ماضي رباب التركي.. الرقم الأول في الطب الشعبي “صفوانياً”…! ورثت عن أمها "المَراخ" و "الخبانة" و "التطهير" وعلاج "الخولنج" و"ليتة المصارين"
صفوى: أمل سعيد، معصومة الزاهر
نشأت رباب التركي، التي يعرفها سكان مدينتها صفوى بـ”أم حيدر”، في أحضان أم يُعدّ بيتها مركزاً صحياً نسائياً شاملاً. لم يخطر ببالها أن ترث مهنة أمها وجدتها من قبل، لكن المقادير تجري بخلاف التدبير أحياناً.
بدأت التركي حياتها مثابرة مجدة، فكانت تجارة الملابس والأقمشة أول تجربة عملية في حياتها، لكنها لم تستمر طويلاً وسط تراكم الديون الصغيرة على المبتاعات منها بالأجل، فيمضي الشهر تلو الآخر، ولا يحين أجل السداد.
قررت التركي وضع حد للخسارة. توقفت عن البيع، وما مكثت غير بعيد حتى عاودت العمل؛ لكن هذه المرة كانت في تجارة “التتن”.
تقول لـ”صُبرة” “كنت أبيع الملابس على النسوة، وكانت بعضهن يشترين ولا يدفعن، وشهراً بعد آخر تتزايد المماطلات.. تركتُ بيع الملابس. وبعد مدة صرت أشتري وأبيع “التتن”، لكن ـ “المفل”، كنّ يشترين بأجل، ازداد السلف وأُرهقتُ من عدم الدفع، والديون المتراكمة”.
هنا؛ أشارت عليها أمها أن تعمل معها في تطبيب النساء وتوليدهن، ولأنها إلى حد تلك اللحظة لم تكن تعرف أسرار المهنة وخفاياها، طلبت الأم من ابنتها متابعتها ومراقبتها، وشيئاً فشيئاً بدأت تعمل بجانب أمها، فـ”تمرخ” وتعمل الـ”خبانة” و”تطهّر” وتعالج الأطفال، وتمارس المهارات التي تتقنها الأم.
بعد وفاة والدتها؛ أصبحت رباب هي الرقم الأول في الطب الشعبي بصفوى، ولها تتعنى النساء من داخل المدينة وخارجها، فقد كان صيتها مقروناً بالمدح والثناء.
النصيحة أولا
تحكي التركي، قصة حصلت معها قبل مدة، حين اتصلت بها امرأة من الدمام، تشتكي ضعف زوجها كما شخّص الأطباء حاله، لذا لم يُنجبا.. تقول “كانت تريد مني أن “أمرخها”، فقلت لها، “إذا البلا في الرجّال أني ما أقدر أسوي شي”، لكنها أصرت علّها تستفيد، أعدت عليها القول: “المروخ” لن يفيدك؛ إذا كانت العلة في زوجك”.
وبعد إلحاح من المرأة المتصلة كان جواب أم حيدر “حسناً، الأمر لك، أنا نصحتك وهذا قرارك، على كل أني أخّادَتْ افْلوس”.
هذه حالة من حالات كثيرة وثقت فيها النساء بأم حيدر، أحياناً قبل الذهاب إلى الطبيب، وتفادياً لأخذ الأدوية، وأحياناً بعد زيارته وعدم الرضا عن نتائج العلاج.
وفي خضم حديثها مع “صُبرة”؛ سردت أم حيدر قصصاً كثيرة لنساء، حصلن على مرادهن، سواء بالشفاء أو بحدوث الحمل على يديها.
المراخ
“المراخ” مرادفة لكلمة التدليك أو المساج، لكنها لا تساويها، فالمراخ أكبر وأشمل، والمروخ ما يدهن به الجسم من دهن أو غيره، وعند المختصات في هذه المهنة؛ فإن أكثر ما يكون تركيزه على تجويف البطن وما يحويه من أعضاء.
وتشرح رباب التركي، الحالات التي تستدعي المراخ “عندما يكون الرحم مائلاً على إحدى الجهتين، لا بد من المراخ ليعتدل”، وبحسب كلامها فإن “ميل الرحم لا بد لعلاجه من 3 جلسات متتالية، الأولى للتليين، والثانية لإرجاع الرحم إلى وضعه الطبيعي، والثالثة لرفع الرحم.
وتكمل “أحياناً يصاب الشخص بـ”الليتة” في الأمعاء (المصارين)، ويسبب آلام شديدة، فنمرخ البطن، كما نفعل ذلك للنساء عندما تتأخر الدورة الشهرية أو تتوقف. أما “الخولنج” فيلزمه تدليك الأكتاف والظهر” كما قالت أم حيدر.
الكسل والشحوب واحتكاك الركبة
أشارت التركي إلى أن هناك حالات كثيرة علاجها يكون بـ”الخبانة”، التي تشبه الحجامة تماماً، إلا أنها تقف عند شفط الدم وتجميعه في أماكن معينة من دون إحداث جرح وإخراج دم، “فيباس الركبة وآلامها مدعاة لعمل الخبانة على المفصل، وتخف بحول الله، ومن المهم أن لا تكون الحالة قديمة ومسكوت عنها”.
وأضافت “حالات التعب، والآلام في الجسم أيضاً نعمل لها خبانة في محال مختلفة من الجسم، ويذهب التعب”.
حالات ولادة
كانت والدة أم حيدر هي القابلة الوحيدة في صفوى، لعقود طويلة، وبعد دخول المراكز الصحية والمستشفيات إلى المدن والقرى، قلّ عدد النساء اللاتي يلدن في بيوتهن، لذا لم تُتح هذه التحولات المجال لأم حيدر لممارسة هذا الفرع من التطبيب “ما ولّدت في حياتي إلا اثنتين، حيث افتتحت المستشفيات وأصبحت النساء يذهبن إليها، ومسألة التوليد ليست صعبة في الغالب، فقط تساعدي الوالدة، وتتلقي المولود، بعدها تتركي شبراً من الحبل السري من جهة بطن الصغير، وتقصيه وتربطيه”.
“لوخيّ” وسقاط المخ
من أمراض النساء إلى أمراض الطفولة، فالأطفال يتأثرون بالتقلبات الجوية، وعادة تكون مناعتهم أقل، لذا كان من الطبيعي أن تكون لهم مساحة كبيرة في الطب الشعبي، المتوارث، ومن الأمراض التي تصيب الأطفال “لوخيّ”، تشرحه التركي “إذا رأيت الصغير مرض وخمل ولان خشمه، نعرف أنه وياه اوخيه، فنعالجه بالخلتيت، ونشممه، ونضع منه تحت إبطه وخلف أذنيه، يومياً، حتى يعافيه الله”.
وسقاط المخ “ومن أعراضه ترجيع الطفل باستمرار، فيظل الصغير يبكي من الألم، ولا يكاد يسكت، لذا نرفع مخه بشفط الرأس، ورفع اللطع بالإصبع من داخل حلقه”.
اللوزتان ونزلات البرد
أما المرض الأكثر انتشاراً، خصوصا عند الأطفال؛ فهو التهاب اللوزتين، وهنا تعمد المرّاخة إلى مراخ الرقبة من أسفل الذقن بإتجاه الأذنين، بكلتا يديها، وترفع أذني المريض، ومن ثم ترفع رأسه مستعينة بقطعة قماش تضعها تحت الذقن، وترفعها إلى الأعلى بقوة كبيرة، مما يجعل المريض يشعر بألم كبير أثناء المراخ، وبراحة أكبر بعد تكرار العملية 3 مرات “نمسحه يومين أو أكثر وما عليه إلا العافية”.