بعد صفوى.. الأوجام تسجّل دمعتها في رثاء لطيفة العليان القحطاني مربّية تركت نبض الأم بين طالباتها، ولغة الأخوة عند زميلاتها
الأوجام: صُبرة
ربما لم يكن النعي الذي نشرته “صُبرة”، أمس الأول، كافياً لمواساة محبي المرحومة لطيفة العليان، التي كانت قائدة للمدرسة الثانوية الأولى بصفوى لسنوات طويلة تجاوزت الـ20 سنة، التي وافتها المنية صباح الأحد 18/4/2021م الماضي إثر إصابتها بفيروس كورونا.
فمحبو العليان في بلدة الأوجام أيضاً، التي دخلتها كقائدة لمدرستها الثانوية الأولى في عملية تدوير، أمضت خلالها سنتين، أبوا إلا أن يشاركوا أهلها ومحبيها العزاء، وكأن لسان حالهم يقول: لطيفة العليان كانت أمنا أيضا.
غيمة بيضاء
بكلمات تفيض حزناً تعبّر زهراء الناصر عن حجم الفقد والألم الذي أحدثه رحيل العليان فتقول “لم تكن مديرة عادية بل كانت قائدة ومربية وصديقة وأم، نعم صديقة وأماً، كل كلمة أعنيها بذاتها، فـصداقتها امتدت داخل وخارج المدرسة، كانت تحدثنا وكأنها غيمة بيضاء تهطل علينا بالغيث المنهمر عذباً في ألفاظه ومعانيه ودروسه”، وتكمل الناصر “. كُنت وما زلت أراها قدوة في الخلق الطيب والعمل الدؤوب، وحين تحكي لنا عن تجاربها في الحياة؛ أجد نفسي أدخل عالمها وكأنني أعيش معها التجربة لجمال أسلوبها وطيبتها” وتضيف “ومذ علمنا بخبر رحيلها الذي نزل كالصاعقة على محبيها، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالحزن، وتوالت آلاف من الدعوات لروحها بالرحمة، بل تحول رابط عزائها إلى حلقة تأبين، ينثر فيه محبيها مشاعرهم الصادقة تجاهها، ويذكرون طيب معشرها ويفيضون في تعداد فضائل أخلاقها”.
علمتني الكثير
تغالب فاطمة الناصر المرشدة الطلابية بثانوية الأوجام، دموع الحزن والشوق وتعطي المجال لذاكرتها أن تحكي ” توظفت عام ١٤١٨ في الثانوية الأولى بصفوى، كنت بعدُ صغيرة وقليلة الخبرة، لكنها احتوتني بحبها الكبير، وبفضل بذلها وإصرارها أن تعطي خلاصة خبراتها لكل من يحتاج؛ أصبحت قادرة على مواجهة الحياة” وتكمل “هي من ثبتتني في الثانوية الأولى بصفوى و هي من سعت لتفريغي كمرشدة طلابية”.
بقيت الناصر تعمل مع المرحومة في صفوى لمدة ١٢ عاما “كانت خلالها تمثل لي القائدة والموجهة والأخت الحنونة، لكن هذه الصفات لم تكن تمثلني وحدي، إنما كل من عرف لطيفة العليان وعاش معها، شعر بنفس هذه المشاعر”.
انتقلت الناصر إلى مدرسة الأوجام الثانوية، لكن علاقتها بالمرحومة لم تفتر، وفي عام 1436 نُقلت العليان إلى مدرسة الأوجام الثانوية، تقول الناصر ” كانت كما عهدتها دائمًا، يشع الذكاء من عينيها، وتلازمها الحنكة والخبرة وحسن التصرف”، وتضيف ” لقد حضرت حفل التخرج حتى بعد أن تقاعدت، وذلك لشدة ارتباطها بالطالبات، وكان لحضورها الملفت وكلماتها أكبر الأثر في نفوس الموجودين، وخاصة الجملة التي رددناها طويلا نقلاً عن لسانها: أنا ما أنسى ولا موظفة من موظفاتي”.
وفي ٢١ مارس، بعثت الأم لطيفة رسالة غاية في الأناقة لكل من عرفت من السيدات، تبارك لهن بعيد الأم وكأنها كانت تودع جميع من أحبها بهذه الرسالة.
سيخونني التعبير
ترددت نازك آل سليمان، المعلمة بثانوية الأوجام بأي الكلام تبدأ في رثاء العليان “أثق بأن التعبير سيخونني، والكلمات ستخذلني حين أتحدث عن فقيدتنا الغالية لطيفة رحمها الله وأسكنها فسيح جنانه”.
وتسترسل آل سليمان في ذكر تفاصيل حميمة عن العليان فتقول “حين قدمت لمدرستنا كان ظاهر الأمر أن هذا هو التعارف الأول بيننا، لكننا كنا نعرفها من حديث أختها حصة العليان، مديرتنا السابقة، عنها، ولتشابه شخصية الأختين؛ كنا نشعر أن كل واحدةٍ منهما كانت للأخرى الصديق و شقيق الروح”.
أما عن أسلوبها في العمل فتضيف آل سليمان “.لم تجبرنا أبداً على رأي تراه، إنما كانت تطلب آراءنا لتشعرنا بثقتها بحسن تصرفنا، وهذا لا يمنع أن تسأل عن مبررات إصرارنا على رأي ما، كانت تخلط أي طلب لها بمزاح جميل كي لا نستشعر أبداً صيغة الطلب أو الأمر” وَ “كانت آخر رسالة وصلتني منها في عيد الأم، شعرت بسعادة غامرة حين قرأتها، وسألت نفسي..أي ذوق تملكه هذه المرأة؟، وأي خلقٍ راقٍ تتمتع به؟، هنيئاً لنا معرفتنا بها” .
نعزي أنفسنا بفقدها
وتتساءل المعلمة نفيسة البشراوي “إن استطاعت المرحومة في فترة سنتين قضتها في ثانوية الأوجام من كسب قلوب كل من مرت به أو مر بها، فكيف هو الحال في ثانوية صفوى؛ التي عاشت فيها مايربو على العقدين؟، بل كيف حال أهلها بعد هذا الفقد المر؟،
لطيفة العليان تدخل القلب من غير مقدمات، وتحجز مكانها فيه طويلا، وأكبر دليل هو الواقع الحالي من ردود أفعال الناس بعد سماع نبأ رحيلها الذي أحزن الجميع”.
وبسؤال يحمل الكثير من الدهشة تكمل البشراوي “كيف تستطيع أن تتذكر تفاصيل بسيطة في حياة كل واحدة منا؟، عندما تحادث أي واحدة فينا تشعرها أنها مهتمة جداً وقريبة جداً، فتسألها عن أخبار أولادها وأهلها، والحقيقة أنها كانت كريمة ومتواضعة، ترفع الحواجز والرسميات سريعاً، تحترم المقابل أياً كانت أفكاره ومعتقداته”، وتختم البشراوي “نعزي عائلتها الكريمة ونعزي أحباءها ونعزي أنفسنا بهذا الفقد الكبير.. رحمك الله أيتها اللطيفة”.
قلب أم
تقول الطالبة بيان الناصر “لا تسعفني الكلمات في ذكراها، رحلت وتركت جرحاً عميقاً في قلوبنا، لقد كانت تستفتح اليوم الدراسي بابتسامتها النقية؛ التي تعطينا دافعاً للإنجاز طوال اليوم، كما كانت كلماتها أنيقة ومختلفة في كل صباح: صباح الورد يا بنات الأوجام وش هالصباح الحلو ؟” وتكمل الناصر” في كل يوم نكتشف أنها ليست قائدة و حسب؛ لكنها كانت تحمل قلب أم يغمرنا بكل حُب وطمأنينة، حتى بعد أن تقاعدت بقت على تواصل دائم، شاركتنا حفل تخرجنا بحضورها الجاذب وروحها النقية، ومازلت احتفظ بالتذكار الذي أهدتني إياه وأبتسم”.
تأخذ الذكرى الناصر بعيداً، إلى سنة 1437 “تعرضت لوعكة صحية، فكانت تراسلني كل يوم لتسألني: كيف حالك اليوم؟، ورغم بُعد المسافات تفاجئت بزيارتها لي في المنزل وضحكتها المعتادة وحكاياتها المُلهمة”
سنة اللطف
أما الطالبة مريم الناصر فتحكي قصتها مع العليان من زاويتها الخاصة “جمعني مع تلك الطيبة اللطيفة سنة دراسية في عام 1436/1437 هـ ، وكانت سنة تحمل اللطف بمعنى الكلمة، كانت بمثابة الأم الحنون، كانت تساندني وتدعمني لمواصلة دراستي وإكمال مشروعي الخاص، لقد كانت بجانبي في لحظة الحزن قبل الفرح، فلا الكلمات تستطيع وصفها ولا الجمل مهما برعت تفيها حقها”، وتضيف ” كانت آخر رسالة حظيت بها يوم الثلاثاء 13 أبريل 2021 لتخبرني عن حالها: مريم الحمد لله أنا أحسن، مبروك عليكم الشهر ويتقبل الله منا ومنكم الأعمال)، رحم الله نفسك الطيبة وجمعنا بك في جناته”.
كانت السنة عمراً
وبدورها تنعى الطالبة زينب آل محمد القائدة العليان ” واللهِ إن الحروف لتعجز عن وصف مربية كهذه اللطيفة، والكلام إجحاف في حقها، بالرُغم من وجودها سنة واحدة فقط من دراستي إلا أني والجميع أحس وأستشعر روعة هذه القائدة ومدى تفانيها ووعيها” وتكمل آل محمد “لا أنسى موقفي الأول معها، استدعتني لغرفتها بسبب مخالفة مدرسية، وكان شاغلي، وأنا في طريقي إليها، كم الصراخ والتأنيب الذي سأتلقاه؛ لكني أُدهشت بأسلوبها، لم تصرخ في وجهي ولم تأنبني، كانت وكأنها صديقة توجهني بالشكل الصحيح” وبكثير من الثقة تقول آل محمد “لو تمنيت شيئاً للأجيال القادمة فسيكون وجود قائدة كلطيفة العليان، تشبهها في مدى وعيها وتفانيها”.
خارج أسوار المدرسة
لم تكن نورة المرزوق معلمة عملت مع العليان ولا طالبة درست عندها، ولا حتى من طاقم المدرسة وموظفيها، بل هي والدة لطالبة درست عندها، لكنها اقتربت منها وتعرفت عليها؛ وبهذا تصفها “قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فسعوهم بطلاقة الوجه وحسن اللقاء، هذا ما رأيتهُ ولمستهُ ولمسهُ الكثير ممن التقى ولو للحظات بالفقيدة الراحلة الى الله، المعلمة والمربية الفاضلة لطيفة، فمن حظي بمعرفتها كان يأسره ويناله من لطافتها وبشاشتها وتواضعها الكثير، وإنني ممن حظيت وتشرفتُ بمعرفتها عن قُرب ..حيث قبلت دعوة لها من بناتها وطالباتها في ثانوية الأوجام، وكان لي الشرف أن يكون بيتي مكانا يجمعها معهن .. حينها تبادلنا أطراف الحديث ولفتني في شخصها صفات جمة كان أبرزها التواضع وحسن الخُلق وبشاشة الوجه”، وتكمل المرزوق “لقد رأيتها كيف تحتضن كل واحد من الطالبات وكأنها الأثيرة لديها وتسدي لها النصح، لقد كانت تبذل من وقتها ونفسها للطالبات حتى بعيداً عن أسوار المدرسة” وتختم المرزوق “عزاؤنا فيكِ جمٌ وكبير وفقدكِ ومن مثلكِ خسارة، فقد ملكتِ قلوباً، وتعلقت بكِ أحباب، وخلفتها وراءكِ تنعاكِ بحسرة، ولكن لا نقول إلا ما يرضي الله، فالمرجع لله وإنا لله وإنا إليهِ راجعون”..
اقرأ ايضاً