أيها العلماء.. لا تقتلوا جاليلو…!
حبيب محمود
في النصف الثاني من القرن الميلادي الماضي؛ تتابع مجموعة من علماء الشيعة، في العراق ولبنان، على مواجهة تسونامي فكري خطير حرّكه تسارع وتيرة الإنتاج العلمي والتقني العالمي، وما زامنه مما عُرف بـ “التنوير” في ذلك القرن والقرن الذي سبقه.
ثمة معضلة تولّدت في تفكير شباب المجتمع العربيّ، آنذاك. معضلة تعارض الدين والعلم. الأجيال المتعلّمة الصاعدة، في تلك المرحلة، تنبّهت إلى الفروق بين ما هو ديني منقول، وبين ما هو علمي معقول، وما بين “المنقول” و “المعقول”؛ راهنت عقول الشباب على المقبول وغير المقبول…!
ومن إفرازات تلك المرحلة؛ ظهور مفهوم “التقدم” مقابل “الرجعية”، و “العلم” مقابل “الخرافة”. وجاءت محاولات علماء الدين لنفي التعارض بين العلم والدين. ومن أهم تلك المحاولات كتاب ما زال مهمّاً حتى الآن؛ هو “التكامل في الإسلام” الذي تبنّى فيه أحمد أمين النجفي، نهجاً علميّاً في التفكير الدينيّ، مستنداً إلى تخصصه في العلوم الرياضية. الكتاب خصبٌ طرحاً ومعالجة، بل ورؤيةً وتنويراً.
ومن تلك المحاولات؛ سلسلة الشيخ محمد حسن آل ياسين، ومن بينها “الإسلام بين الرجعية والتقدم”، و “الإنسان بين الخلق والتطور”. وقد استعرض الشيخ آل ياسين فيهما ـ وفي غيرهما ـ نظريات في العلوم الحيوية، باستقصاء تاريخي فكري. وفي بعضها تتبّع بعض المشكلات العلمية من أرسطو وابن سينا، إلى باستور..!
وكذلك طروحات هبة الدين الشهرستاني، والشيخ محمد جواد مغنية، والشيخ ناصر مكارم الشيرازي.
العناوين كثيرة، وسعيُها ـ آنذاك ـ ملتفتٌ إلى جيل الشباب الذي تتدفق عليه معارف العالم، ويشهد مخترعات الشرق والغرب، في حين لا يقف، في محيطه، إلا على خطابٍ قديمٍ منفصل عن واقعه، ومسكونٍ بمسلّمات منسوفة علمياً ومعرفياً..!
حين نقيس جهود أولئك العلماء في مرحلتهم، بواقع جهود العلماء في مرحلتنا الراهنة؛ فإن ما يظهر، في جوهر الواقع، هو انقلاب طبيعة المهمة، بل وطبيعة التحدّي. في تلك المرحلة؛ كان على العلماء أن يُخاطبوا الجيل الشاب. أما في مرحلتنا؛ فإن طبيعة المهمة تفرض أن يسعى العلماء إلى فهم جيل الشباب، وليس أن يخاطبوهم فقط..!
في تلك المرحلة؛ فرض صراع الشيوعية والرأسمالية نفسه على أزمات العالم، بخطابين معقّدين، يعد كلٌّ منهما بفردوس “دنيوي” يمكن أن يكون ملموساً في واقع الحياة.
قطب الرأسمالية يُبشّر برفاه واستهلاك ويُعزّز فرص الفرد في النجاح والتقدم. في حين يقدّم قطب الشيوعية موائد الاشتراكية التي يأكل منها الجميع. وكلا القطبين يتوسل العلم والمعرفة “المادّيين”، ويقدّم أدلته “الملموسة” في ميادين الطب والتقنية وعلوم الفضاء، ونظم الزراعة، ونظريات الاقتصاد، وماراثون التسلّح.
صحيح إن الصراع لم يعد بالدرجة نفسها التي كانت عليها، لكنّ العلم والتقنية ـ أيضاً لم يعودا بالدرجة نفسها، بل حقّقا قفزات فلكية؛ بات معها الطفل الصغير قادراً على التجوّل في قرية العالم عبر جهاز صغير بحجم كف يده. وبات يقارن بين ما يسمعه وما يراه.
الإجابة التي كان الحصول عليها يستغرق أياماً؛ تُستحصل ـ الآن ـ بلوحة مفاتيح يقل عددها عن عدد خرزات مسبحة..!
والحوارات التي كانت تُدار في غرف مغلقة؛ تحوّلت إلى “دردشة” عابرة للقارات في تطبيقات إليكترونية لم تكن تخطر حتى على بال ريموند توملينسون الذي أرسل أول بريد إلكتروني في العالم، سنة 1982م.
ومؤسسة النشر التي لا يمكن أن تعمل إلا حين تتوفّر لها آلاتٌ ضخمة تُسمّى “مطابع”، ويحرسها مراقبون يدقّقون في كل حرف منها؛ لم يعد يحتاج إليها أي أحد للتعبير عن الرأي وبث المعلومات.
كلُّ ما كان مؤسسيّاً؛ بات فردياً في جهاز واحد. وكلُّ ما كان شخصياً؛ يمكن أن يُصبح عالمياً في أي لحظة.
سكان الكوكب يعيشون ارتباكاً كونياً أضخم ـ بكثير ـ من أن يستوعبه من ليس لديهم إلا الكتب. والأجيال الصاعدة؛ بدأت تتجاوزنا، وتنظر إلينا كما كان جاليلو ينظر إلى المصرّين على تراجعه. جاليلو مات؛ لكن العلم لم يمت، وأثبت الزمن أن كل كتاب لا يعبّر إلا عن زمن تأليفه فحسب.
أحسنت أستاذ حبيب، مقالة رائعة وفي محلها، تحيل إلى إشكالية قائمة ومزمنة وهي إشكالية التناقض الظاهري غير الحقيقي بين العلم والدين وعدم الانفتاح على الانجازات والفتوحات العلمية التي تساعدنا في تيسير وتسهيل حياتنا وفهم الواقع فهماً دقيقاً يجنبنا الكثير من الإرباكات والكثير من العَنَت والتشتت وخاصةً في تحديد الأهلة والمواقيت الدينية بشكل علمي وأقرب إلى الدقة بما يحقق الوحدة والإجماع ويمنع التشتت والارتباك. شكراً لك
فعلاً كلامك صحيح
كل ما كان مؤسسياً في السابق اصبحا فرداً في الحاضر
مقال جميل وواقعي
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
موضوع أهلة الشهور و أوقات الصلاة و دقة تقويم (أم القرى) موضوع شائك جداً
أنصحك بالتواصل مع أحد المتخصصين في محافظة القطيف
و هو رئيس جمعية الفلك بالقطيف الدكتور أنور آل محمد
نتمنى منكم عمل ملف خاص بهذه الجمعية العلمية المتخصصة بعلم الفلك في محافظة القطيف
و نتمنى أيضاً استضافته في صحيفة صبرة للحديث عن (جاليلو) و عن (الدين و العلم)
تحياتي
السلام عليكم
موضوع أهلة الشهور و أوقات الصلاة و دقة تقويم (أم القرى) موضوع شائك جداً
أنصحك بالتواصل مع أحد المتخصصين في محافظة القطيف
و هو رئيس جمعية الفلك بالقطيف الدكتور أنور آل محمد
نتمنى منكم عمل ملف خاص بهذه الجمعية العلمية المتخصصة بعلم الفلك في محافظة القطيف
و نتمنى أيضاً استضافته في صحيفة صبرة للحديث عن (جاليلو) و عن (الدين و العلم)
تحياتي