الثُّنائي أبو السعود.. دوّنا «كتاب الموتى» لأكثر من قرن سجلٌّ خطّي وثق أحداثاً كبيرة في القطيف وكشف عن تفاصيل حياة شخصيات قبل زمن الإنترنت

القطيف: ليلى العوامي

لو أدرك الشيخ سليمان بن محمد علي الشيخ حسن أبو السعود وصديقه وقريبه الحاج مبارك ضيف محمد علي أبو السعود، الزمن الإلكتروني، لكانا أسسا تطبيقاً إليكترونياً، أو حساباتٍ في مواقع التواصل الاجتماعي، لممارسة هوايتهما فيه.

لكن الأول رحل عن عالمنا قبل أكثر من خمسة عقود، عن عمر فاق القرن، فيما لحقه رفيقه بعد حوالى 5 سنوات.

تدوين الحوادث، خصوصاً الوفيات استهوت الرجلين، فعكفا لعقود على التدوين، وحين تعرضت مدونتهما إلى التلف لم يشعر باليأس، بل عاودا كتابتها.

اليوم؛ لم تعد مدونة أبو السعود مجرد سرد لحوادث شهدتها القطيف، بل مخزن معلومات قد يجهلها الكثيرون، منها وجود مقبرة داخل قلعة القطيف، أو الحصر الدقيق لوفيات وإصابات خلال حوادث كُبرى تعرضت لها القطيف أو بلداتها، في السنوات التي سبقت انضمامها إلى حكم الملك عبدالعزيز، وحتى حوادث أصغر، من قبيل سقوط أشخاص في بئر، أو وفاة مسافر في عرض البحر وإلقاء جثمانه في الماء بعد تغسيله وتكفينه.

لم يقتصر عمل الرجلين على تدوين الوفيات، بل أضافا إليها وقائع مأسوية مُثبتة بتواريخها وأعداد من مات فيها، والوفيات المفاجئة والغرق، وحوادث السير.

ظل الحاج مبارك يكتب حتى بعد وفاة الشيخ سليمان أبو السعود.

«صُبرة» حصلت على صور المُدونة، بالتعاون مع الدكتور جهاد سعيد الزاير، حفيد سليمان أبو السعود. الشيخ سليمان أبو السعود.

تاجر «أتاريك» وأحذية

الشيخ سليمان أبو السعود من مواليد القطيف، عام 1282هـ، وتوفي في 2-3-1387هـ، أما الحاج مبارك أبو السعود فمن مواليد العام 1316هـ، ولكنه توفي في مستشفى بالبحرين يوم الثلاثاء 16-1-1391هـ.

المُدونة كُتبت بخط الحاج مبارك، وبعد وفاته تغير الخط وبدء التدوين بعد أيام من وفاته، واستمر حتى عام 1396هـ، وكان آخر ما كُتب خبر وفاة السيد حسين السيد مجيد العوامي في 24 صفر 1396هـ، الموافق 24-2-1976.

مبارك أبو السعود وابنه المرحوم عبدالإله.

تقول أم علي، ابنة الحاج مبارك، لـ«صبرة» «كان والدي يملك بعض بساتين النخيل، إضافة إلى عمله في التجارة، حيث كان لديه دكان في السوق المعروفة سابقاً بـ «السكة» لبيع الأتاريك والفوانيس والأحذية وبعض المستلزمات الأخرى. وكانت معاملاته مع تجار البحرين، ومنهم جمعه القنقوني، وآخر من عائلة «البهرة»، وبعد إزالة سوق السكة في القص القديم؛ تفرغ لإدارة أملاكه من البساتين».

تضيف «وعيت على الدنيا والوالد (رحمة الله عليه)، يُدون الأحداث، من مواليد ووفيات، ولديه 4 دفاتر ومفكرة صغيرة، أتذكر لونها أزرق، كان يدون فيها وفيات القطيف وما جاورها، وأيضاً كان يجمع الأحداث من سيهات. ولعدم توافر المواصلات والاتصالات في ذلك الوقت؛ فقد كان يجمعها له المرحوم الحاج عبدالله النصر، وبعد وفاة النصر صار يأخذها من المرحوم الحاج عبدالمجيد أبو السعود (أبو علي)، وكانوا يجمعون الأحداث، وعند قدومهم إلى القطيف يسلمونها للوالد (رحمه الله)».

علي حسن أبو السعود.

بيع الأكفان وتغسيل الموتى

من جهته، يقول علي حسن أبو السعود، حفيد الحاج مبارك إن «مدونة الجد المرحوم الحاج مبارك أبو السعود تبدأ من الصفحة رقم 7، وهذه هي النسخة الثانية التي كتبها الجد، حيث أعاد كتابة المدونة بعد تعرض النسخة الأولى إلى التلف، وقام بنسخها في دفتر جديد، وبدأت من الصفحة السابعة من الدفتر القديم، والذي وجدته ضمن مقتنيات جدي لأبي الحاج محمد علي سليمان أبو السعود، والذي ربما أعطاه إياه جدي الحاج مبارك بعد تلفه، وكان جدي لأبي المرحوم الحاج محمد علي، يعمل في بيع الأقمشة، إضافة إلى بيع الأكفان وكذلك قيامه بتغسيل الموتى».

يضيف «استكمل جدي الحاج محمد، تدوين بعض الأسماء في الدفتر القديم، وبمراجعة الصفحات الأولى، وهي بنفس خط الجد، وجدت أن الصفحة الأولى بدأت بـ«وفاة الجليل أبو عمرو عثمان ابن سعيد العمري، وقبره ببغداد، سفير الإمام حيث من الواضح أن الجد عند بدايته في تدوين الوفيات بدأ بجمع وتدوين وفيات العلماء والمراجع (رحمة الله عليهم)، وانتهى عند آخر اسم – فيما تعرضت الصفحة التالية إلى التلف – السيد حسين البروجردي، سنة 1380هـ. وتوفي الجد مبارك (رحمه الله) في مستشفى بالبحرين، ودفن هناك، وقبره معلوم في مقبرة الحورة».

الدكتور أسامة أبو السعود.

هكذا تصل أخبار الوفيات

ومن زاويته؛ يروي الدكتور أسامة عبدالشهيد سليمان أبو السعود، حكاية المُدونة، بالقول «جدي سليمان كان يمتهن بيع الأقمشة، ومن ضمن هذه الأقمشة كانت الأكفان، التي كان يخيطها. وكان الناس إذا ما احتاجوا إلى كفن؛ يتوجهون إليه. وهكذا كانت تصل الأخبار إلى جددنا الحاج مبارك أبو السعود، فيدونها».

محل أبو السعود كان في سوق «السكة»، وكان من أصحاب الأملاك والمزارع، وكان يدير أملاكه من دكانه أو من البيت، حيث كان ابنه المرحوم جواد أبو السعود (أبو عبد الكريم) يعينه في ذلك.

كذلك المرحوم الحاج مبارك كان له دكان في السوق؛ وكان يعمل في بيع الأقمشة، وكل ما يصلح للتجارة. وكذلك كان مسؤولاً عن بعض الأملاك والمزارع التي كان يديرها، إضافة إلى أملاكه الخاصة.

البضاعة التي كانا يتاجران فيها كانت تُجلب من الهند والبحرين حيث كانت لهما علاقات قوية (قرابة وصداقة)، مع العديد من التجّار هناك.

الدكتور جهاد الزاير.

وفيات المدونة

تحوي المدونة 41 صفحة، في كل منها أخبار تراوح بين 15 الى 17، كُتبت بخط يد الحاج مبارك أبو السعود، وكُتِبَ فيها الكثير ممن توفاهم الله من عائلات القطيف: البيات، أبو السعود، الزاير والخنيزي، بعضهم بالأعوام فقط، والبعض الآخر بالأيام والساعات.

يقول الدكتور جهاد الزاير، لـ«صبرة» «توجد قصاصات ورقية لتواريخ كُتبت قبل ولادتهما، قد تكون كُتبت من قبل آباءهما، خاصة تلك المكتوبة قبل 1282هـ، أي قبل ولادة الحاجين سليمان ومبارك. وهناك فارق زمني بين الاثنين، فالأول يكبر الثاني بـ34 سنة تقريباً».

تحوي المدونة وفاة الحاجة سلامة بنت سليمان أبو السعود، يوم الحادي عشر من شهر رمضان المبارك من العام 1316هـ، والحاج عزيز المتوفى في قم في ربيع أول من العام نفسه.

كما تحوي تاريخ وفاة الشيخ حسن بن الشيخ محمد أبو السعود، وهو جد المُدونين.

وما يلفت الانتباه وجود مقبرة في قلعة القطيف، دفن فيها الحاج سعود بن محمد الشيخ حسن أبو السعود، المتوفى في 3-8-1326هـ.

برج قلعة القطيف.

وقعتا «الشربة» و«العوامية»

وأيضاً حوت المدونة وفيات قتلى حصار «وقعة الشربة»، فمن القديح توفي 24 شخصاً يوم الأحد 27-6-1326هـ، وفي يوم الاثنين 5-7-1326هـ توفي من باب الساب 12 شخصاً، ومن البحاري شخصين، والخويلدية شخص واحد. وفي 9-7-1326هـ توفي شخصان، بينهم سيدة في سيهات، وفي يوم الثلاثاء 13-7-1326هـ توفي 4 أشخاص، وفي 1-8-1326هـ، من ضمن من توفوا جعفر بن حسن بن علي الخنيزي.

وأشارت المُدونة إلى «واقعة العوامية»، التي توفي فيها 30 شخصاً، منهم حسين الفرج، إضافة إلى 20 شخصاً من الجرحى، وذلك يوم 13-5-1329هـ.

وفيها أيضاً وفاة الشيخ محمد علي النهاش، الذي توفي في باخرة مسافرة إلى مكة المكرمة، في ذي القعدة من عام 1340هـ.

قلعة القطيف في صورة جوية.

جثمان الخنيزي في البحر

تشير المُدونة إلى حادثة إلقاء عبد علي بن حسن علي الخنيزي من الباخرة في البحر، بعد وفاته حين كان متوجها إلى العراق، في 4-1-1342هـ.

وحادث بئر بيت أحمد بن محمد جواد الزاير، الذي قضى على 3 أشخاص، بسبب التعفن، وذلك في 28-11-1374هـ.

وخبر وفاة حسين الحوري في البصرة في 29-1-1346هـ، وحادثة بئر بيت الدبة الصايغ، الذي قضى فيه تقي القطري وعبدالله الدبة مع ولد بن مسعود يوم 16-2-1346هـ.

وخبر وفاة الأديب علي حسن أبو السعود في الكاظمية ببغداد في 10-4-1374هـ، بعد مغادرته أحد مستشفيات لبنان، وأيضاً وفاة أخيه عبدالحميد بن حسن أبو السعود في أحد مستشفيات لبنان، يوم 22-9-1376هـ.

سوق «السكة» حيث كان يقع محل أبو السعود.

وفيات «الفجأة»

تشير المُدونة إلى نقل جثمان علي بن عبدالله آل سيف إلى تاروت، بعد وفاته في مستشفى القطيف، في 8-6-1380هـ. ووفاة والدة محفوظ الصايغ فجأة في عين الحباكة، في 26-2-1346هـ، ووفاة السيد باقر المويلغي في ارتوازي الخان فجأة 1-9-1384هـ. ووفاة باقي بن الشيخ علي أبو السعود في الطريق فجأة في 22-11-1382هـ.

كما تضمنت وفاة عبدالرزاق بن حاج عبدالله أبو السعود في طريقه إلى البحرين، حين كان متوجهاً للعلاج هناك، ولكنه دفن في القطيف 3-2-1349هـ. ووفاة صنعة بنت حاج عبدالله بن مدن في مستشفى الظهران، بسبب حريق، وتوفيت يوم الخميس 28-2-1384هـ، وحادث وفاة عبدالله بن طه الحداد، مصدوماً في سيارة، حينما وصل من ألمانيا في 18-8-1380هـ، وأيضاً وفاة أم الخير بنت الحوري في فاتحة عبدالكريم الجشي، فجأة في 8-5-1359هـ.

ولم تقتصر المُدونة على أخبار أهل القطيف، إذ أشارت إلى وفيات في أماكن أخرى، منها وفاة الشيخ حبيب أبو قرين من الأحساء، في 22-1-1363هـ.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×