عثمان أبو الليرات.. أن تحمل الكاميرا في الـ 78.. وتصدمك التحوّلات ذاكرة القطيف البصرية عاد إلى مواقعه القديمة.. فلم يجدها

القطيف: صُبرة

ما إن بدأ ابنه “علي” في تشغيل الكاميرا الطائرة “درون”؛ حتى تحرّكت داخله تلك الرغبة التي سكنته لعقود طويلة.

أطلق ابنه الكاميرا ليصوّر عين المنصوري من الأعلى، فأخرج هو كاميرا كفّية لم نكن نعلم بوجودها في جيبه، وراح يلتقط الصور للعين التي ركد ماؤها منذ سنوات طويلة، وبقيت مجرّد أثر مائي جنوبي بلدة العوامية..!

عثمان أبو الليرات.. الرجلُ الذي انضمّ إلى قائمة أعلام القطيف لسببٍ يكاد يكون وحيداً، هو صداقته مع الكاميرا منذ بداية شبابه. ولهذا السبب تناثر نتاجه الفوتوغرافيّ في وسائل التواصل في المحافظة، بعد تبنّى ابنه الذي ورث عنه هواية التصوير مهمة إخراج آلاف الصور من سجن البومات الورق المطبوع، إلى فضاء الـ GPEJ.

وهنا نحن نشاهد القطيف على مراحل عقود متتالية، بفضل تلك الرغبة التي أدمنها “عثمان”؛ وبذل لها وقته.. القطيف في الستينيات.. القطيف في السبعينيات.. القطيف في الثمانينيات.. معالم كانت موجودة.. مشاهد اختفت.. أحياء حلّت محلّ بساتين.. شوارع في بدايات تخطيطها.. لوحات محلات.. مؤسسات.. عالمٌ بصريٌّ لا يتوقّعه جيل التصوير الرقمي.. كلُّ ذلك صنع منه النجّار توثيقاً بات جزءاً من تاريخ العمران في القطيف..!

مهمة تصوير

كنّا في مهمة تصوير جوي لمسجد قديم في بلدة الجش، مسجد يكاد لا يعرف عنه الناس شيئاً، سوى وضعه الحالي. وقد حصلت “صُبرة” تعود إلى سنة 1260 هج، تخصّ المسجد، وسوف تنشر تفاصيل كل ذلك في تقرير لاحق.

مهمة التصوير مرتبطة بموقعين، المسجد وموقع حيّ آخر كان بستاناً. وهنا أخذت ملامح “أبو الليرات” تتغيّر حين وجد نفسه وسط حيّ إسمنتي “شفته بساتين ما تنشاف الشمس فيها”.. هكذا علّق وفي نبرة صوته شيءٌ من إحساس الصدمة بالتحوّلات الحادة..!

في الجش برفقة الباحث لؤي آل سنبل وابنه علي

تحرّك حسه البصري بسرعة، عاد بالذاكرة إلى الجش، البلدة الرابضة وسط جزيرة من النخيل. كلًّ شيء تغير فيها، وكلُّ شيء تحرّك داخله وقتها.

لم يتوقف إحساس الصدمة في الجش، بل تكرَّر، أيضاً، شماليّ القديح. جال بعينيه يميناً ويساراً، محاولاً معرفة المكان.. صرّح بأنه لا يعرف شيئاً عن “الأين” التي هو فيها. أخبرناه بالمكان.. بسّطنا الشرح “هذا طريق السد.. الذي تقع شرقيّه ملاعب نادي مضر”.. هنا جمع حاجبيه فقط.. لم يقل شيئاً..!

جالس على سور عين المنصوري في العوامية

شاهد على التحولات

الشاب المتحمّس لكل مشهد ومبنى وشارع؛ لم يعد يرى ما كان يرى. حياته التي انتقلت من داخل قلعة القطيف إلى حيّ جديد ـ وقتها ـ يُعرف بـ “باب الساب”، ربّما لم يكن يتوقع أن يتجاوز زحف الإسمنت إلى هذا الحد. نشأ “عثمان أبو الليرات” وتابع بعينيه الأحياء المحيطة بسور بلدته “القلعة”، وما يحيط بها من فواصل ريفية بينها وبين “الشريعة” و “المدارس” و “مياس” و “الكويكب” و “الدبّابية” و “الشويكة”.

تابع ما يجري في القرى التي التحمت فكوّنت “مدينة”. شاهد دفن البحر في الشرق والشمال، شاهد اختفاء البساتين، شاهد التحام الأحياء، شاهد إزالة القلعة.. وطيلة العقود الماضية؛ كانت الكاميرا صديقته التي استوقفت الزمن في لحظات باتت تحرّك الحنين الآن، وتُثير شيئاً من الشجن..!

عند موقع عين المليح في العوامية

مشاهد غريبة

كان طفلاً، فمراهقاً، فشابّاً، فكهلاً.. الآن هو في الـ 78 من العمر.. عقود طويلة مرّت بصحبة عشرات الكاميرات، وعشرات الألوف من الصور، وآلاف المواقع.. والمشاهد الجديدة غريبة على “الشايب” الذي تتحفّظ بناته الأربع على خروجه في الجولات، خوفاً عليه من التعب.

ومن حق البنات أن يتحفظن.. فهو إن لم يتعب جسدياً من السير على قدميه؛ فإن تعباً آخر في داخله سوف يتحرّك ويُشجيه.. هكذا ظهر عند حافة عين اسمها “المليح”، تقع بين القديح والعوامية.. قال إنه يتذكّر أنه سبح فيها أيام الصبا.. لم يكتفِ بالحديث عنها، بل أسهب ببساطة وتلقائية الحديث عن عيون الماء التي اختفت من القطيف..!

ليس سهلاً عليك أن توقف الزمن عشرات الألوف في مواقع تعرفها كما تعرف خطوط كفك؛ ثم حين تزورها في سن الـ 78؛ لا تجد شيئاً يدلُّ عليها.. هكذا كان عثمان أبو الليرات؛ في تلك “العصرية” الرمضانية.. ربما عاد حزيناً على كلّ ما تغيّر عليه من معالم..!

عند عين المنصوري ملوّحاً للكاميرا الجوية برفقة ابنه علي وحبيب محمود

مع ابنه علي عند عين المنصوري

ابنه علي أثناء تشغيله طائرة التصوير عند عين المنصوري

عند مسجد “حلة الشرقي” المعروف حالياً بـ “مسجد أم البنين”، في الجش

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×