برنارد لويس القاسي
محمد رضا نصرالله* |
حينما تضغط على اسم برنارد لويس في غوغل، سرعان ما تتراكض أمامك المعلومات حول أيديولوجيته الصهيونية، التي عملت منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، على دراسته الأكاديمية لقضايا الشرق الإسلامي، تركيا خاصة والعرب بعامة، إذ خدم في الجيش البريطاني وهيئة الاستخبارات سنة 1940 وهو المولود بلندن في السنة التي توافق فيها الاستعماران البريطاني والفرنسي، عبر معاهدة سايكس بيكو سنة 1916، على تقاسم الغنيمة العربية بينهما من المشرق إلى المغرب.
والأمر العجب أن لويس المتقن للغات اللاتينية والتركية والفارسية والعربية، ابتدأ دراسته الأكاديمية حول أصول الإسماعيلية والقرامطة سنة 1936، بين مستشرقين كبيرين متضلعين في معرفة التاريخ الإسلامي ومذاهب المسلمين، هما هاملتون جب البريطاني ولوي ماسينيون الفرنسي! غير أن أطروحته الأبرز كانت عن «ظهور تركيا الحديثة « سنة 1960 وقد رأى أن علماءها معارضون لإصلاحات مصطفى أتاتورك العلمانية، التي بدأت قبله في محاولات سلاطين آل عثمان المتأخرين، الإفادة من أوروبا في تنظيمها الاجتماعي وتقنيتها العسكرية، رغم إعجابه بمبدأ الشورى الملزمة، عندما ينصاع لها الخليفة العثماني، مقابلاً برنارد لويس بين مبدأ (العدل) الإسلامي و(الديموقراطية) الأوروبية.. هذه التي يراها غير صالحة للتداول في العالم العربي، رغم قياس نجاحها في أي بلد لمرتين، حتى تكون جديرة باستحقاقات الشرعية الدستورية والحداثة التنظيمية، غير أنه لا يرى ذلك ناجحاً إلا في دولة إسرائيل! هذه التي وظف خزينته المعرفية وأدواته البحثية، في دراسة تاريخ الشرق الأدنى والأوسط، خدمة لمشروعها الصهيوني التوسعي.. تجلى ذلك بعد زيارته إسرائيل سنة 1969، ومحاولته البكر عقد صفقة سلام بينها ومصر إثر اجتماعه وجمال عبدالناصر، الذي قبل بمشروع روجرز للسلام بعد هزيمة 1967 المدوية.. غير أن غولدا مائير لم تقتنع بذلك، ليلتقط مناحيم بيغن مبادرته، في أعقاب سياسة هنري كيسنجر في (الخطوة خطوة) بعد حرب أكتوبر 1973، رغم أن لويس لم يقابل أنور السادات.
تصف موسوعة المؤرخين لويس أنه الأثير لدى المحافظين الجدد، هؤلاء الذين فتحوا الباب له واسعاً.. هل لصديقه وابن ملته اليهودي صموئيل هنتجتون، وقد اقتبس منه مصطلح (صدام الحضارات) في محاضرة لويس الشهيرة عن (جذور الغضب الإسلامي) دور في ذلك؟!.
على أي حال منذ أقام لويس في أميركا 1974 أستاذاً في جامعة برنستون، وهو يقترب من البيت الأبيض، حتى دخله بعد أحداث 2011 الإرهابية في نيويورك وواشنطن، ليجتمع بجورج بوش الابن ثلاث مرات بعد اجتماعه بنائبه ديك تشيني، تحضيراً للحرب على العراق، وفق المبدأ الذي عرف باسمه (كن قاسياً أو اخرج)! هذا الذي انتهى في إدارة باراك أوباما بمشروع نائبه جو بايدن بفدرلة العراق..
أي إعادته إلى ما كان عليه في العهد العثماني بولاياته الثلاث! وفق مخطط لفدرلة المنطقة، التي ما تزال سيناريوها محتملاً في التصور الأميركي، لتقسيم العالم العربي وتركيا وإيران، إلى كانتونات على أسس مذهبية وعرقية، انسجاماً ومخطط إسرائيل في تفتيت العالم العربي، الذي صممه الخبير الاستراتيجي أودد ينون 1982، لتتسيد إسرائيل المنطقة دولة مركزية كبرى، حامية لأهداف حاضنتها الأميركية، وقد شارفت تجربة الدولة الوطنية على التفكك في سورية وليبيا، وترسمت المحاصصة المذهبية والعرقية نمطاً سياسياً في العراق، بعدما تعرَّقَ في لبنان حيث قام لورانس العرب! بدراسة تركيبته الفسيفسائية، على أنغام الثورة العربية.. أي في ذات السنة التي ولد فيها برنارد لويس! ليوظف تجربته البحثية الهائلة، بعد ذلك لعقود، في خدمة من ورث الدور البريطاني في المنطقة، مخلصاً للبنت وأمها بكل حماس توراتي ووضوح صهيوني، انتظاراً خرافياً لعودة المسيح المتصهين على أرض فلسطين!.
___________
*صحيفة الرياض، الأربعاء 7 رمضان 1439هـ – 23 مايو 2018م