[ميناء القطيف 47] الدور المسكوت عنه لحسن الجشي في التنمية وثائق وصور تؤكد دوره في الحياة التجارية والإدارية ومشاركته هموم الوطن
ميناء القطيف
عدنان السيد محمد العوامي
فيا لكَ من دمٍ يجري سُروراً
وكَلْمٍ نقْصُه سِمَةُ الكمال
وذي أَلم يلذّ به وجرحٍ
يكون قِصاصُه جَذَلَ الرجال
وأَيّ جناية تَرْضى المَساعي
بها ويُثاب جانيها بمال
ابن القيسراني
اغتيال البيئات الثلاث
عجيب أمر هؤلاء الشعراء، لكأن أوتار أحاسيسهم تهتف وحيًا، واستقراء، فهكذا كانت عملية اغتيالنا لبحر القطيف ومعه ميناؤه. أجرينا دمهما مسرورين مغتبطين، ملتذِّين أيما التذاذ، دون أن ندري بأننا نرقص في مأتم، ثم نتقص من الجاني جذلاً يمتع الرجال ويطربهم أيما إطراب! رضيت المكارم أم لم ترض، فكفاء الجناية المال الوفير نغدقه من خزائننا بسخاء لو سمع به الطائيُّ لطار عقله وجن لساعته، ولو درى به قيس الملوح لقرت نفسه وفرح مستبشرًا بجيل مجانين يجيئون بعده، يغنون على اضطراب جثمان الضحية كما وصفها هو قبل 15 عشر قرنًا بقوله:
كَعُصفورَةٍ في كَفِّ طِفلٍ يَزُمُّها
تَذوقُ حِياضَ المَوتِ وَالطِفلُ يَلعَبُ
فَلا الطِفلُ ذو عَقلٍ يَرِقُّ لِما بِها
وَلا الطَيرُ ذو ريشٍ يَطيرُ فَيَذهَبُ
وَلي أَلفُ وَجهٍ قَد عَرَفتُ طَريقَهُ
وَلَكِن بِلا قَلبٍ إِلى أَينَ أَذهَبُ
نعم، أولئك المجانين أعني مغتالي البحر جنوا – بجنايتهم – من المال الأكداس المكدسة، لكن ما جنوه لا يقارن بما ألحقوه بأنفسهم وبالأجيال القادمة من خسائر جسيمة فادحة، حتى لكأنهم المعنيون بقوله عز من قائل: ﴿وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَـٰعُ اْلْحَيَـٰٰوةِ اْلدُّنْيَا وَزِيْنَتُهَا وَمَا عِندَ اْللهِ خَيِرٌ وَأَبْقَىٰ أفلا تَعْقِلُون﴾. القصص: 60.
فلنعدِّ عن هذا، ونلتفت للضحية المعنية بالعنوان وهي البيئات الثلاث: البحر، والبر، والزراعة.
لنتذكر ما عرضناه من الفوائد والخيرات التي أنعم الله بها على هذا البحر وسخرها لنا ﴿وَمَا كُنَّا لَهَا مُقْرِنِينَ﴾، الزخرف: ١٣.
قلنا في حلقة سالفة: إن الناس – في زمن مضى – يومَ كانت إمكاناتهم متواضعة، ووسائلهم أكثر تواضعًا – كانوا يتصرفون بفضلات الأطعمة تصرفًا حسنًا، فيجمعونها في جرابات، ثم يبيعونها “للدوار” يتقايضون معه ما يحتاجون من النباتات كالكرَّاث، والفِجِل، والدسمة، والكرفس، والحواء والجزر الأحمر، إلخ. فلم تكن تتجمع لديهم فضلات، وما يفْضُل منها يرمى في البراحات والأفنية، ومآلها المزارع سمادًا للأشجار، ووقودًا للتدفئة والطهي. فهم رغم تواضع وسائلهم كانوا يطبقون فكرة (التدوير) وإن لم يسمعوا بها فيعرفوها، وحين تولى مدير بلدية واع أسس البلدية وأدارها قام ببناء ما عرف – في وقته – بالمعالف، وهي أحواض ضحلة العمق تجمع فيها القمامة تسهيلاً على عمال البلدية، وأما كناسة الطرق، فاستخدمها في ردم مصارف النخيل والسواقي، فوسع الطرق، وفي فترة فراغ قدَّرتها بسنتين أغلقت فيها البلدية لأسباب فصلتها هناك، لم يجد الناس وسيلة للتخلص من القمامة إلا رميها على ساحل البحر، فنتج عن ذلك ردم مساحات كبيرة لم يسع البلدية إلا أن قامت – في فترات متباعدة لاحقة – بتغطيتها وتسويتها وتخطيطها أرضيَ سكنيةً، باعتها للمواطنين. ومما عرضناه من طرق انتفاع الناس بما في البحر والبر من نعم الأواني الفخارية بأنواعها من الطين الأخضر المتوافر في البر، ومن الحجر والطين الرمادي اللذين يستخرجونهما من البحر؛ صنعوا الجص وأشادوا منه منازلهم، ومتاجرهم، وغير ذينك من ضروب المباني.كل ذلك تمَّ بقِلَّة في المال، وضآلة في الإمكان. فلا سيارات، ولا أجهزة، ولا مُعَدَّات، ولا أيدٍ عاملة مدرَّبة، ناهيك عن أجهزة المساحة الهندسية والطبية وغيرها. لكن حين توافرت الإمكانات واعتمدت الاعتمادات المالية السخية، وأتخمت بما يفيض عن الحاجة من مهندسين ومساحين ومراقبين فنيين، وأطباء بشريين، وبياطرة ومراقبي الصحة، ومتخصصين في الطب الوقائي – حين توافر كل تلك الإمكانات، وصار بالإمكان نقل البلد إلى مصاف بناتها الجارات الحديثات؛ الدمام والخبر ورحيمة، إن لم ترفعها إلى أعلى مستوى لتوفر القطيف على بيئتين طبيعيتين لا تتوفر عليها تلك المدن، ألا وهما البيئة الصحراوية ذات الكثبان الرملية الضخمة المكتنزة بالثروات الكبيرة؛ مثل السيليكا) ثاني أكسيد السيليكون؛ معدن الكوارتز “المرو”)، وكذلك كربونات الكالسيوم الأكثر شيوعا من مكونات الرمال مثل معدن الأراجونيت.
يعتبر الرمل أحد الموارد الطبيعية غير المتجددة، ويدخل بكثرة في كثبر من الصناعات، ومنها:
- الخرسانة.
- الطوب (الطابوق): حيث يتم إضافة الرمل إلى مزيج من الصلصال ومواد أخرى لصناعة الطوب.
- طين البناء: يشكل الرمل الخشن ما نسبته 75% من طين البناء.
- الإسمنت: الرمل هو في الغالب المكون الأساسي لمادة البناء الهامة هذه.
- الزجاج:تدخل الرمال الغنية بالسيليكا في صناعة الزجاج حيث تعتبر المكوّن الرئيسيّ في الزجاج الشائع.
- التصديع المائي (الهيدرولي (بالإنجليزية: Hydraulic fractuing))، وهي تقنية حديثة تستخدم لاستخراج احتياطات النفط والغاز الطبيعي التي كان من المستحيل الوصول إليها سابقاً، وتستخدم رمل السيليكات.
- تحسين المناظر الطبيعية: يستخدم الرمل لإنشاء التلال والمنحدرات الصغيرة (مثل ملاعب الجولف).
- مونة الاسمنت >بالإنجليزية: Mortar)) . يخلط الرمل مع أسمنت البناء أو الأسمنت البورتلندي والجير ليستخدم في أعمال البناء.
- الدهان: حيث إن خلط الرمل مع مواد الدهان يعطي زخرفة محكمة للجدران أو الأسطح أو الأرضيات المضادة للانزلاق.
- السكك الحديدية: يستخدم سائقو المحركات ومشغلو قاطرات السكك الحديدية الرمل لتحسين التصاق العجلات على القضبان.
- الترفيه: اللعب بالرمل هو أحد الأنشطة المفضلة على الشاطئ، حيث يقوم الناس بتشكيل أشكال قد تكون أحيانا معقدة وأحيانا بسيطة تعرف بالقلاع الرملية، ويستعمل الرمل أيضا في مناطق لعب الأطفال وهي مناطق خاصة مغلقة تحيط بمساحة محددة من الرمل تعرف بصناديق الرمل وهي منتشرة في العديد من الملاعب العامة وحتى في بعض منازل العائلات.
- الطرق: يحسّن الرمل من الالتصاق والاحتكاك في حالات الثلج والجليد وبالتالي يساهم في سلامة الطرقات.
- الرسم: يقوم الفنانون باستخدام الرمل في الرسم.
- الصب بالرمل: حيث يتم تشكيل نوع خاص من الرمال يعرف باسم رمل السبك في قوالب يتم فيها صب المواد المنصهرة، إن هذا النوع من الرمل يجب أن يكون قادراً على تحمل درجات الحرارة العالية والضغط الشديد، وأن يسمح للغازات بالنفاذ، ويكون لديه حجم حبيبي صغير وموحّد ولا يتفاعل مع المعادن.
- أكياس الرمل: تحمي هذه الأكياس من الفيضانات وإطلاق النار، ومن السهل نقل هذه الأكياس الرخيصة عندما تكون فارغة، ويمكن للمتطوعين غير المهرة أن يملؤوها بسرعة بالرمال في حالات الطوارئ، كما وتستخدمها الجيوش في الحروب للحماية من طلقات الرصاص.
- التنظيف بالرمل: يعدّ الرمل المتدرّج بمثابة مادّة كاشطة تستعمل في التنظيف، والإعداد، والتلميع.
- سلاح حراري: على الرغم من عدم استخدامه على نطاق واسع في هذا المجال بعد الآن، كان الرمل يستخدم كسلاح حراري حيث كان يسخّن ويسكب على القوات الغازية في القرون الوسطى.
- ترشيح المياه: تستخدم المرشحات متعددة الأوساط الرمال لتصفية المياه.
- الزهريات: تستخدم الحيوانات الزهرية كاللاسعات البحرية القاعية المرتبطة بالشعاب المرجانية وشقائق النعمان البحرية الرمال للحصول على قوة هيكلية.
الموارد والشؤون البيئية
- بعض أنواع الرمال تكون مناسبة لصناعات البناء والتشييد كصنع الخرسانة على سبيل المثال، وبسبب نمو السكان والمدن وما يترتب على ذلك من نشاط بنائي هناك طلب كبير على هذه الأنواع الخاصة من الرمل، كما أن المصادر الطبيعية تنخفض والرمل يعد من الموارد غير المتجددة.
- قام المخرج الفرنسي دينيس ديليستراك في عام 2012م بتقديم فيلم وثائقي بعنوان “الحروب الرملية” حول تأثير نقص رمل البناء، كما يبين الفلم الآثار البيئية والاقتصادية للتجارة المشروعة وغير المشروعة لرمال البناء.
- تتطلب العديد من الاستخدامات الرملية عمليات تجريف كبيرة، مما يثير المخاوف البيئية بشأن استنزاف الأسماك والانهيارات الأرضية والفيضانات، كما وتحظر بلدان مثل الصين وإندونيسيا وماليزيا وكمبوديا تصدير الرمال، مستشهدة بهذه القضيايا المذكورة أعلاه كسبب رئيسي، وتشير التقديرات إلى أن الاستهلاك السنوي من الرمل والحصى هو 40 مليار طن، والرمل هو صناعة عالمية تقدر ب 70 مليار دولار أمريكي([1])
في الزراعة
- تعتبر التربة الرملية مثالية لبعض المحاصيل الزراعية وخواصها الجافة الممتازة تجعلها مناسبة للزراعة المكثفة([2]).
كم من الصناعات الكبيرة، المهمة كان مكنًا أن تقام بالاعتماد على هذه المادة الخام؛ (الرمل)، لو قُيِّض لها من يستغلُّها الاستغلال الأمثل، ولاسيما أن الإمكانات جميعها قد وفرتها الدولة؟! وأيضًا كان ممكنًا أن يتم تخطيط المساحات الخالية من الرمال، وهي كبيرة جدًّا، وطرف البر الغربي من أطرافها غير متناه، فيمكن تخصيص تلك المساحات الكبيرة مساكن توزع على الأهالي، ومناطق صناعية تقيم عليها الدولة ما تحتاج، ويعطى الباقي للشركات الوطنية والأفراد. بدلًا من هدر الأموال الطائلة التي أنفقت في شق الشوارع وإزالة المدن التاريخية؛ كالقلعة، وخلخلة الأخرى بشق شوارع ضيقة لا تسمن ولا تغني من جوع؛ كالدبيبية وباب الشمال، والكويكب والقديح، لكُنَّا بذلك كسبنا التطور، وحفظنا البيئات الفطرية الثلاث البر والبحر والنطاقات الزراعية، إلى جانب حفظ التراث والتاريخ، لكنَّ ما حصل هو العكس تمامًا، فبدلاً من ذلك استخدمت هذه الثروات الهائلة من الطين والرمل بأنواعهما كافة في ردم البحر، وسد مصارف النخيل، وهو مصب التصريف الوحيد لتلك المصارف، وبذلك تم تدمير الحياة الفطرية في المناطق الثلاث؛ الزراعية، والبرية والبحرية، والأدهى والأمر، أن عملية ردم البحر لم تتم مجانًا، بل بمبالغ فلكية، تحملت خزينة الدولة بعضها في المساحات التي قامت بردمها البلدية، والباقي تحمله المواطن في ردم المساحات الممنوحة أو المشتراة من البلدية.
أصابع الاتهام لمن توجه؟
على حد علمي لم توجه تهمة الاغتيال هذه لأحد بعينه، خلاف ما ذكرت من اضطرار الأهالي لرمي القمامة في ساحل البحر، واضطرار البلدية لتسوية النفايات، وتحويلها إلى مناطق سكنية، لكن بعض كتابنا الأفاضل، عفا الله عنهم، وببراءة وحسن نية محض كتبوا سيرة علم من أبرز الشخصيات الوطنية المخلصة فجاءت كتاباتهم عنه مدحًا وإشادة، وهي – في الحقيقة – تغليط ومؤاخذات، وإن كانت غير مقصودة. هذه الشخصية سبق أن أعددت عن سيرتها بضع حلقات لصحيفة صبرة الإلكترونية نشرت أولاها، ثم – بكل أسف – اضطررت لحذفها بسبب اعتراض بعض الأدنَين من ذويها، تلك الشخصية هي الأستاذ حسن بن صالح الجشي رئيس بلدية القطيف (رحمه الله)، بيد أنني هنا أعيد الكتابة عنه وفاءً لما قدم من خدمات لوطنه وأهله خالصة لوجه الله، وإنني لأشعر بالندم وتوبيخ الضمير إذ جبنت فتخليت عن أداء ما يفرضه علي الواجب فأقول للمحسن: أحسنت، فمساهماته في خدمة الوطن أخرجته من ثُقب الأسرة إلى فضاء الوطن الرحب، وما لدي من وثائق مطلبية تحمل توقيعه في طليعة الموقعين من أعيان البلد وزعمائها مطالبين بالمدارس والمستشفيات، والطرق والمكتبة الأهلية العامة، ولجنة الطلاب، وغيرها تثبت أنه شخصية عامة لكل فرد من أبناء وطنه من خدمته نصيب، ولتتضح الصورة أنقل – في ما يلي – موارد الحاجة مما دون الإخوة الأفاضل:
1 ـ السيد علي السيد باقر العوامي:
(حسن صالح الجشي: أحد رجال القطيف، وأعيانِها. تعاون – ولفترة طويلة – مع شبابها في الدفاع عن قضايا البلاد ومطالبها. وأسرة الجشي أسرة عريقة معروفة بالقطيف والبحرين، وحسن صالح الجشي: أحد رجال القطيف، وأعيانِها، وقد درس حسن في مدارس البحرين، وتعلم اللغة الإنكليزية، والتحق بالعمل لدى شركة الزيت هناك (بابكو)، ثم ترك العمل لديها، والتحق بالعمل لدى شركة أرامكو، وكان زميلًا وصديقًا للسيد سليمان العليان، وكانا يقطنان غرفة واحدة حينما كانا يعملان معًا في أرامكو (سليمان العليان أحد موظفي أرامكو القدامى، وهو وحسن من الموظفين السعوديين القلائل، حينذاك، الذين كانوا يتقنون اللغة الإنكليزية.
وقد عمل حسن – خلال عمله في أرامكو – مع الفرق الجيلوجية التي كانت تقوم بمسح مناطق المملكة، فكان يغيب مع هذه الفرق شهورًا، في البر، يتنقلون عبر الصحراء، واستقال من أرامكو في أوائل الأربعينيات للميلاد – خلال الحرب العالمية الثانية – وعمل مديرًا لمستودعات الحكومة، وهي المستودعات التي تخزن فيها تمور الزكاة التي كانت الدولة تتقاضاها على النخيل، ثم استقال من الدولة، وصار يمارس التجارة، وقد أصبح عضوًا في الغرفة التجارية بالدمام، وكان يحضر المؤتمرات التي تعقدها الغرف التجارية العربية في مختلِف المدن العربية، كما صار عضوًا في المجلس البلدي بالقطيف أكثر من مرة، وقد لعب دورًا رئيسيًّا – متعاونًا مع الشباب – في الانتخابات البلدية عام 1956م، 1375هـ… وفي 16 جمادى الأولى عام 1382هـ، 14 اكتوبر 1962م، وعلى أثر وفاة رئيس بلدية القطيف يوسف المعيبد، عُيِّن حسن الجشي رئيسًا لبلدية القطيف، واستمر في منصبه . . . حتى وفاته في جدة، في 2 ذي الحجة عام 1391هـ، 18 يناير 1972م عن عمر يقارب الخمسة والخمسين عامًا (ميلاده عام 1337هـ، 1918م) يرحمه الله. لقد خدم بلده، وأعطاها الكثير من جهده ووقته([3])).
2 – الدكتور جميل عبد الله الجشي
خلاصة شهادته؛ أنَّ حسنًا درس في البحرين، ولم يكمل تعليمه، وعمل في شركة أرامكو عند بداية أعمالها في الأربعينيات الميلادية من القرن العشرين، وكان صديقًا للشيخ سليمان العليان. التحق بالعمل الحكومي في 1/1/1362هـ في وظيفة (مأمور مستودع) تابعة لمالية المنطقة الشرقية، ومن غير المعروف مكانها بالضبط، وكان راتبها 1200 قرش، وظل في هذا العمل حتى 20/5/1367هـ. بعد ذلك عمل في تجارة المواد الغذائية حيث فتح له محلاً لبيع المواد الغذائية بالجملة في عمارة النهاش بسوق القطيف قريبًا من قهوة الغراب (وكان الطابق الثاني من عمارة النهاش هذه قد استخدم كأول مدرسة ابتدائية تفتتحها الدولة في القطيف، بل في المنطقة)، ثم توسع العمل التجاري للأستاذ حسن فبنى له محلاً كبيرًا داخل سكة القطيف قريبًا من طرفها الجنوبي، حيث كان يساعده أخوه عبد رب الرسول بن صالح الجشي، في إدارة العمل، وأصبح المحل من كبار المحلات التجارية في القطيف. كان الأستاذ حسن – خلال عمله في التجارة – عضوًا فاعلاً في الغرفة التجارية بالمنطقة الشرقية، حيث كان يساهم في لقاءاتها واجتماعاتها، وفي استقبال الوفود الزائرة. كما كان يساهم في الزيارات التي كان يقوم بها أعضاء الغرفة للخارج). ثم استعرض سفره إلى لبنان في أواسط الخمسينيات الميلادية، وإقامته فيه، وتكوينه شركة تجارية للنقل وعمل الدواليب (الكاوتشوك)، مع السيد محمد كمال مدور، من لبنان. ثم يعرج على عودته للعمل في الحكومة، وتعيينه رئيسًا لبلدية القطيف بتاريخ 15/5/1382هـ، بالمرتبة الرابعة، وبراتب 1200 ريال، واستمراره في منصبه حتى وفاته في جدة، سنة 1391هـ، ولم تفته الإشارة إلى منجزاته في البلدية، فذكر أنه كان له جهدٌ مشهودٌ في ترتيب العمل في البلدية، ووضع لمسات التخطيط الحديث لمدينة القطيف، ومنها وضع الخطط لما يعرف الآن بحي البحر، وحي المنيرة، والدخل المحدود، وغيرها.
ألمَّ – أيضًا – بمأخذ الأستاذ محمد سعيد الخنيزي عليه لموافقته على إزالة سوق القطيف المعروفة بالسكة، وأنه – بحكم القرابة بينه وبين حسن، وبحكم التخصص – كان حسن يطلعه على بعض تصوراته لتطوير مدينة القطيف، ومحاولته إقناع شركة أرامكو بدفن منطقة (القرمة) جنوب الفرضة في ما يعرف الآن بحي الجزيرة والرابعة والخامسة، لغرض تخصيصها لبرنامج أرامكو لتملك البيوت، وأشار إلى أنه طلب منه الحضور لمكتبه في البلدية للاستماع إلى ما يدور هناك، وطبيعة المراجعين، وتقديم مقترحاته لتطوير العمل، وتطوير المدينة، لكن وقته لم يسمح، ولم ينس الإشارة إلى مشاركته في الوفد السعودي لمحادثات المملكة ودولة الكويت لتقسيم ما كان يعرف بالمنطقة المحايدة، وآرائه التي ساعدت على الوصول إلى الاتفاق. ومما جاء في شهادته قولُه: >ساهم في تأسيس المكتبة العامة بالقطيف، وكذلك في تأسيس المدارس غير الرسمية للبنين والبنات في فترة الستينيات والسبعينيات الهجرية)([4]).
3 – الشاعر محمد سعيد الشيخ علي الخنيزي.
عرض له في موضعين؛ الموضع الأول: عندما اعتزم، هو وثلة من رفقائه، افتتاح مدرسة للبنات، فطلبوا من حسن: (أن يأتي بمربِّيات رسميَّات تقوم بتعليم البنات، غير أنه لم ينفذ المخطط، وأعاد الاشتراكات لذوي الاشتراك)([5]). الموضع الثاني، أخذ عليه فيه إصرارَه على رأيه، وعدم الانصياع لرأي مهندس الوزارة حين اقترح الإبقاء على (سوق السكة)، وهي أحد المعالم التراثية، وهذا ما قاله بالنص: >وعندما قرَّرَت بلدية القطيف إزالة هذا المعلم، انتدبت الوزارة أحد المهندسين، وعندما وقف على طبيعة هذا المعلم قرَّر إبقاءه للتاريخ والذكرى، غير أن رئيس البلدية حسن صالح الجشي، وهو أحد الشخصيات الوطنية للقطيف، ومفكريها في التخطيط والتنظيم… أقنع هذا المندوب أن يتراجع عن رأيه، ويقرر إزالة هذا المعلم- كما روى لي رئيس البلدية حسن الجشي، وقد نفَّذ إزالة هذا المعلم على مرحلتين، الأولى عام أربعة وثمانين بعد الثلاثمائة والألف، والأخرى عام خمسة وثمانين بعد الثلاثمائة والألف هجرية، وعندما روى لي رئيس البلدية رأيه التغلُّبي على المندوب، ورأي المهندس في عدم إزالة سوق القطيف الرئيسية، وحين ذاك قبل أن تقَع الإزالة، أعطيته رأيي بعدم صحة رأيه، وأن رأي مندوب الوزارة هو الرأي الصحيح)([6]).
سعيد أحمد الناجي
(. . . وهو شخصية جذابة، طويل القامة، عريض المنكبين، رشيقًا، وسيمًا باسمًا، طلق اللسان عذوبة ومنطقا، شهمًا كريمًا. ويعتبر حسن الجشي من أبرز أعيان القطيف فقد مارس التجارة ونجح فيها ثم امتهن مديرية بلدية القطيف 1382هـ، – 11390هـ فنفعها حاضرًا ومستقبلا فقد خصص أرضًا بمساحة مدينة لأصحاب الدخل المحدود شرق القطيف توزع عليهم مجانًا من قبل البلدية كما خطط مدينة القطيف لتواكب المدن العصرية الحديثة حيث فتح فيها شوارع مشجرة مضيئة كشارع القدس وشارع أحد، وشارع الرياض وشارع المحيط الدائري) ([7]). هذه هي الشهادات التي اطلعت عليها، جاءت في صورة شهادات قدمها مدونوها عرفانا بفضل هذا الرجل الذي خدم بلده القطيف خاصة، ووطنه الكبير المملكة عامة، ولكن بحكم ارتباطي الوثيق به، وقد علمت تحت رئاسته خمس سنين، وفي أهم إدارات البلدية وهي الشؤون المالية، فلدي من المعلومات ما يتعارض مع هذه المدونات، أو يضيف إليها ما فات المدونين. فإلى الحلقة القامة بإذن الله.
وثيقة مطالبة لولي العهد سنة 1372 الأمير سعود بن عبدالعزيز، رحمه الله، وتوقيع الجشي ضمنها
————
([1]) ويكيبديا، الرابط: https://chl.li/s9cYS
([3])الحركة الوطنية السعودية، السيد علي العوامي، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، الطبعة الثانية، 2015م، جـ1/141 – 142، الهامش: 12.
([4])تراث الأجداد، دراسة في وثائق عائلة الجشي في القطيف والبحرين (1200- 1250هـ)، د. جميل عبد الله الجشي، الدار السعودية للنشر والتوزيع، الخبر، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، ص: 349 – 351.
([5])خيوط من الشمس، محمد سعيد الشيخ علي الخنيزي، مؤسسة البلاغ، بيروت، الطبعة الأولى، 1420هـ، 2000م، جـ1/376.
([6])خيوط من الشمس، محمد سعيد الشيخ علي الخنيزي، سبق ذكره، جـ2/139.
(([7]معجم أعلام القطيف (1000 – 1436، سعيد أحمد الناجي، دار أطياف للنشر والتوزيع، الطبعة الثالثة، 1437هـ 2016م، ص: 139.