من “منصة” الشتاء إلى ذاكرة الصيف.. “سلمانوه” أخذ الآيباد.. و “العيش” احترق.. و “الدَّيلَمَهْ” خربانه…! عام خسائر الخياطين والقرطاسيات والسائقين والمقاصف.. وكورونا
القطيف: أمل سعيد، ليلى العوامي، شروق الحواج، عبدالمحسن آل عبيد
لسنوات وربما عقود طويلة قادمة، لن ينسى المعلمون والآمهات.. [وبعض الآباء] تفاصيل العام الدراسي الماضي، الذي انتهى بحلوه ومره قبل أيام، ليس لسبب سوى أنه أول عام دراسي “كامل” قضاه الطلاب والأمهات وبعض الآباء خلف شاشة منصة “مدرستي” التي تركز فيها كل حراك العملية التعليمية في المملكة، وجذبت إليها أنظار الطلاب والطالبات والإداريين والإداريات والمشرفين والمشرفات ومعهم أولياء الأمور، خاصة إذا نُفّذت ترتيبات وزارة التعليم في العام الدراسي المقبل، حول الاستغناء الجزئي عن المنصة، والعودة الحضورية إلى المدارس.
وإذا كانت تلك المنصة شهدت مواقف طريفة، وقعت بعفوية تامة بين الطلبة ومعلميهم، إلا أنه كان لها تأثير مباشر على قطاعات لها علاقة مباشرة بالعملية التعليمية، في مقدمتها قطاعا الزي الموحد والقرطاسيات اللذان تكبدا خسائر فادحة، دفعت المسؤولين فيهما إلى تسريح العمال، وإغلاق فروع للتغلب على تداعيات جائحة كورونا.
وفي هذا الحيز، رصدنا ما خلفته منصة “مدرستي” من قصص وحكايات، وتطرقنا إلى تأثيراتها في الحياة الاجتماعية والاقتصادية.. ومن هنا كانت البداية..
تبديل البحوث
ويتذكر معلم مادة الكيمياء جعفر علي آل ربح موقفاً طريفاً حدث له في المنصة “أثناء عملية تسليم البحوث العلمية لمادة الكيمياء، استوقفني بحث لأحد الطلاب يخص اللغة العربية، وسألت الطالب عن هذا الأمر، لأكتشف أنه قام بالخطأ بتبديل البحوث بين المادتين”.
موقف آخر يذكره الربح “مع بداية إحدى الحصص، وبعد الانتهاء من تحضير أسماء الطلاب، فججئتُ بطالب يدخل المنصة بعد 5 دقائق، وهو يقول “تأخرت لأنني انشغلت مع الوالدة كانت تصلي الظهر، وقالت انتبه للعيش لا يحترق، والآن رجعت لحضور المنصة، فضحك جميع الطلاب”.
الدينمو خربان
وذكر المسؤول الاداري إبراهيم حسن آل سبت عن بعض المواقف التي تواجه المعلمين. وقال “مع اقتراب انتهاء الحصة، دخل أحد الطلاب إلى المنصة، ليسأله المعلم لماذا تأخرت؟ فقال الطالب “أستاذ الدينمو حق الماء خربان، وكنت جالس مع العامل من أجل إصلاحه”.
ويتابع آل سبت سرد قصة أخرى “في إحدى الحصص، كان المعلم يلقي الدرس، وتفاجأ بطالب في الصف الخامس الابتدائي يتحدث قائلاً “استاذ أنا أخو مصطفى أخو سلمان، قلت اليه وين اخوك قال لي استاذ سلمانوه ضربني وأخذ السوني يلعب فيه، ولا يخليني ألعب وانا جيت افتن عليه”. وسأله المعلم أين أمك أو ابوك؟. فأجاب “أمي نايمة وأبوي في الدوام”.
كمبيوتر أخطأ
قصة أخرى طريقة يحكيها المعلم علي أحمد آل غزوي قائلاً “أعطيت طلابي ورقة عمل فيها أسئلة تحتاج إلى حل، وأحد الطلاب قال لي “استاذ انا حليت الأسئلة صح، ولكن الكمبيوتر حلها غلط، وسألت الطالب: أكيد؟؟ فقال أكيد أستاذ، قلت له “حط عينك في عيني” وعندما فعل، ضحك كثيراً، فعرفت أنه لم يجاوب على الأسئلة.
“نحبك معلمة”
وتسترجع ليلى عرقان معلمة المرحلة الإبتدائية، ذكرياتها الطريفة مع المنصة. “تجربتي مع المنصة مميزة وجميلة وغير متوقعة. وتقول “توظفت وأنا أدرس في المرحلة الثانوية، وكُلِفت منذ 5 سنوات للتدريس في المرحلة الإبتدائية (فصول عليا بنات)، وفي هذا العام، كانت تجربة فريدة من نوعها، بالتدريس للأولاد، في بداية الأمر كنت خائفة من عدم القدرة على تحمل الأولاد لما سمعته عنهم بأنهم مشاغبون وغير مهتمين، ولكن التجربة أثبتت العكس تماماً”.
وتقول “لي مع طلابي ذكريات كثيرة في المنصة، سأفتقد براءتهم حينما يقومون بفتح كاميرا الجهاز كي أرى ألعابهم ونباتاتهم وكتبهم، فكل مواقفهم كانت بريئة للغاية، ولا أبالغ إذا قلت إنها فعلاً سنة استثنائية”.
وتتابع “سأشتاق إليهم وإلى كلماتهم اللطيفة نهاية كل حصة التي تزيل عني تعب اليوم كله وتريحني، مثل الله يعطيش العافية معلمة” و”نحن نحبش معلمة”.
فتح الكاميرا
ومن بين الذكريات الكثيرة التي تختزنها ذاكرة سناء الحمادي معلمة التربية الفنية، ذكرى مع طالباتها. وتقول “الطالبات الجدد اللاتي لأول مرة أدرسهن، كن يطلبن مني أن أفتح الكاميرا حتى يرونني، ويقولن “معلمة نبغى نشوفك” و”معلمة ما نعرفك”.
وتضيف “في يوم، وضعت لهن الدرس على قناة “عين”، ونطقت طفلة صغيرة وهي سعيدة “معلمة معلمة رأيتك”.
وتتذكر الحمادي أيضاً موقفاً آخر قائلة “كنت أضع لهن فيديو يوضح طريقة عمل أمر ما في الدرس، وأطلب منهن بعد ذلك محاكاة طريقة عمل الفيديو ذاتها، وإرساله لي في مربع الدردشة، ووجدت أن بعض الطالبات يصورن الشاشة، ويرسلّنا لي، فقلت للطالبة صغيرتي أريد عملك أنت، وليس الفيديو، فقالت لي ببراءة شديدة “نعم هذا عملي، وأتقتنه كما في الفيديو معلمة”.
حصاد سنة
وتضحك صفية سليس معلمة اللغة العربية وهي تتذكر قصصها مع الطالبات في المنصة، وتقول “تجربة المنصة كانت جديدة، شعرت معها بالمسؤولية المضاعفة والشغف بمعرفة التقنيات الحديثة ومواكبتها، فكنت حريصة على تعليم نفسي ذاتياً كثير من المهارات، وتعرفت على مواقع كثيرة، سهلت ودعمت عملية التعلم عن بُعد”.
وتضيف “كنت أفكر في جسر يوصلني إلى طالباتي اللواتي يعرفنني من خلال نبرة الصوت فقط، وكان الاحتواء والتحفيز ومراعاة الطالبات شعاري لأصل بالطالبة الى حب المادة، ومن ثم تقبلها وتذليل صعوبتها”.
وتقول “كانت حصصي غير مُكررة، بمعنى كل حصة لها نكهة معينة مليئة بالايجابية والتنافس والحماس، ما جعل الطالبات ينجذبن إلى الحصة، وتكون من أفضل الحصص بالنسبة لهن، وهذا ما ورد على ألسنتهن”.
رفع المستوى
ولا تنسى صفية قدرتها على رفع المستوى الدراسي لطالبة لديها. وتقول “كان مستواها جيداً في النصف الأول من العام الدراسي، وارتفع مستواها الى امتياز في النصف الثاني، ويرجع التغير الجذري الذي حدث لها إلى حرصها على الحضور المبكر للقاعة الافتراضية، والمشاركة الفاعلة، وتقديم المشاريع والمهام في وقتها، وارتفاع درجات الاختبار لديها، ما جعلني أشعر بالسعادة لهذا التغير”.
تجربة ثرية
ولا تنكر راجية الجبر معلمة الرياضيات، أنها خاضت تجربة ثرية في المنصة. وتقول: “كل ذكرياتي مع المنصة انقضت بحلوها ومرها”.
وتضيف “كنت في البداية متخوفة من هذه التجربة بحكم خبرتنا القليلة جداً في التعامل مع التقنيات، وبعد محاولات عدة، تغلبت أنا وزميلاتي على هذه الصعوبات، وبدأنا في البحث عن طرق لجذب انتباه الطالبات وشحذ هممهن لنسير جميعاً في هذه الرحلة، ونصل في نهايتها بسلام، وبفضل الله تمكنا من التغلب على أغلب الصعوبات التي واجهتنا”.
كسر الروتين
ومثلما هي الحال عند راجية، تؤكد تحية الحسين المعلمة في المدرسة الإبتدائية الـ٢٢ أن تجربتها مع المنصة في العام الداسي الماضي كانت فريدة من نوعها. وقالت “هذه التجربة اشتملت على بعض المتاعب والكثير من المتعة والتشويق، وكسرت الروتين المدرسي الذي عشناه سابقًا، واعطتنا من الخبرات والمهارات الشيء الكثير، حيث وضعتنا هذه التجربة على المحك، مما أجبرنا على التعامل السريع معها”.
وتبعث راجية برسالة إلى زميلاتها “ونعم المعلمات حبيباتي، الجميع بلا استثناء، طاقم مدرستي الـ22 بذل كل ما في وسعه، فجزاكن الله خير الجزاء”.
خسائر الخياطين
أما حسن آل حزام، الذي يعمل في استيراد أقمشة مراييل الطالبات، والملابس الرياضية، بالإضافة إلى الأحذية الرياضية والقمصان والجوارب وبعض الكماليات التي يشتريها الطلبة، فيقول “منذ أن اجتاحت كورونا العالم، وعداد الخسائر في الصاعد، وهنا كما في كل مكان، نالنا ما نال السوق المحلي والعالمي؛ وبلغت نسبة خسائرنا في السنة الماضية 90%”.
ورغم أن كل مناشط الحياة وجميع أنواع الأعمال أصابها ما يشبه الشلل التام، لكنها عادت مع انحسار الوباء شيئا فشيئا إلى ما يقارب الأوضاع الطبيعية، باستثناء المحال التجارية التي تعمل في أي مجال متعلق بالدراسة، فقد أصابها ما يشبه الكساد، ولم تتعاف منه حتى اليوم، وبلغت خسائرها أرقاماً قياسية”.
حجم المبيعات
ويكمل آل حزام “في سنة 2020 وفرت أكثر من 1000 مريول تخطت قيمتها الـ 100.000 ريال، فأنا أستورد الأقمشة، وأصمم الموديلات، وأتعاقد مع خياطين يقومون بالتنفيذ، كما أنفذ البذل الرياضية، كل ذلك تم تجهيزه للموسم المدرسي، وفجأة هجم فيروس كورونا علينا، وعطّل كل شيء، وجاء قرار الدراسة عن بُعد، لتظل البضاعة راكدة في المخازن”.
ويكمل بمزيد من الأسى “بعد أن بدأت الحياة تعود إلى طبيعتها.. عاد كل ذي عمل إلى عمله، نعم ليس بنفس نشاطه الأول، لأننا مازلنا نعاني من تبعات الجائحة، ولكنه تحرك بعد توقف، أما أنا فكل يوم أسأل نفسي، أيهما أجدى؟، أذهب للمحل لأفتحه وأنا أعرف أن ليس هناك مشترٍ سيدخل عليّ، وإن حدث وجاءني على مدى شهر كامل 10 زبائن، فهل سيفي ذلك بقيمة الكهرباء التي سأستهلكها وأنا في المحل، وإن حصل فمن أين سأتدبر إيجار المحل؟”
ربح كبير
ولم يكن الوضع في مؤسسة “السكيري للزي الموحد بسيهات” بأفضل من الوضع لدى آل حزام. وقال مديرها فتح الله بن علي السكيري “في مواسم افتتاح المدارس، يصبح الازدحام والربح بالألوف من بيع المرايل، إلى أن تنتهي جميع المقاسات الموجوة في المحل، والآن بسبب الجائحة، وتعليق الدراسة حضورياً، خسرنا الأباح التي كنا نجمعها، وتم ايقاف عمل المفصل والخياط ، وتنازلت عن ٧٥٪ من العمال الموجودين في المؤسسة، وخلال سنة الجائحة، أصبح لدي ديون متراكمة، من خسارتنا في الإيجارات والرواتب وتذاكر السفر للعمال الوافدين، ونتمنى العودة للربح وتعويض الخسائر”.
عام صعب
وبالصعوبة نفسها، مر العام الدراسي على أصحاب القرطاسيات الذين أجمعوا على أنه عام صعب وقاس على الكل.
وقال فتحي داود صاحب إحدى القرطاسيات “في البدايه نحمد الله على كل حال، ونسأله السلامة والعافية للجميع من فيروس كورونا الذي أربك العمل في جميع القرطاسيات، بسبب الإجراءات الاحترازيه والتدابير الوقائيه لمكافحة هذا الوباء، وهذا كان له بالغ الاثر في انخفاض المبيعات على كثير من الأنشطة التجارية، وعلى أغلب الاصناف الموسمية، ومنها على سبيل المثال الشنط المدرسية، والقرطاسيات”.
الدفاتر والألوان
ومن جانبه، أوضح عبدالله محمد آل عباس، وهو صاحب قرطاسية الفجر بالربيعية “المبيعات تأثرت بسبب الجائحة، فقطاع القرطاسية والمكتبات له ارتباط مباشر بالتعليم من خلال شراء الادوات والملفات والدفاتر والاقلام وأدوات الرسم وعمل البنرات واللوحات ألخ..”.
وقال “اقتصرت المبيعات هذا العام على الطباعة وبعض الخدمات التي ليس لها علاقة بالتعليم مباشرة، وتراجعت المبيعات بنسبة ٦٥٪ تقريباً”.
وأيده في الرأي علي حسين الخلف صاحب قرطاسية أخرى “بالطبع جميع القرطاسيات والمكتبات تأثرت هذا العام، وهذا طبيعي بسبب ما نمر به من ظروف استثنائية، ونسأل الله السلامة للجميع، فالمشاريع المرتبطة بالمدارس تأثرت وأصابها الشلل، نحن في القرطاسية اشتغلنا فقط بـ30% من طاقتنا المعتادة، وهو أمر طبيعي بعدما أصبحت الدراسة عن بُعد، وقد يكفي الطالب دفتر واحد بدل من دفاتر عدة، ولكن الشنط نهائياً لم يتم بيعها”.
ويضيف “أغلقت فرع القرطاسية في العوامية تخفيفاً وتوفيراً للمصروفات، ولجأت إلى استخدام مدخرات الأعوام السابقة، لسد النقص الحادث في مدخرات العام الحالي”.