إيثار الزاكي.. تطارد النجوم من “شمس” عُمان إلى قِمم “العُلا” السعودية فتاة سيهات مُولعة بالمغامرات والفلسفة والفلك والرياضات الصعبة
القطيف: أمل سعيد
مع أنها ولدت في مدينة يطيب لأبنائها أن يسموها “قبعة البحر”، في تحريف لترجمتها الإنجليزية “سيهات”، إلا أن إيثار الزاكي شغوفة بالجبال، تعشقها، وتعشق تسلقها ومغامراتها، لذا أحبت اوريغون الأميركية، حيث درست الجامعة، ولاحقاُ جبل الشمس في سلطنة عُمان، بعدما التحقت في إحدى شركات الترويج السياحي وتنظيم المغامرات الناشطة هناك.
هذا الشغف قاد إيثار غرباً، إلى جبال العلا في المدينة المنورة، لتعمل في الهيئة الملكية لمحافظة العُلا. هناك وجدت ضالتها، حيث الجبال الشاهقة، والحضارات القديمة، وهو عشق آخر تعيشه هذه الفتاة، المولعة كذلك بالفلسفة والفلك والرياضات الصعبة.
اهتمامات متنوعة
سافرت الزاكي، وهي من مواليد مدينة سيهات، في محافظة القطيف، إلى أميركا سنة 2009، لإكمال دراستها، تقول “أنهيت دراستي الجامعية سنة 2015 في Portland Community College في الدراسات العامة، فدرست الفنون، كما درست اللغة اليابانية لمدة سنتين، ثم الفلسفة، وعلم الفلك”.
أحبت الزاكي كل تخصص من هذه التخصصات، واستفادة منها كثيراً، مضيفة “ساعدتني معرفتي المتنوعة لأكون أفضل”.
في أوريغون
تصف الزاكي، ولاية أوريغون التي قضت فيها سنواتها الجامعية “أكثر من 6 سنوات عشتها في Oregon، المشهورة باهتمامها في الطبيعة، والمغامرات. وفي أوقات الفراغ كنت أستمتع بتمضية الوقت في الهركلة أو التجديف. وهذا كان من أكثر الأسباب التي جعلتني أحب عالم مغامرات الطبيعة، وعندما عدت إلى لمنطقة الشرقية لم تكن هناك أي فعالية من تلك التي كنت أمارسها هناك”.
تكمل “اشتغلت في مكتب تأمين ، لكني لم أشعر أني أمارس ما أحب، فقررت ترك العمل”.
البحث عن الشغف
لم يدر بخلد الزاكي بعد أن تركت عملها أن القدر كان يدبر لها موعداً مع الجمال والطبيعة البكر، لكن ملاحقة الحلم والسعي للحصول عليه عبّد لها درب الوصول.
أشار عليها عمها ذات حوار أن تحاول الانضمام لفريق مغامرات في عمان، وتعمل معهم، علّها تجد شغفها الذي تبحث عنه، وبالفعل قدّمت أوراقها، لكنها رُفضت.
بقي الحلم شاغلُها، يطاردها حيناً، وتطارده أخرى؛ فقررت خوض المغامرة سائحة مع نفس الشركة التي رفضتها، تقول “سجلت في رحلة Snake Canyon، أو رحلة وادي بني عوف. وبالصدفة كان صاحب الشركة موجوداً معنا في الرحلة، وعندما علم أنني قدّمت في شركته ورُفضت، قال لي: أنت معنا من بداية الشهر القادم، فهيىء نفسك”.
لم يقابل قرار الزاكي بالعمل خارج السعودية بترحاب من أهلها، بل العكس تماماً، حيث رفض أبوها ذلك بشدة، إذ أنها كانت تعمل في شركة خاصة براتب مجز، ولكن لم يثنها ذلك عن المضي فيما بدأت، تقول “كان أبي معارضاً بقوة، لكنه بعد رأى نجاحي في عملي، وأني مستمتعة به، إضافة إلى التغيير الإيجابي الواضح في شخصيتي أصبح متقبلاً لذلك، وراضياً عنه”.
جبل شمس
التحقت الزاكي بفريق العمل في “هوساك” متدربة لمدة 7 أشهر، قضت منها 6 متنقلة بين سفوح جبل شمس وقمته، الجبل الأعلى في عمان، أو كما يطلق عليه “غراند كانيون”، الذي ينفرد بمعانقة خيوط أشعة الشمس الأولى في السلطنة، وآخر من يتركها عند المغيب، يقع ضمن سلسلة جبلية تسمى “جبال الحجر”، ويبلغ ارتفاعه 3009 أمتار فوق مستوى سطح البحر.
يتميز جبل شمس بتكويناته الجيولوجية، خصوصاً الفالق الصخري العظيم (المنحدر) على جانب مسار الطريق الصاعد إلى قمته، والذي يعتبر ثاني أكبر فالق في العالم. وبسبب هذه الخصائص وغيرها، يستقطب الجبل العملاق السياح من جميع أنحاء العالم. وتجذب المنطقة المغامرين لما بها من منحنيات خطرة في الصعود والهبوط.
بعد فترة التدريب؛ انضمت الزاكي إلى “هوساك” رسمياً، تقول “بعد تجربة جبل شمس انضممت إلى فريق العمل بشكل كامل، وأصبحت مرشدة لأشخاص أكثر، ورحلات أطول، وبدأت أطلع في رحلات نهاية الأسبوع، برفقة المرشدين الأكثر خبرة مني”.
بقيت الزاكي في عُمان لمدة سنتين، وكان عملها الرئيس يتركز في رحلات عطلات الأسبوع التي تشمل التسلق و”الهايك” والتجديف، وأيضاً النزول بالحبل، إضافة إلى العمل المكتبي.
عن الرحلات التي ينظمونها؛ تقول “فكرة الرحلة هي أن يخوض الشخص تجربة بعيدة عن المألوف، يتحدى فيها نفسه، يختبر إمكاناته وقدراته، وإلى أي مدى يستطيع أن يعتمد على نفسه، أو على أصحابه في الرحلة، فيتسلق جبلاً وهو يحمل معه وزناً لا يمكنه المضي من دونه، أو ينزل وادياً”.
من الأشياء الجميلة التي تعتز بها هو “أسلوب الشركة التي أعمل فيها، فكل البرامج والرحلات التي يقدمونها تهدف إلى أن تنشأ علاقة إنسانية مبنية على التعاون والعمل بروح الفريق الواحد بين كل الأعضاء في أي رحلة، حيث يبدأون غرباء، وما تنتهي الرحلة إلا وهم عائلة واحدة”. وتكمل “هذه الرحلات تؤثر كثيراً في نفوس المغامرين، وتترك أثراً جميلاً ليس من السهل نسيانه”.
السياحة و”كورونا”
بعد جائحة كورونا، وفرض الاحترازات الصحية ومنع السفر بين الدول، تأثر قطاع السياحة كثيراً؛ إن لم يكن من أشد المتضررين بكل تلك القيود التي فرضت على حركة الناس، تقول الزاكي “كنت في سلسلة جبال الحجر في عمان، وتحديداً في جبل شمس، وبعد أن ضعف الموسم هناك بسبب فيروس كورونا عدت إلى السعودية، وقبل أن يبدأ الموسم في العلا بأسبوع كنت في الشرقية”.
من عمان إلى جبال العلا
من جمال إلى جمال تنتقل الزاكي بروحها قبل جسدها، فمن جبال الحجر في عمان إلى الشمال الغربي من السعودية، وتحديداً إلى جبال العلا في منطقة المدينة المنورة؛ الأرض التي حباها الله بكل المؤهلات الطبيعية لتكون من أهم الوجهات السياحية في الوطن، فضلاً عن إنسانها الودود، المسكون بحب الأرض والناس.
“انتقلت إلى العلا لمساعدة الفريق هناك، وأصبحت مسؤولة عن تنظيم رحلة تأمل النجوم أو “ليالي العلا المقمرة”، وساعدتني دراسة علم الفلك (astronomy)، وولعي بالاطلاع على الأساطير في الحضارات القديمة، وخاصة الإغريقية، في تنفيذ مهمتي ببراعة أكبر، وكانت من أكثر الرحلات الناجحة في الموسم، التي تستغرق ساعة إلى ساعة ونصف الساعة، أشرح فيها للمهتمين كيف كانت الحضارات المختلفة، ومنها العربية، تهتم في مواقع النجوم، وتتخذها طريقاً للاستدلال على الجهات أو بداية المواسم، كما أروي لهم بعض الأساطير والحقائق العلمية المتعلقة في النجوم”.
تضيف “كان أكثر ما يمتعني في العلا هو سمائها الصافية الممتلئة بالنجوم حد الجمال، ليس عليك سوى أن تستلقي على الأرض ثم اترك لعينيك حرية الإبحار في سماء مطرزة بالنجوم بلا حدود، وستكون محظوظاً إن رأيت غيمة شاردة تنتقل بين أبراج السماء”.
أما عن الإنسان في العلا؛ فتقول الزاكي “سكان العلا من أكثر الناس ترحيباً، ومع أن زوارهم – غالباً – مختلفون عنهم، وبعضهم من جنسيات غربية، إلا أنهم لا يفرقون في حرارة الترحاب، وجميل الاستقبال، مستعدون لمساعدة زائرهم بابتسامة تكاد لا تفارق وجوههم”.
“هوساك” في العلا
فريق “هوساك” هو منظم من المنظمين في محافظة العلا، حيث ينظم رحلات مختلفة، ويعمل مشغلاً نيابة عن الهيئة الملكية في العلا.
عن رضاها عما تعمل حالياً؛ تقول الزاكي “فريق العمل في “هوساك” الموجود في العلا كله سعودي، فخورة بهم كثيراً، وسعيدة أني بينهم. وبكل الصدق أقول إنه لا يمكن الاستمرار في عملنا هذا من دون أن تكون الرغبة هي المحفز الأول، أن تحب هذا الجو المختلف جداً عن الاعتيادي، أن تشارك دهشة المرة الأولى مع كل مغامر وسائح، أن تعيش التحدي مع كل فوج سياحي جديد ينضم إلى الرحلة، وهذا ما أنا عليه الآن”.
تضيف “هوساك غيّر الكثير في حياتي، وأضاف لي الكثير، سواء على مستوى تنمية المهارات الجسدية أو على المستوى الثقافي والاجتماعي وتواصلي مع الآخرين؛ فقبل دخولي عالم “هوساك” كانت علاقاتي محدودة وعلى أضيق نطاق، واليوم معارفي من كل مكان، فطبيعة عملي تحتم علي أن أتواصل مع الناس، وأتعرف عليهم ونكوّن علاقات إنسانية جميلة”.
وفي حديثها لـ “صُبرة”؛ تمنت الزاكي أن تدخل مثل هذه الرحلات في نمط حياتنا، “لما لها من أثر حقيقي وعميق في تحسين العلاقات العائلية”، ناصحة الآباء باصطحاب أبنائهم، “لأنها ستكون ذكرى جميلة تظل محفورة للأبد”، وختمت بـ”سعيدة أنني مع هوساك، فخورة أني في العلا”.