نصائح البعض بأن أولادها وزوجها في حاجة إليها، ولا ينبغي أن تخاطر بحياتها، وقالت للجميع إن إنسانيتها وحبها لن يسمحا لها أن تترك أخاها في هذا الموقف، مؤكدة أن الأعمار قصيرة، ولا يبقى إلا العمل الصالح.

بداية المرض

وترجع حكيمة إلى  القصة من بدايتها “مع ظهور جائحة كورونا، تعب أخي، وأخبرنا الأطباء بتلف كبده، وحاجته العاجلة إلى متبرع بجزء من الكبد، وهرع الجميع، بمن فيهم أبناؤه للتبرع، لكن الشروط الصحية حالت دون تحقيق ذلك”.

وبخوف العمة، شعرت حكيمة بالقلق على أبناء أخيها إن تبرع أحهم بكبده قائلة “هم مازلوا صغاراً، وشعرت بالخوف عليهم بأن نضعهم في هذا الموقف الصعب، علماً بأن رغبتهم في التبرع كانت قوية للغاية، ولكن ابنه الأصغر مدخن، والآخر لم تنطبق عليه شروط التبرع، أمَّا أنا، فعمري فوق 45 عاماً، والكبد عندي بحسب حديث الأطباء “تشيخ”، وبالتالي تم استبعادي بدايةً، وكنت آخر الحلول، ولكن النتائج الطبية أكدت فيما بعد بأنني سأكون المتبرعة المناسبة، واعتمدوا على العمر البيلوجي الذي أكد الفحص أنه أقل من 50 عاماً. ولم يعلم أخي بأنني سأكون المتبرعة إلا قبل موعد العملية بأيام، وهذا بطلب مني حتى لا يرفض تبرعي”.

 

شعور داخلي

وتُقر حكيمة بأنها تعرضت للضغط من البعض الذين نصحوها بألا تخاطر بحياتها، لكنها لم تستمع لهم، واستمعت فقط لصوت الشعور الداخلي بأن أخاها في مأزق، وهي المنقذ الوحيد له، ولا مفر من الوقوف بجانبه.

وتقول “حبي الجارف لأخي وخوفي عليه، علا فوق التفكير في أولادي وزوجي، فكرت فقط في أمي التي تنتظر دخول ابنها عليها معافى، وفكرت في أخي الذي وهبني كل اهتمامه طوال حياتي، ولم يتأخر يوماً عني في شيء فأرادت أن أرد له ولو بعض الجميل”.

وتكمل “رغم أن جميع أفراد الأسرة كانوا يتمنون التبرع، ولكن كانت سعادتي بأن أكون أنا من أتبرع، لا حدود لها، فلم يعلم أحد بالتبرع، إلا بعد الانتهاء من الفحوصات اللازمة”.

دمعة مخنوقة

وبكلمات تقطعها شهقات البكاء، تحدثت حكيمة عن أخيها عبدالعلي “الأخ نعمة كبيرة، ووجوده في الحياة لا يضاهيه شيء، الأخ هو الأب والصديق، هو الحياة التي لا يعي البعض أهميتها، هو السند والقوة”.

ووجهت حكيمة نصيحة إلى الجميع “لا تجعلوا من ترهات الحياة ولا القيل القال سبباً في خسارة بعضكم بعضاً، فالله سبحانه وتعالى جعل الأخ سنداً لأخيه في المحنة، إذا فقد الأخ، فقدت الحياة معناها الجميل، وإذا كان بخير أزهرت بكل ماهو جميل، ولو فكرنا قليلاً ماذا سنجني من عداوتنا مع أخواننا، سنتوصل إلى حقيقة بأننا لن نجني سوى الحسرة والندامة”.

 

فحوصات طبية

وتسترجع حكيمة فترة إجراء الفحوصات، قائلة “في بداية شهر شعبان الماضي، طُلِبَ مني إجراء فحص طبي، وأخذ عينة من الكبد عن طريق خزعة كانت مؤلمة وقاتلة”. وتقول “لم أكن أتوقع أن تكون بهذا الألم، ألم قطعني إرباً إرباً، ولكنني تحملت ذلك لمجرد أنني شعرت بأن هذا من أجل أخي”.

وتتابع “انتهينا من الفحوصات التي أثبتت صلاحية أن أكون المتبرع لأخي، ولكن العملية تأجلت مرات عدة، كنا نشعر خلالها بملل الانتظار ومرارته، فأخي لا يتحمل الألم، ولكن كنا نردد “لعله خيراً”.

وتضيف “أثناء فترة الانتظار خلال شهر رمضان الماضي، كنت حذرة جداً في أكلي حمايةً لأخي، وكنت قلقة تجاه أي فعل أقوم به، وأجريت فحوصات أخرى قبل العملية، حتى أطمئن أنني مازلت مناسبة للتبرع، وقبل موعد العملية بومين، لم أنم، وأتذكر أنني كتبت عبارة جميلة وضعتها في الصورة الرئيسة للواتساب عندي عنوانها “دعونا نتعلم الحب، وفي ليلة العملية، أتذكر أنني نمت 3 ساعات”.

قبل العملية

وتستحضر حكيمة تفاصيل يوم العملية “كانت الساعة تشير إلى السادسة من يوم الأربعاء 2 يونيو الماضي، حينما دخل الطبيب ليشرح لي بالتفصيل وبصدق ما الذي سيكون عليه يوم العملية”.

وتُكمل “بعد صلاة مغرب هذا اليوم، جاء الطبيب، وقاس مساحة بطني، وأخبرني بما سيفعلونه ومكان الجراحة، وأنا أنظر إليه واجمة، ولسان حالي كأنه يرد عليه لا تخبرني بشيء يا دكتور، ودعنا ننتهي، وقم بعمليتك والله معنا”.

وتكمل حكيمة “تحدث الطبيب عن مخاطر العملية كثيراً، وعن النتائج المتوقعة والأضرار التي قد تلحق بي، شعرت بالقلق، ليس لحديث الطبيب، ولكن لأن يصل هذا الكلام إلى أخي، فيضاب بالخوف علي، وطلبت من الطبيب بألا يخبر أخي بهذا الكلام، حتى لا يتوجع على أخته، فوعدني الطبيب بذلك”.

وتتابع “قال لي الطبيب وهو يشير إلى كيس أمامه “في هذا الكيس، سنضع كبدك التي سنزرعها لأخيك، قبل أن يتركني بعد أن أخبرني بأن موعد العملية سيكون عند الساعة 11 صباح الغد”.

ولم تخف حكيمة قلقها من حديث الطبيب، وقالت “وافقت رغم رعب المشاهد التي وصفها لي الدكتور، فكنت أشعر بالسكينة والراحة النفسية، ومنبع ذلك إيماني بأن الله رسم لنا هذا الطريق، حتى يكون أخي بخير، وبالتالي سأكون أنا بخير، فالثقة في الله كانت قوية، وهذا ما ربتنا عليه والدتي حفظها الله، أن نكون سنداً وعوناً لبعضنا في كل شيء”.

 

يوم العملية

في يوم العملية صباح يوم الخميس 3 يونيو الماضي، لم تشعر حكيمة بأي خوف أو توتر، وإنما شعرت بسعادة وفرح. وتقول “كنت أشبه بعروس يوم زفافها، كنت سعيدة والممرضون يدفعون بسريري متجهين نحو باب غرفة العمليات، سألتهم “هذه غرفة العمليات؟ قالوا: “نعم”، وكان هذا آخر ما أتذكره في ذلك اليوم قبل التخدير، وبقيت في غرفة العلميات 6 ساعات، خلالها أخذوا جزءاً من كبدي في الكيس البلاستيكي لأخي الذي كان في غرفة أخرى ينتظر هذه الجزء بفارغ الصبر”.

 

تجربة لا تنسى

وبكلمات قليلة، لخصت حكيمة تجربتها تلك، وقالت بعد أن احتجزت دمعات أرادت أن تفر من عينيها “الأخ لا يعوض، أريد من هذا المكان أن أوصي كل أخ على أخته، وكل أخت على أخيها، فالحياة لا تسوى شيئاً دونهم، وإن قست الأيام على بعضنا، لكن لنتذكر أننا قد نفترق في أي لحظة، فتصيبنا الغصة والوجع لأننا لم نحسن التعامل مع أخوتنا”.

وتُكمل “أخي هو أبي، أفديه بروحي، أدعو الناس جميعاً إلى التآخي والمحبة، لم أكن أسامح نفسي لو تركت أخي على قائمة الإنتظار حتى من يأتي متبرع له، فأنا أولى من أي أحد آخر يتبرع له”.

وتواصل الأخت حديثها الإنساني، بعبارات لا تخلو من حكمة بالغة “أعطيت أخي جزءاً بسيطاً من جسدي، علما بأن الله أخجلني بعظم عطاياه، فقد أعطاني حب الآخرين ودعواتهم الصادقة لي، حتى باقات الورد التي قُدمت لسلامتي بعد إجراء العملية، هي من عطاء الله لي”.

يوميات المستشفى

وتصف حكيمة يومياتها في المستشفى “صادفت مواقف إنسانية كثيرة داخل المستشفى، ورأيت كثيرين يرغبون التبرع بأعضائهم لمرضاهم، كنت أنظر إليهم وأنا منبهرة ومتفاجئة من ضخامة المستشفى وامتلائه بالمتبرعين”.

وتضيف “فاجأتني طفلة كبدها سليمة، ولكنها مهددة بالموت، لأن الكبد لا تُفرز إنزيمات، وهذا موقف يجسد الإيمان بالقضاء والقدر، وهناك طفل كان بحاجة إلى كبد، وأمه تتقدم للتبرع له، وهكذا هي الحياة أخذ وعطاء”.

حب الآخرين

ولا تنسى حكيمة موقفاً داخل المستشفى جعلها تبكي بحرقة “شاب مريض كان يشكو حاله، بعدما رفض صديقه التبرع له بجزء من كبده، فقد كان الشاب يظن أن صديقه جاء ليتبرع له، وبالصدفة كان هناك شاب آخر يجلس في المكان نفسه، جاء ليتبرع لمريض آخر، ولكن الفحوصات أثبتت أنه غير مناسب لذلك، وسمع هذا الشاب بشكوى المريض الأول، فتطوع للتبرع له برغبة صادقة وحب في صنع الخير، خاصة إذا عرفنا أن التبرع صدقة وخير سينقذ حياة الكثيرين”.

 

‫5 تعليقات

  1. ظربت حكيمه مثلا رائعا للتظحيه والاخلاص يجب الاقتداء به في هذه الحياة الفانيه والدي لا يبقى فيها الا العمل الصالح والمعامله الطيبه لبعضنا البعض وهذا ما حدى بحكيمه رد الجميل لاخيها الدي كان طيبا معها بحسن المعامله وعليه ان يقتدي الجميع من هذه الاسره الكريمه مثالا لهم..

  2. موقف انساني نبيل هنيئا لها هذا التوفيق… بالحقيقة قبل قرابة السبع سنوات مررت بنفس القصة معي شخصيا حيث ان نفس المشكلة وقعت على عمتي أم زوجتي وهي ليس لها الا بنتين وولد فبادر الولد وتم رفضه لانه مصاب بنسبة كبيرة بفقر الدم والبنت الأولى كانت والد بعملية قيصرية وتم الرفض وزوجتي فصيلة الدم غير مطابقة والأب كبير بالسن وتم استبعاده والاخوان والاخوات بتردد وخوف على حياتهم ومصيرهم فبادرت بنفسي للمستشفى لعمل الفحوصات اللازمة من فصيلة دم واشعة وتحاليل والحمد لله وفقت بإجراء العملية والتبرع ب٥٧٪ من الكبد والحمد لله رب العالمين منذ خروجي من المستشفى وانا بحالة صحية ممتازة وايضا هي كذلك… مااخفيكم بأنني واجهت ضغط من قبل الاهل والاصدقاء والمقربين للامتناع من ذلك خوفا على حياتي الا انني كنت مصر على إحياء نفس لوجه الله والحمد لله رب العالمين على التوفيق…
    فجزاك الله خير الجزاء وفي ميزان أعمالك ان شاء الله

  3. أقف عاجزا لأسطر كلمات الثناء محفوفا بالورود أمام هذا الموقف الإنساني النبيل الذي جسد روح الأخوة في أرقى صوره بالبذل والتضحية والفداء و ليس ذلك غريبا على أبناء خديجة و فاطمة و زينب عليهم السلام فألف تحية إجلال لهذه الأخت الفاضلة سائلا المولى عز وجل أن يكلل عملها بالنجاح و يلبسها و أخيها ثوب الصحة والعافية و أن يجعل ذلك درسا لنا جميعا و في ميزان حسناتها يوم الورود يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

  4. نعم الأخت الفاضلة والمومنة انت استاذة حكيمة، قد قدمتي نموذج الأخوة الصادقة فاجزاءك الله خير في الدنيا والآخرة، واطال الله في عمرك الشريف والمبارك، وحفظ الله اخاك البار والمؤمن الحاج أبو محمد، وإن شاء الله تصبحا في خير وصحة وسلامة ونسأل الله العلي القدير أن يمد في عمركم أعواما عديدة في صحة وعافية بحق الصلاة على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×