قصة ورقة…..
بلقيس السادة..
زَمجرتْ عليه بصوتٍ عالٍ كأنها أسد خرج من قفصه، نَسي سَجانهُ البابَ مفتوحاً: لم تَعُد تَهمني، لم تَعد تهمني، لم تعد تهمني كلماتكْ، أو نغماتكْ، أصبحتْ كاسطوانة مشروخة افقدكَ عدم المحافظة عليها رونقها وجمال عزفها، لم تعد تهمني في كل ما تقوله وقيل كشاعرٍ يستجدي المال في بَلاط الحُكام، وهو لا يَعلمُ سَبيلهم، لم تعد تهمني كرجل فقد الرجولة منذ أحاطَ نفسهُ بالأهواء والعبيد، لم تعد تهمني!!
عندها وضع يدهُ على فمها بهدوء قائلاً: والآن ماذا تُريدين؟؟
قَالتْ من ِدون أَن تَنظرَ إِليه: طبعاً أُريد أن تَخرج من بيتي ثم الطلاق!!
لَملمَ ثيابهُ وخرج!!
اِنهارتْ باكيةً على أقرب مقعدٍ لها، تَندبُ حظها العاثر!!
نَامتْ في غُرفة المعيشة، نومٌ متقطع كأنها سمكةٌ في يد صيادها تحاول الإفلات منه، لكن هيهاتْ الرجوع إلى بُحيرتها!!
جَلستْ عند آذان الفجر، توضأت واستعدتْ للصلاة، سكنتْ نفسها، وبدأت في مناجاة المحبوب، الكل يَهرب، ويُخاصم ويحسد، والكل أناني، إلا هو؛ عطاياه تُفيض وتَنمو وتُسكن الألم.
جَهّزتْ الإفطار للأولاد، وعند الموعد أيقظتهم، فطروا، وذهبوا إلى مدارسهم وجامعاتهم..
وعند السابعة والربع كان مراد هو المتصل، أرادتْ أن تتجاهلهُ، لكنها قالتْ لنفسها: “لِنرَ مَاذَا يُرِيدُ”. ما إِن رَفعتْ سماعة التلفون حتى سمعت صوته متقطع طالباً إياها الحضور بسرعةٍ لألم شديد ينتابهُ، من دون تفكير اِتصلت على الهلال الأحمر، وأعطتهم عنوان الفندق وأقرب مستشفى إلى الفندق، بدلتْ ملابسها وذهبتْ إلى المستشفى. هناك رأت مراد والأطباء مجتمعون حولهُ، والكثير من الأجهزة عليه، بعد برهة من الزمن، كانتْ لها دهراً، وهي تقطع المستشفى جيئةً وذهاباً كأنها ثواني ساعة عجزتْ عن التوقف!!
خرجَ لها الطبيب لِيطمئنها بأن حاله مستقرة، ويحتاج إلى الراحة هنا والمتابعة، وأن أزمة قلبية ألمتْ بهِ، “مِن لُطفْ الله وعنايتهِ ضغط على جرس الإنذار في الفندق، وقاموا بإسعافهِ في الحال، ثواني وصل اِسعاف الهلال الأحمر، احتمال اتصلَ بهم قبل أن يَفقد وعيهُ!!
استأذنتْ الطبيب في الدخول عليه، أذن لها، لكن من دون كلام، جلستْ عند رأسهِ أمسكتْ بيدهِ، أحسَ بها ضغط هو عليها أكثر، ما زالتْ معهُ هذا هو حبيب العمر، الحب الأول في حياتها والأخير..
ماذا حَدث لعلاقتهما لِتصل للبحثْ عن أُخرى، ألعيبٌ فيها، أم لم تَعد الأُنثى التي تَجذبهُ، أم لِتحايل الأخرى عليهِ، هو إنسان مؤمن يَغض البصر وتعرفهُ جيداً، أم، أم،؟؟ لم تعطهِ فرصة لِيبرر لها، ما إن رأت صورة العقد، حتى صرخت عليه وطردتهُ من المنزل..
جاءَ المساء وأقبل الأولاد والأهل للاطمئنان عليه من وراء زجاج غرفة العناية، خرجتْ لهم تُطمئنهم، واتفقت مع الأولاد بأنها ستبقى مع والدهم، وأن عليهم الاهتمام بأنفسهم وتحمل المسؤولية..
بقيتْ معهُ، تزوجتهُ حديث التخرج، براتب بسيط، أحبتْ عقليته ونضجه وطموحه وأفكاره، كانت ومازالت جميلة من عائلة مرموقة ميسورة الحال، حاولتْ أن تُكمل مسيرتها العلمية، لكن اِنشغالها بالبيت والأولاد والزوج حال دون ذلك، لكنها اهملت في تثقيف فكرها من خلال القراءة والمطالعة في كل الجوانب العلمية والاجتماعية والدينية..
سَكنتْ في شقة من شقق والدها، وكانت معهُ على الحلوة والمرة، لم ترهقهُ بطلباتها، صابرة على ضنك العيش لأجلهِ، أنجبتْ له البنين والبنات، وعندما فَتح الله عليه وتوسع رزقهُ وامتلأ جيبهُ، أصبحَ يَبحثُ عن أُخرى!!، “ما أشد ألم عدم الوفاء”، أفاق على كلمتها للممرضة بان تُسمي قبل حَقنه، انتبهتْ له حضنتهُ قائلة: الحمد لله على سلامتك، أراد ان يتكلم، همستْ لهُ: ليس الآن..
حضرَ الطبيب المسؤول عن حالتِ، طمئنه ازمة وعدّت وحالهُ في تَحسن، والخروج سيكون إن شاء الله بعد غدٍ..
بَدأَ الأهل والأصدقاء بالتوافد عليهِ والاطمئنان، وندى تَقوم بواجب الضيافة والابتسامة تعلو محياها، برجوع رفيق عمرها..
بعدَ انقضاء مدة الزيارة ثلاثة أيام، أجلسها أمامهُ، ويدهُ بيدها وعينيه تَنظر إليها بحب قائلاً: سأخبركِ قصة الورقة: لَجئتْ لي باكية مرتعبة لا حول لها ولا قوة، موظفة معي في العمل، لقد كانت مخطوبة من دون عقد قِران، وحصل ما حصل، ليلة عقد قِرانهما توفي خطيبها بسكتة قلبية، والآن سَيعقد قِرانها وهي خائفة من افتضاح أمرها أمام والديها والناس، ذهبتُ للمأذون معها، ومن دونَّ العقد، هذه كل القصة، سَترتُ عليها لِيسترنا الله في الدنيا والآخرة، ولو نظرتِ للتاريخ فإنهُ مدونّْ من خمس سنوات، هل يُعقل أن أتزوج غيرك وأنتِ والأولاد كل حياتي ورأس مالي في هذه الدنيا، قامتْ إليهِ خجلةٌ واحتضنتهُ هامسةٌ: أرجو قبول عُذري.