[ميناء القطيف 46] الفترة العمياء وبداية تآكل غابة القُرم خالد الفرج متعدد المواهب في الإدارة والهندسة والمحاسبة.. والأدب

عدنان السيد محمد العوامي

في الحلقة الخامسة والأربعين الماضية عرضت الصورة التي كانت عليها جوادُّ القطيف ومنافذُها قديمًا، وبينت أنها كانت مجرَّد منافذ زراعية لا تتسع لغير المشاة من بشر ودواب، واقتصرت – في بيان دور خالد الفرج فيها – على الإفادة من كناسة الطرق باستخدامها في ردم مصارف البساتين وسواقيها، فوسع تلك الجواد والمنافذ حتى أهَّلها لمرور السيارات، وهنا أكمل ما بدأته عن دور الخالد في خدمة البلد.

خالد الفرج المحاسب

لخالد الفرج ملكاتٌ ومواهبُ قلَّ نظيرها في زمنه، منها معرفته بالمحاسبة القانونية. أتذكر أنني في إحدى دورات دراستي بمعهد الإدارة في الرياض كلفني الأستاذ بإعداد تقرير عن منهج التخزين والمحاسبة في البلدية، وفي إجازة عيد الأضحى طلبت من رئيس البلدية مساعدتي بتكليف مأمور المستودع بالعمل معي أثنا العطلة كي أتمكن من إنجاز التقرير، فوافق وكلفه بما طلبت، وحين قدم أحضر لي السجلات وجدتها تبدأ من بداية تأسيس البلدية سنة 1346هـ، فكانت المفاجأة أن طريقة القيد المتبعة في السنة الأولى هي طريقة القيد المزدوج، وهي الطريقة المتبعة في القيود المحاسبية العالمية اليوم، والأغرب من هذا أن الطريقة التي اتبعت في السنة التي تلتها هي الطريقة المصطلح على تسميتها بالطريقة البيانية، وهي طريقة تتخذ فيها سجلات للمصروفات، وأخرى للواردات. ويعرف كل من له دراية بالمحاسبة أنها طريقة عقيمة، وليس لدي من تعليل لهذا غير أن أحدًا غير خالد كان قد تولى إدارة المحاسبة في البلدية تلك السنة، لكنني لم أجد في سيرته المدونة بقلمه وفيها تنقلاته، وسفراته ما يعزز هذا الترجيح.

خالد الفرج المهندس

فيما عرضت عن صورة المنافذ في القطيف قديمًا – أن المنفذ المؤدِّي إلى مدينة سيهات، ومنها إلى الدمام والخبر والظهران قديمًا يبدأ من الزاوية الجنوبية الشرقية لسوق الجبلة، شرقي بناية المنصورية([1])، (حاليًّا موقف السيارات غربي سوق السمك)، ويستمر جنوبًّا مخترقًا (بلدة الكويكب)، ثم (فريق الحاكَة) متخللاً نخيل قرية الشويكة، في طريق متعرجة حتى يصل إلى ساحل البحر، عند المكان المعروف بالخميسية([2])، خارج الواحة، وفاتني أن أذكر جادة زراعية أخرى مستقيمة ليس بها تعرجات، وأكثر اتساعًا من تلك الجواد، تمر من وسط بلدة الشويكة، وتستمر مستقيمة حتى تنتهي إلى فضاء عنك الذي تنتهي إليه الطريق المتعرجة السابق ذكرها.

يوجد طريق آخر يبدأ من سوق الجبلة، باتجاه الغرب عبر سكة الحرية (شارع جعفر الخطي سابقًا، شارع بدر حاليًّا)، ثم (دروازة المخطب)، ويستمر غربًا محاذيًا سور بلدة الدبيبية الشمالي والغربي، وعند الزاوية الجنوبية الغربية من جدار السور الغربي ينعطف نحو الغرب، ويستمر باستقامة إلى بلدة الخويلدية، ومنها ينعطف نحو الجنوب مستقيمًا حتى بلدة الجارودية، ثم ينعطف غربًا فيخترقها إلى البر. هذا الطريق يتفرع منه طريق يمر بين سور الدبيبية، ونخل الطف المقابل له من الشرق (حُوِّل النخل – فيما بعد – إلى مدرستين للبنين)، ثم ينعطف نحو الشرق، فيتصل بالطريق المستقيم المار بين فريق الحاكة والشويكة المذكور. ويصلح بديلا عن الطريق القديم المتعرج، لكنَّ  به عوائقَ ثلاثة:

أ – بيوت بلدة الكويكب، وهي تحتاج إلى إزالة، وليس لدى البلدية الإمكانات المطلوبة من معَدَّات  واعتمادات مالية لتعويض مالكيها عنها.

ب – بيت أحد وجهاء بلدة الشويكة وهو الحاج جواد الشيوخ (رحمه الله)، وأحد أركانه يعترض الشارع الذي يفكر في فتحه.

ويبدو أن خالد الفرج ليس شاعرًا وحسب، بل هو محارب في سبيل المصلحة العامة، لذلك تذكر قول الكميت بن زيد الأسدي:

رأيت عِذابَ الماء إن حيل دونه

كفاك لما لا بدَّ منه شروبها

وإن لم يكن إلا الأسنةَ مركبٌ

 فلا رأي للمضطر إلا ركوبها

فلم يجد بدًّا من ركوب الصعب فقام بتأهيل الطريق من نقطة التقائه بسكة الحرية ونخل الطف، وسور الدبيبية، واضطر لشطر المقبرة شطرين، وقطع الجزء الذي يعترض الطريق من بيت الحاج جواد الشيوخ، وبذلك فتح الطريق الموجود الآن باسم (شارع الملك عبد العزيز)بدءًا من سوق الجبلة، مرورًا بسكة الحرية، منعطفًا نحو الدبيبة ثم الشويكة، وعندها ينعطف نحو الجنوب، فيخترق الشويكة باستقامة، مجتازًا بنخل البدري ونخيل العياشي إلى عنك وأمِّ دعيلج، وقرب سيهات ينفرع الطريق إلى طريقين، أحدهما يتجه غربًا نحو القرين، والنابية ويرتبط بالطريق الذي يربط الظهران برأس تنورة،  والآخر يستمر إلى سيهات حتى واحة الخضرية، ثم ينقسم إلى طريقين أحدهما يتجه غربًا فيرتبط بطريق الطهران رأس تنورة  سابق الذكر، والآخر ينجه شرقًا نحو الدمام ونها إلى الخبر والظهران. ولقد اعترض الحاج جواد على هدم ذلك الجزء من بيته، وقدم شكوى ضد خالد لدى المجلس البلدي، لكن المجلس البلدي  ساند خالدًا في تصرفه، فلم يعوض الحاج جواد بشي([3]).

تلك هي الطرق التي افتتحها الفرج في القطيف، علاوة على الطريق المعروف بطريق الخناق، المؤدي إلى حمام (أبو لوزة) الأثري([4])، ومما ينسب إلى خالد (رحمه الله) تشجير الطرق([5])، وترميم العلامات الإرشادية في المقطع المؤدي إلى جزيرة تاروت.

فترة عمياء

ثلاث سنين هي البرزخ بين استقالة مؤسس البلدية ومديرها خالد محمد الفرج سنة 1359هـ، وتولِّي خلَفِه المرحوم الحاج محمد صالح الفارس سنة 1363هـ([6]). فترة السنوات الثلاث هذه لم أقف على أي معلومات عنها، ولا عمن تولَّى إدارة البلدية فيها، لكني أرجِّح أن مدير البلدية خالدًا لم يستقل، بل أقيل بسبب إغلاق البلدية، لذات السبب الذي أغلقت به المدرسة، وما حملني على هذا الترجيح هو وقوع تلك الفترة في الحيّز الزمني الذي نشبت فيه الحرب العالمية الثانية في 1/9/1939م، 17/7/1359هـ، بين ما اصطلح على تسميته بدول الحلفاء، وهي مجموعة من الدول الأوربية، ودول الكومنولف البريطاني، وأمريكا وروسيا والصين، ضد أعدائها دول المحور، وهي ألمانيا وإيطاليا واليابان، ورومانيا وبلغاريا، ولم تنته إلا في 2/9/1945م، 25/9/ 1364هـ. هذه حرب لا عَلاقة للمملكة العربية السعودية بها من قريب ولا بعيد، لكن كما قال الحكمي: (قد يؤخذ الجار بذنب الجار)، فالمملكة ليست معلقة في الفضاء، بل هي مركز محوري في المنطقة، وبجوارها دول لها مصالح تبادلية مع الدول المحتربة، جعلتها تصطلي بنيرانها، وإن لم تشارك فيها. وقديمًا قال الحارث بن عباد:

لَم أَكُن مِن جُناتِها عَلِمَ اللَـ

ـهُ وَإِني لِحَرِّها اليَومَ صالِ

أما كيف نالها الأذى، فقد حدثنا الراوي فقال: كان في بلدة المعامير، إحدى قرى جزيرة سترة بالبحرين، مصافي نفط للشركة البريطانية(بابكو)، وهي من الدول المتحاربة، وضعت – في أثناء تلك الحرب – هدفًا لطائرات دول المحوَر، بقصد تعطيل سلاح الطيران، وفي عصر يوم 18 أكتوبر، تشرين الثاني 1940م، 17 رمضان 1359هـ، أقلعت أربع طائرات إيطالية من طراز (ساڤويا مارچيتي أس. أم 82- Savoia Marchetti SM 82 ) من جزيرة رودس في البحر الأبيض المتوسط، يقود كلًّا منها الطيارون: الجنرال ﭘـاول موتشي، والعقيد الطيار فيدريشي، والقبطان ماير، والقبطان زانيتي، بقيادة إيتوري ميوتي، وعلى متن كل واحدة منها ثلاثة ضباط من سلاح الجو الملكي الإيطالي، تحمل ما يقرب من ثمانية أطنان من القنابل، وفي فجر 19 أكتوبر، تشرين الثاني، 18 رمضان، اجتازت سماء القطيف متجهة إلى البحرين، وهدفها تدمير مصفاة النفط في جزيرة سترة، لكن واحدة منها؛ التي كان يقودها القبطان فيدريشي ضلَّت الطريق، وانفصلت عن السرب، فعبرت أجواء الظهران، وحين شاهد الطيار الأضواء ظنها الهدف المنشود، فألقى عليها ما تحمل طائرته من قنابل، لكنها سقطت في البر دون أن تحدث ضررًا، أما باقي الطائرات فقد تمكنت من الوصول إلى هدفها وتدميره([7]).
 تسبب هذه الحادث في إحجام السفن من جميع الجهات عن المجيء إلى البحرين باعتبارها منطقة حرب. كذلك وجدت شركات التأمين فرصتها فأعلت سقف التأمين على السفن والبضائع، ولأن ما يزرع في البلد من الأغذية، وخصوصًا الرز الهندية، والحنطة والشعير والدخن والسمسم لم يعد يكفي لسد النقص؛ لم يكن أمام الدولة إلا إعلان التقشف، فأغلقت  المدرسة والبلدية، وقنَّنت الأغذية، وشكلت هيئة لتوزيع الأغذية التي تستوردها على المواطنين بموجب بطاقات تموين تعطى لرئيس العائلة، وتصرف له حصته من الأطعمة بموجب البطاقة، فسميت تلك السنة: سنة المطاﮔَـة (البطاقة)، وفي البحرين سميت بسنة الجريش.

المدرسة؛ أين كان مقرُّها قبل أن تغلق؟

في الحلقة (45) السابقة عرضت تفاصيلَ – أحسبها وافية – عن البلدية منذ العهد التركي ومطلع العهد السعودي الراهن، ولعلك تتذكر ما نشرته (صُبُرة) العزيزة في الجزء الثالث من تعقيبي على  تقريرها عن سوق الخميس، تحت عنوان: “سوق الخميس سوق البضائع، ومعترك المعامع”([8])، جاء فيه عن تلك المدرسة ما هذه صورته: (. . . إنَّ المدرسة مقصورة على أولاد العسكر، ومن حقك أن تطلب الدليل، وهو لدي سهل ميسور، فمقرها معروف، لكن يحتاج إلى شيء من التوضيح. يتذكر من أدرك القلعة قبل أن يهدم سورها أن بوابتها الشرقية المفضية إلى خارجها، المسماة “دروازة البحر”، بها دهليز هو الذي يَعْبُر منه الخارج منها باتجاه البحر، هذا الدهليز فوقه ثلاث دوائر حكومية يُصعد إليها بدرَج على يسار الدهليز، هي المحكمة، ويتبعها كاتب العدل فوق الدهليز مباشرة، والشرطة على يسار الصاعد على الدرج، وأمام الدهليز من الغرب فضاء مكشوف، يضم هذا الفضاء مبنى على يسار القادم من القلعة نحو الدهليز  يشغله السجن، يقابله على اليمين مبنى مهجور أمامه نخلة هذا المبنى المهجور قيل إنه لشخص اسمه “عبد الرزاق الكردي”، وهو الذي قيل إن المدرسة كانت فيه، وأنها استمرت إلى عهد الملك عبد العزيز “رحمه الله”، فواصل التدريس فيها، لكنها أغلقت بسبب قيام الحرب؛ مجموعة الدوائر الحكومية تلك تسمى “السراي”([9])، أو “الصراج” في الاصطلاح المحلي، وسندي في تحديد موقع المدرسة رواية أخي الأستاذ عبد المجيد سعيد الجامد مشافهة, مؤيَّدًا بما كتبه الأستاذ محمد سعيد الشيخ علي الخنيزي، معيِّنًا مكانها أنه المنزل يملكه عبد الرزاق الكردي([10])).

واستكمالا لهذا أضيف ما كتبه السيد علي ابن السيد باقر العوامي عن المدرسة ومديرها ومن انتشل التلاميذ بعد إغلاقها ونقلهم إلى بيته ومواصلة تعليمهم، فإليك نص ما كتبه السيد: (سبق أن فَتحت الدولة مدرسة ابتدائية للبنين في القطيف في منتصف الخمسينيات للهجرة، الثلاثينيات للميلاد، وانتدبت لها مديرًا اسمه سيد رضوان، زبيري، ولست أذكر ما إذا كان معه مدرسون من غير القطيف أم لا، ولكني أتذكر أنه عُيِّن معه بعض المدرسين من أهل القطيف. واستمرت هذه المدرسة بضع سنوات، وقد التحق بها عدد من أترابي، وأبناء جيلي، وقد استؤجر لها أحد البيوت، ولكن لما قامت الحرب العالمية الثانية عام 1358هـ، 1939م، وبسبب الأزمة المالية توقفت الحكومة عن دفع رواتب المدرسين، وعن تمويل المدرسة، فأغلقت، وأخذ أحد المدرسين، واسمه علي بن أحمد الغانم، “هو والد عبد الله علي الغانم – أخذ التلاميذ، وجعلهم نواة لكتاب افتتحه في بيته، واستمر الكتاب حتى وفاته في أوائل الستينيات للهجرة، الأربعينيات للميلاد، أما مدير المدرسة سيد رضوان فقد التحق بالعمل لدى شركة الزيت (أرامكو)، ولما توظف عبد الله علي الغانم لدى أرامكو، وهو لا يزال شابًّا صغيرًا، أجلسه أبوه مع سيد رضوان للصداقة والزمالة التي كانت بينهما منذ أيام المدرسة)([11])

الحياة الفطرية وبداية المأساة

في الفترة العمياء التي أغلقت فيها المدرسة والبلدية، وأقيل مدير البلدية خالد الفرج، لم يجد الناس وسيلة للتخلص من النفايات، فصاروا يرمونها في البحر، وتعاقب على إدارة البلدية، بعد خالد، مدراء لم يجدوا جوادَّ زراعيَّةً، أو ممرَّاتِ مشاةٍ تحتاج لتوسعة فيستخدموا النفايات في ردمها وتمهيدها، ولم يكن لديهم وسيلةٌ للتخلص منها، أو مقالب أو مكبَّات لطمرها، (فلم يبقَ إلاَّ ساحل البحر مقلبُ). ويومًا بعد يوم تكوَّنت رقعة كبيرة من النفايات قامت البلدية بتسويتها وتغطيتها بطبقة من الرمل، وخططتها قطعًا سكنيَّة، فلعل من المفيد إعطاء لمحة خاطفة عن تلك المناطق السكنية الناتجة عن ردم البحر:

أولا – فجوة داخلة من الساحل، ما بين الركن الشرقي الشمالي لسيحة الكويكب، والركن الجنوبي الشرقي من نخل بديعة البصري، عند الحافة الغربية للساحل (شارع الجزيرة الحالي)، نهاية شارع الخطي من الشرق، (بدر حاليًّا). تكونت من رَدْم هذه الفجوة مساحة من الأرض خططت – في ما بعد – قطعًا سكنية، وبيعت بالمزاد العلني.

ثانيًا – فجوة داخلة من الساحل شرق نخل دار الإمارة، كوَّن ردمها قطعة صغيرة أقيم عليها مبنى البلدية الحالي، ومرأبها “كراجها”، (حاليًّا مكتب العوامي للاستشارات الهندسية).

ثالثًا – المنطقة الكبرى الناتجة عن الردم بالمخلفات قسمت إلى  ثلاثة مخططات صغيرة، وتفصيلها كالآتي:

أ – رقعة يحدها من الجنوب الدستور (ساند الطريق الفاصل بين نخل الشماسية، (حاليًّا حي الشماسية ) والبحر، وبعد إكمال الحد شرقًا ينعطف نحو الجنوب باتجاه القلعة والكوت([12]) (مقر إدارة التيل – البرق والبريد والهاتف، حاليًّا مركز الهاتف الآلي). وغربًا شارع الملك عبد العزيز (حاليًّا صيدلية الشفاء)، يمتد إلى منتصف مواقف مطعم التنور الحالي تقريبًا. وشمالاً يبدأ الحد من الغرب من نقطة عند منتصف مواقف مطعم التنور الحالي، وينتهي شرقًا بمحاذاة  الحد الجنوبي، (نخل الشماسية). وشرقًا نهاية المخطط بموازاة نخل الشماسية.  يضم هذا المخطط مجلس آل المبارك، وحسينية آل الزايير، والجشي، وحسينية الشيخ زكي الخنيزي.

ب– شريط مستطيل يحده من الجنوب: ممشى شمال الكوت، ومن الغرب المخطط المذكور في البند أولا، ومن الشمال النافذ المنبثق من شارع أبي بكر الصديق وتمتد باتجاه الغرب ،  ومن الشرق شريط البيوت الواقعة إلى الشرق من شارع أبو بكر الصديق.

ج – شريط مستطيل يحده من الغرب بعضًا من مبنى الكوت، وبعضًا المخطط المذكور في البند (أ)،  ومن الجنوب مباني جمرك القطيف (الدفاع المدني حاليًّا)، ومن الشرق البحر، ومن الشمال المنطقة التي يقع فيها مبنى روضة الأطفال تقريبًا.  تلك هي المناطق الناتجة عن الردم العشوائي بكناسة الطرق.

جسر تاروت وإضراره بالبيئة الفطرية

لعل الإخوة المتابعين يتذكرون ما نشرته صحيفة صبرة للفقير لله، كاتب هذه السطور، تحت عنوان: (تاريخنا التائه بين زهد الأجداد  وشغف الأحفاد) عن جسر تاروت ومراحل تنفيذه، في ثلاث حلقات([13]). لم يكن الغرض من تلك الحلقات بيان الأضرار التي ألحقها الجسر بالبيئة والحياة الفطرية، والزراعة، ولكني هنا سأوضح الواضح الجلي.

الحياة البيئية قبل الجسر كيف كانت؟

تعرف القطيف بأنها واحة، وفي تقديري إن هذا التعريف مصطلح مجازي، وإلا فهي – في واقعها – تتكون من عدة واحات متفرقة، أولاها واحة شعاب في أقصى الشمال, والثانية من جنوبها واحة صفوى، وغرب صفوى تأتي واحات أ – أم الساهك، وب – الدريدي، وجـ – أبو معن، ود – الرويحة. والثالثة من الغرب واحات الخترشية وعين شاهين، والآجام (سحب هذا الاسم الجميل لحنًا ومعنى من التداول واستبدل بآخر هو الأوجام)([14])، والرابعة الواحة الكبرى هي واحة القطيف نفسها، والخامسة واحة سيهات، والسادسة واحة الخضرية، وقد قام الجسر بدوره في إلحاق الضرر  ببيئة هذه الواحات كلها أسوأ قيام، كما سنرى:

تنقسم بيئة الواحات هذه إلى قسمين برية وبحرية، فالساحلية تتفرد باللؤلؤ والثروة السمكية والنقل البحري، وتشارك أخواتها البرية  في منتجاتها الاقتصادية المهمة ومنها الطين والرمل، والزراعة بمختلِف أصنافها، ومنها النخلة، وهي – كما مرت تفاصيلها في حلقات سابقة – متعددة المنافع، كانت قوام الصناعات والحرف اليدوية والتجارة، بالإضافة إلى ما لا يحصى من المنافع.

كانت الرقعة الزراعية يحدها البحر شرقًا- بخط مستقيم، تقريبًا، يمتد من شعاب حتى الخضرية جنوبًا، وإذا ذكرنا الخضرية فنحن نعني الدمام حقيقة لأن حدها الجنوب متصل بالدمام.

جزيرة تاروت.

غني عن البيان أن الجزيرة تعني كتلة من الأرض تتوسط الماء، هذا يعني أن جميع أطرافها ساحلية، وما هو معروف أن جزيرة تاروت لا تختلف عن القطيف الأم في أي ضرب من ضروب الثروة والمنتجات الزراعية والبحرية.

هذه السواحل كانت تنتج نوعًا من الثروة بالغة الأهمية للحياة البشرية لم يلتفت إليه إلا بعد خراب البصرة، كما يقول المثل، والأنكى أنه حتى بعد التنبه إلى تلك الأهمية ما زال الإصرار على تدميره قائمًا، ومستمرًا بكل جد ونشاط، ذلك الكنز الحيوي الثمين هو شجر القرم (Mangroves)، البيئة المثالية لتناسل الأسماك والربيان والطيور.

—————

([1]) المنصورية: مجلس منصور باشا بن جمعة، انظر مقالة: آل جمعة ولاة القطيف في العهد التركي، جهاد قلم، السيد علي السيد باقر العوامي، جمع وإعداد عدنان السيد محمد العوامي، نشر مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، ودار أطياف للنشر والتوزيع، القطيف، الطبعة الأولى، 1440هـ 2019م، ص: 381.

([2]) فضاء على الساحل، حفرت فيه شركة أرامكو عين ارتوازي، في بدايات تنقيبها عن البترول، لكنها الآن داخل بساتين النخيل غربي صالة الإسراء للأفراح تقريبًا.

([3])الحركة الوطنية شرق السعودية، السيد علي العوامي، رياض الريس للكتب والنشر بيروت، الطبعة الثانية، 2015، جـ1/146- 147، وخالد الفرج ودوره الاجتماعي والثقافي في القطيف، السيد علي السيد باقر العوامي، جريدة الرياض، العدد: 1342، الخميس، 17 أكتوبر 1996م، زاوية الرأي للجميع ص: 13.

([4])خالد الفرج ودوره الاجتماعي والثقافي في القطيف، السيد علي السيد باقر العوامي، جريدة الرياض، العدد: 1342، الخميس، 17 أكتوبر 1996م، زاوية الرأي للجميع ص: 13، والحركة الوطنية شرق السعودية، السيد علي العوامي، رياض الريس للكتب والنشر بيروت، الطبعة الثانية، 2015، جـ1/146- 147.

([5]) من الأشجار التي زرعها خالد في الطرق أثلات في الفضاء الذي بين واجهة القلعة الشرقية ومباني الجمرك والمالية والدرويشية، صوَّرها مصور أمريكي  يعمل بشركة أرامكو.

([6])إفادة ولده الأستاذ كمال، مشافهة.

([7])أسطورة إيطاليا الفاشية، إيتوري ميوتي، حمد عبد الله، منشورات أوال، مملكة البحرين، الطبعة الأولى، 1431هـ،، 2010م ص: 103 – 117.
([8]https://chl.li/hvgq2   

([9])السراي، فارسية الأصل تعني: المنزل،أو القصر، وفي الاستعمال العثماني تعني مجموعة المباني المشيدة في القصر الإمبراطوري من بلاط ومنازل لأعضاء الأسرة المالكة، وموظفي شؤن القصر. المعجم الموسوعي للمصطلحات العثمانية التاريخية، سهيل صابان، مطبوعات مكتبة الملك فهد الوطنية، مراجعة د. عبد الرزاق محمد حسن بركات، الرياض، السلسلة الثالثة (43)، 1421هـ، 2000م، ص:133.

([10]) خيوط من الشمس، محمد سعيد الشيخ علي الخنيزي، مؤسسة البلاغ، بيروت، الطبعة الأولى، 1420هـ، 2000م، جـ1/39.

([11])الحركة الوطنية السعودية، السيد علي العوامي، مر ذكره، جـ1/146، الهامش22.

([12])الكوت: الحصن، المتراس، سنكريتية:

Oxford Hindi English Dictionary. Edoed by Rs. McGREGOR. Oxford university press. Published in India 24. april 2011.

([13]) رابط الحلقة الأولى: https://chl.li/zzgXH   ، رابط الثانية: https://chl.li/T3Aqz رابط الثالثة: https://chl.li/zm2Eq .

([14])الأَجَمَة مَنْبت الشجر كالغَيْضة، والشجر الكثير الملتفُّ، والجمع أُجْمٌ وأُجُمٌ وأُجَمٌ وآجامٌ وإِجامٌ، وتأَجّم الأَسدُ: دخَل في أَجَمَتِه؛ أي عرينه، أما الأَوْجامِ فجمع وجَمُ، بالتحريك: الصَّمّانُ نفْسُه، ويُجمع أَوْجاما. لسان العرب.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×