حسن أبو الرحي.. يومٌ حزين للقديح.. وللشعر
كتب: حبيب محمود
وُلد في شتاء ديسمبر 1947، وانتقل إلى رحمة الله في شتاء فبراير 2021. 74 سنة بالتاريخ الميلادي، و75 سنة بالتاريخ الهجري.
وما بين اختلاف التاريخين؛ عاش شاعر رقيقٌ الحرف، شفّاف الحس. وقد ودّعنا اليوم، بعد قرابة عامين من عذابات الفشل الكلوي، ومتاعب الرئة. إنه يومٌ حزينٌ في أسرة “أبو الرحي”، وفي بلدة القديح، ولي شخصياً.
“أبو أمجد”.. هكذا عُرف في مسقط رأسه، وقد غلبت الكُنية على اسم السيد حسن بن السيد علوي أبو الرحي. لكنه حين بدأ ينشر قصائده في منتصف ستينيات القرن الماضي؛ اختار اسم “السيد حسن السيد”. وبالاسم الأخير وقّع ما نشره في المجلات السعودية، وبالاسم نفسه تعامل معه دارسو الأدب السعودي الحديث الذين مرّوا بشعراء القطيف..!
وحين تُذكر كنية “أبو أمجد” في القديح؛ فإنها لم تكن تشير ـ عند الناس ـ إلى أديب وشاعر فحسب، بل إلى رجل “خَدوم” على نحو خاص.
كان مجلس منزل والده في “الوادي”؛ مقصداً لذوي الحاجات الخاصة. هناك من يطلب إليه كتابة معروض إلى مسؤول في الدولة، وهناك من يعرض عليه شعره ليصححه، وهناك من يطلب كتابة بيتين أو ثلاثة لوضعها على بطاقة زفاف..!
ولم يكن “أبو أمجد” يقول “لا” لأحد. كان خجولاً إلى حدّ عجزه عن الاعتذار، ورقيقاً بحيث لا يُرى إلا مبتسماً..!
المنزل الذي عاش فيه السيد أغلب سنوات حياته في قرية القديح
وحيد والديه
السيد حسن بن السيد علوي بن السيد حسن أبو الرحي.. اسمه الرباعي. سُمي “حسن” تيمناً باسم الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب. ولد يوم الـ 7 من شهر صفر سنة 1367هـ، وهو يوم ذكرى وفاة الإمام.
كان الناجي الوحيد بين مواليد والديه الذكور، حتى ظُنَّ أن “التابعة” هي السبب. وبعد الولادة؛ لاحقته أمراض الطفولة. لكنه تخطّاها.
ظهرت موهبة الأدب فيه طفلاً فيما يبدو. وتشير كتاباته الأولى التي أحتفظ بصور منها بخط يده؛ إلى أنه كتب الشعر التقليديّ وهو مراهق. كتب مراثيَ ومدائح في أهل البيت، على الطريقة المتوارثة عند شعراء الشيعة. وكتب مديحاً لبعض ملوك المملكة.
إلا أن القصائد التي بدأ ينشرها سنة 1385 وما بعدها؛ تكشف عن تحوّل سريع نحو الكتابة الرومانسية. هنا؛ ظهر شاعر “جديد” بمفاهيم الشعر في السعودية منتصف الستينيات. لغة هامسة، رقيقة، بحور شعر راقصة، أفكار ذاتية هيمنت عليها مسحة من الحزن الشفاف. ربما كان لأستاذه في التجارية، محمد العلي، أثرٌ في ذلك. كان يتحدث عنه كثيراً، وعن إطلاعه على شعره حين كان تلميذه في المتوسطة التجارية في الدمام، أواسط الثمانينيات.
وهذا هو التيار السائد في السعودية وقتذاك. لم تكن قصيدة النثر قد ظهرت بعد فيها. بل إن قصيدة التفعيلة ما زالت تناضل من أجل إثبات وجودها.
اختصار زمن
في أقل من 5 سنوات؛ أظهر السيد حسن أبو الرحي نفسه واحداً من الشعراء السعوديين المعروفين في حقبة الستينيات، استناداً إلى أمرين مهمّين:
الأول: أنه تناغم مع التيار الرومانسي الذي جاء به الجيل الأول من الشعراء السعوديين، أمثال العواد وحسين سرحان وطاهر زمخشري وحسن قرشي، ومن تبعهم في المنطقة الشرقية أمثال يوسف بو سعد والشيخ الخطي وعبدالله الجشي والمسلم ويوسف الشيخ يعقوب.. وغيرهم. أي أنه تواصل مع هذا التيار الذي اعتُبر جديداً. وفوق ذلك حرص (على الأقل فيما نشر) على رومانسية ذاتية لغة وتشكيلاً.
والثاني: هو أنه خرج عن الدائرة الضيقة المحدودة بانتمائه الأيديولوجي، وراسل مطبوعات سعودية نشراً ومتابعة. ومجلة “المنهل” هي أهم المطبوعات التي قدمته وأبرزته شاعراً وناقداً.
والغريب على نحو لافت؛ هو أنه لم يتواصل مع النشر إلا أقل من خمس سنوات من حياته. ويمكن حصرها بين عامي (1385 ـ 1390هـ). وهي سنوات احتضنت جزءاً من دراسته التجارية وجزءاً من بدايته الوظيفية. وما قبل ذلك وما بعده لم يهتمّ السيد أبو الرحي بالنشر، خاصة بعد التحاقه بالوظيفة الحكومية في كلية البترول والمعادن. (جامعة الملك فهد للبترول والمعادن لاحقاً).
إلا أن اللافت ـ أكثر ـ هو أن سنوات النشر القليلة في عمر الشاعر، كانت كافية لبناء موقع لاسمه بين شعراء المملكة العربية السعودية الذين ظهروا في عقد الستينيات. ولهذا فإن أيّ مصنّف في تاريخ الشعر السعودي الحديث؛ لا بدّ أن يمرّ بـ “السيد حسن السيد”، ويؤرخ له، بوصفه من شعراء التيار الرومانسي. وأستطيع أن أشهد، هنا، ضد مسقط رأسي بأنه كان لا يعرف “السيد حسن أبو الرحي” كما يعرفه أدباء كثيرون من خارج القرية الريفية. ولا أظنه، اليوم، يعرفه بما يكفي لتقدير موقعه من الأدب السعودي الحديث.
أناقة وبساطة
في إنشاء السيد حسن السيد أناقة وبساطة. وكما هو شعره؛ فإن نثره يعتني بالمعنى القريب والتركيب السلس. وقد مارس “الصناعتين” بروح واحدة، الروح الرومانسية. وأستطيع أن أدّعي أن لدي من آثاره الشعرية والنثرية ما يكفي لدراسة شخصيته الأدبية: شاعراً وناقداً، على أن اطلاعي على أدبه، طيلة سنوات تواصلي معه، شكـّل لديّ انطباعاً مهماً في فهم تجربته الإبداعية في صناعة الشعر، وصناعة النثر.
إن معظم ما كتبه السيد حسن السيد ونشره من نثر ينحصر في النقد ثم القصة القصيرة. وروحه القاصة حالمة كما هو شعره. أما نقده فإنه يشي بالأفكار التي يجسدها شعره. ومن أهمّ ما نشر مقالة تناولت شاعرية شوقي. وبقدر ما كان السيد حسن حاداً في تلك المقالة المطوّلة التي نشرها في مجلة “المنهل”، في منتصف الستينيات.. بقدر ذلك؛ تبنّى السيد حسن مقولات مذهب الرومانسيين الذين وجدوا في شعر شوقي خطابية ومنبرية وولعاً بالجزالة التي يُقرّها عمود الشعر العربي منذ عصوره القديمة..!
وللإيضاح؛ فإن اصطلاح “عمود الشعر” يختلف كثيراً عن اصطلاح “الشعر العمودي”، وكثير من يخلط بينهما. فاصطلاح “عمود الشعر” عُرف منذ نهايات العصر الأموي، وكان يعني ذلك المستوى من البناء الشعري القائم على الجزالة والفخامة والقوة، وهي سماتٌ نقرؤها في شعر الأمويين ومن سبقهم. وفي العصر العباسي يمثل المتنبي أهم النماذج التي حافظت على عمود الشعر، حتى بعد موجة الحداثة التي استهانت بالعمود، واستحدثت أساليب أقرب إلى السهولة والبساطة والرقة، كما هو مذهب أبي نواس ومن لفّ لفه.
أما اصطلاح “الشعر العمودي” فهو مقتصرٌ على تحديد الشكل الموسيقي، وهو يقابل مصطلحي “شعر التفعيلة” و “قصيدة النثر” اليوم.
ويُصنّف شوقي، نقدياً، ضمن ذلك التيار الذي وُصف بـ “إحياء” عمود الشعر. في حين وجد الرومانسيون، من مدرستي أبولو والمهجر، مشروع شوقي استنساخاً للمشروع التراثي. ولذلك تبنّى السيد حسن السيد المذهب الأخير وبنى أفكاره الشعرية وذائقته الجمالية على التطلعات الحالمة التي رفض الرومانسيون، بموجبها، موضوعات المدح والرثاء والوصف وسائر المضامين المتأثرة بالعوامل الخارجية، وركزوا على الذاتي حتى في تناول الموضوعات المتوقعة.
وأتذكر له مقالة تناول فيها شعراء القطيف، ونشرها في “المنهل” أيضاً. وقد عبّر فيها عن رؤيته لواقع الشعر في القطيف، واستبعد شعراء التيار التقليدي من تلك المقالة، مقتصراً على المتقاطعين معه جمالياً وإبداعياً.
وقد نشرت المجلة ما يُشبه رداًّّ للمرحوم محمد مهدي السويدان تحت عنوان “هؤلاء أيضاً من شعراء القطيف” (إن لم تخنّي الذاكرة). واستعرض الأخير سيراً وانتقى نصوصاً لشعراء آثروا المحافظة على اللغة التي نصفها بـ “الكلاسيكية”..!
- سيرة موجزة
- السيد حسن بن علوي بن السيد حسن بن علوي أبو الرحي.
- ولد عام 1367هـ/ 1946م في القديح – القطيف الشرقية – المملكة العربية السعودية.
- درس القرآن الكريم والقراءة والكتابة في أحد الكتاتيب، وقرأ علوم الدين واللغة، وحين افتتحت أول مدرسة ابتدائية في بلدته التحق بها، ثم درس في المدارس التجارية إلى أن حصل على الدبلوم بتقدير ممتاز عام 1388هـ، ثم على الشهادة الثانوية التجارية التكميلية عام 1396هـ، ثم حصل أثناء عمله على منحة دراسية داخلية أثمرت عن حصوله على درجة البكالوريوس بمرتبة الشرف في علوم الإدارة الصناعية عام 1400هـ.
- عمل بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران منذ عام 1389هـ، بإدارة التخطيط والميزانية في الجامعة. وقد أُحيل إلى التقاعد.
- أعماله الإبداعية الأخرى: كتب مجموعة من القصص القصيرة, وعدداً من الروايات منها: أغرب من الخيال – عرس الخميس الأسود.
2009
مع حسين منصور الشيخ نوفمبر 2009
بين شبر القصاب وحسين منصور الشيخ ـ نوفمبر 2009
مع صديقه عبدالكريم الشيخ أغسطس 2009
من اليمين: الملا محمد علي الناصر، كاتب السطور، الراحل ـ فبراير 2017
بين الملا محمد علي الناصر وصديقه الراحل علي عباس ـ فبراير 207
فبراير 2017
مع عبدالكريم الشيخ ـ يناير 2014
مع عبدالكريم الشيخ ـ أكتوبر 2012
يناير 2012
مع صديقه الراحل عبدالله المحسن
تنويه:
جميع صور الوثائق حصلتُ عليها من الراحل سنة 1991م.
جميع الصور التقطتها بنفسي للراحل أثناء تردده على مجلس الصديق عبدالكريم الشيخ، في بلدة القديح.
تغمد الله الفقيد السيد حسن أبو الرحي بواسع رحمته ورضوانه وأسكنه الفسيح من جنانه. نتمنى عليك أستاذ حبيب أن تتحفنا ذات يوم بجمع إنتاج الفقيد من شعر ونثر، مشفوعا بدراستك النقدية الأدبية، وتحليلا لانعكاس إنتاجه الأدبي وما يعنيه ذلك من ارتباط بوضعه الإجتماعي والمرحلة الثقافية التي عاشها.
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الفقيد المرحوم السيد حسن كما وصفه الكاتب أعلاه و نزيد عليه ان له شعرا في ال البيت و منه ملحمة فيهم ع من ٣١٣ بيتا و قد علق عليها ايضا فهي كتاب كامل
و ايضا طبعت له مؤسسة طيبة لاحياء التراث المجموعة الاولى من ديوانه في مجلد كبير كما طبعت له كتاب دولة العدل الالهي.
نساله تعالى له الرحمة و لاهله و محبيه الصبر و السلوان