المستشار من هو.. لي ولك؟
زكريا أبو سرير
ورد في الحديث الشريف “خير الناس من جمع عقول الناس إلى عقله
مهما بلغ الإنسان من مرتبة في العلم والمال، ومهما اجتهد لكي يكون إنسانا متميزا في مجاله أو في توسعه الثقافي والمعرفي، إلا أنه يظل ناقصاً أو عاجزاً في الجوانب الحياتية الأخرى، إذ أن حكمة الله سبحانه وتعالى، اقتضت أن يكون الناس بحاجة إلى بعضهم البعض، حيث يكشف ربنا هذه الحقيقة الثابتة بقوله الكريم في سورة الحج آية ٤٠: “وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ”، هذا من جانب، ومن جانب آخر حتى لا يطغى الإنسان على أخيه الإنسان، لو ملك الله بعضا من خلقه كل شيء، لأصبح منهم نمرود آخر أو فرعون في زمانه.
يأتي هنا مفهوم يسمى المستشار، أو كما أطلق عليه القرآن الكريم بالشورى، ودور هذا المفهوم هو مكمل لهذه النواقص الفكرية للإنسان، وهذه الميزة اختصها الله فقط للإنسان دون مخلوقاته الأخرى، وبما أن الله ميّز عبده الإنسان دون مخلوقاته الأخرى بنعمة العقل، الذي به مكّنه وفضّله على بقية مخلوقاته لكي يجعله خليفته وممثله على الأرض، وبواسطة هذا العقل الذي أعطاه القدرة على تمييز الأشياء الصالحة له من الطالحة، وعرّفه الخير من الشر، ووهبه القدرة على حفظ تجارب الآخرين الذين سبقوه في الحياة، لكي يستفيد ويتعلم من تلك التجارب، لأن الإنسان مهما عاش يظل عمره قصيرا لا يمكنه أن يخوض كل تلك التجارب الحياتية، لهذا من رحمة الله على عباده حفظ لهم تجارب عباده السابقين لكي يعبّد الطريق لعباده على أرضه ومن سوف يأتي من بعدهم حتى قيام الساعة الموعودة.
يبقى أن نعرف ما هو مفهوم المستشار، الذي بدوره يكمل حياة المستشير، المستشار هو الخبير المحترف والمتمرس في مجاله أو مجال معين، ولديه معرفة واسعة بالموضوع، بحيث يمكنه القدرة على فهم واستيعاب كل أطراف الموضوع أو المشكلة بشكل احترافي، وهذا المفهوم الخاص بالمستشار لا يبعد عن مفهوم الشورى في المنظور الإسلامي، بحيث تمثل الشورى نظاما من صميم النظام الإسلامي، وتعرف الشورى بطلب الرأي من أهله وتمحيص النظر فيه، من آراء مستندة إلى قاعدتي القرآن الكريم والسنة النبوية، وأهل الشورى هم من أهل العقل والحكمة والفهم، كما يمكن تطبيق هذا المبدأ في العلوم الدنيوية، كعلوم الاجتماع بما يخص المشاكل المجتمعية، وكذلك نظام الشورى يطبق في السياسية، أي في إدارة البلاد والعباد.
فالمستشار كذلك لا يقتصر على جانب معين، فهناك المستشار الاقتصادي والسياسي والصحي والهندسي والاجتماعي، وجميع التخصصات العلمية يوجد لها من هو مستشار فيها.
فالاستشارة لا تدل على ضعف عقل المستشير كما يتوهم البعض، بل بالعكس من ذلك، تدل على رجاحته وعلى رزانته، واتساع أفقه ومداركه الحياتية، لأنه يعي بأن لا غناء للإنسان عن الاستشارة، لأنها طريق تؤدي إلى سلامة القرار ونجاة الإنسان من أي إرهاصات حياتية.
وقد قيل في الأمثال، ما خاب من استشار، وقول آخر، ما ندم من استخار، ولو كانت الاستشارة منقصة لعقل للمستشير، أو يظن أحدا أنه قد يستغني عن الاستشارة، لكان رسول الله المصطفى (ص) أول من استغنى عنها، وهو المعصوم وهو أكمل البشر عقلا وفهما، فضلا عن أنه مسدد ومؤيد بالوحي الإلهي “وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى” سورة النجم آية ٣، “وأمرهم شورى” سورة الشورى آية ٣٨.
فالاستشارة تعتبر سمة يتحلى بها العقلاء، كما أنها فن من الفنون الفكرية الإبداعية، وهي واحدة من مكملات العقل البشري، لهذا ينبغي على المستشير معرفة من يستشير، وعلى المستشير الاطلاع على مميزات المستشار، والتأكد هل هو بالفعل من أهل الاستشارة، وهل توجد فيه مؤهلات المستشار، من رجاحة العقل والتخصص والاحترافية والخبرة والصدق والأمانة، هذه سمات ينبغي ألا يتهاون فيها المستشير، لأن الأخطاء الفادحة الذي يقع فيها المستشارون، هي عدم التدقيق في صفات المستشار، وكثيرة هي المجاملات التي في غير محلها فتكون هي بوابة مهلكة للمستشير، أو توقعه في مكائد أو إسقاطات لم يحسب لها حسابا، ولعلها قد تكون صادرة من أقرب الناس للمستشير.
كم دون لنا التاريخ من أحداث المتزلفين والكاذبين ممن ادعوا النبوة، وكم هم الكذابون ممن ادعوا أنهم مستشارون ومن أهل العلم والخبرة والمعرفة والتخصص، وهم دجالون ولا يبعدون عن مسيلمة الكذاب.
فعلى المستشيرين أن يعوا من يستشيرون، لا كل من هب ودب تُطلب منه الاستشارة، فالاستشارة ثقافة وهي عبارة عن منظومة ينبغي إدراكها جيدا، ولكيلا تحمل غيرك قرارا لربما يكون مصيريا بالنسبة لك، عليك حسن اختيار أهل الاختصاص في استشارة ما تريد، وقد قيل في الحكم “المشورة لقاح العقول”.