14 مواطناً تجاوزوا ماضيهم وعادوا إلى حضن الوطن مباحث الشرقية تحتفل بتخريج الدفعة الـ 20 من برنامج "بناء"

الدمام: صُبرة

في وسط الحفل؛ اُعلن عن فيلم تسجيلي. خفَت ضوء القاعة قليلاً، أضاءت الشاشة الكبيرة، ظهر “تَتَرْ” الفيلم.. ظهرت الكلمات الأولى في “التَّتَرْ”:

رئاسة أمن الدولة..!

مباحث المنطقة الشرقية..!

وفي الخلفية صورة العلم الوطني، وفي الصوت:

سارعي للمجد والعلياء.. مجّدي لخالق السماء.. وارفعي الخفّاق أخضر.. يحمل النور المسطر.. ردّدي الله أكبر..يا موطني.. موطني ..عشت فخر المسلمين.. عاش الملك للعلم والوطن.

 فيلم.. ومباحث..!

ليس مألوفاً أن تُشاهد فيلماً عن “المباحث” في قاعة مسرح. وليس معتاداً أن تكون واحداً من حشدِ مواطنين عاديين في ضيافة قائمة من كبار الضبّاط والمسؤولين الأمنيين. مع ذلك؛ بدا مساء الخميس الماضي حفلاً اعتيادياً. شاهد الحضور فيلماً تسجيلياً عن مشروع إصلاحي جبّار، وكأنهم يُشاهدون فيلما بيئياً أو ثقافياً أو اجتماعياً.

في الفيلم؛ ظهر موصوفون بـ “معتقَلين”، يتحدثون مثل أي مواطنٍ تجاوز ماضيه، متطلعاً إلى مستقبل يكون فيه مشاركاً، من موقعه، في أي عملٍ بنّاء.

هذا بعض ما حدث في ليلة الاحتفال بتخريج 14 نزيلاً من سجون مباحث المنطقة الشرقية، من برنامج “بناء”، بحضور شخصيات اجتماعية ورسمية، بينهم عضو مجلس الشورى سابقاً محمد رضا نصر الله، ورئيس بلدية القطيف المهندس زياد مغربل، ورئيس نادي السلام فاضل النمر، ورئيس جمعية العوامية جعفر الخباز، ومدير صحة البيئة ببلدية القطيف كرار الفرج، ورئيس مجلس أعمال القطيف بغرفة الشرقية عبدالمحسن الفرج، وعضو مجلس المنطقة الشرقية عبدالله آل نوح، ورئيس خيرية القطيف عصام الشماسي، ورئيس نادي الترجي إحسان الجشي، وبعض صحافيي محافظة القطيف، بينهم: زهير عبدالجبار، ماجد الشبركة، خالد السنان، جعفر الصفار، منير النمر، محمد التركي، وليد سليس، حبيب محمود. إضافة إلى نشطاء اجتماعيين، بينهم نسيمة السادة، عالية فريد، الدكتورة لمياء الإبراهيم، ومجموعة كبيرة من أهالي المستفيدين.

برنامج بناء

ليست المرة الأولى التي يكشف فيها جهاز المباحث العامة، في المنطقة الشرقية، عن وجود برنامج إصلاحي خاصّ بالسعوديين المتورطين في قضايا أمنية من الطائفة الشيعية. وليست المرّة الأولى التي يحتفل فيها بتخريج نُزلاء مشمولين بأحكام قضائية، من سكّان محافظتي القطيف والأحساء. فهناك 19 دفعة سابقة للبرنامج، أولاها كانت عام 1435.

لكن ما حدث، مساء الخميس الماضي، يؤكد جدّية جهاز أمن الدولة، ممثلاً بالمباحث العامة، في المضيّ قدماً نحو مسار “الإصلاح”، وتسخير الإمكانيات المختلفة لمساعدة المُخطئين على تصحيح مسار حياتهم، وإعادتهم إلى المجتمع للمشاركة في البناء والنماء.

وسبق لمباحث المنطقة الشرقية أن كشفت عن رؤيتها الإصلاحية للبرنامج. إذا كانت الغاية هي الإصلاح؛ فإن من المفيد التعامل مع قناعات النزيل نفسه. أن يُخاطبه مثقفون من محيطه الاجتماعيّ، ويدربه اختصاصيون يعرفهم ويعرفونه. وعلى هذا تطوّعت مجموعة من الاختصاصيين والفنانين من محافظة القطيف والأحساء للمشاركة في برنامج “بناء” الذي يستهدف إصلاح النزلاء، منذ صدور أحكام القضاء في حقهم.

وهذا لا يعني أن الموضوع مصنّف على نحو مذهبي، فالاختصاصيون ـ إجمالاً ـ من جميع المواطنين، أي من السنة والشيعة، ويعملون منذ بداية انطلاقة البرنامج بروح الفريق الواحد، ولهم تقبُّل من جميع المستفيدين. إنهم أكاديميون مهنيون يتعاملون مع المستفيد، أياً كان فكره او توجهه، على أنه مواطن، وهم موجودون لخدمته وتأهيله نفسياً واجتماعياً بكل مهنية ووطنية.

لسان الأسر

وهذا ما شهد به الصحافي منير النمر في كلمة أسر المستفيدين، إذا ألقاها في الحفل نيابة عنهم. وقال “وجدنا أن فريق العمل، والقائمين على برنامج الرعاية والتأهيل “بناء”، يبذلون جهدهم، في تقديم مختلف المنافع والمكاسب والمساعدة، لتمكين المستفيد وأسرته ليعيشوا بكرامة، فقد تعدت برامج التأهيل النفسي والاجتماعي والثقافي، والسلامة الفكرية، إلى التأهيل لسوق العمل، ليكون المستفيد وأسرته، فاعلين في المجتمع، وعناصر صالحة وإيجابية، في خدمة الوطن وعجلة تقدمه”.

وأضاف “ إنني أصالة عن نفسي، ونيابة عن جميع أسر المستفيدين، أتقدم لقيادة هذا الوطن حفظهم الله ورعاهم، سيدي خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، بالشكر والامتنان، على ما بذلوه ويبذلوه، من أجل رفعة هذا الوطن وأبنائه، كما أتقدم بالشكر الجزيل، لكل المسؤولين في وزارة الداخلية، وإلى جميع القائمين على برنامج الرعاية والتأهيل “بناء”، وإلى كافة فريق العمل، على ما بذلوه ويبذلونه، من أجل أبنائنا المستفيدين وأسرهم، وأشدد أن هذا النجاح، هو في الحقيقة نجاحهم، وإنهم من يستحق منا التكريم، على ما بذلوه ويبذلونه من جهد، وعلى ما قدموه ويقدموه من برامج”.

حياة مسالمة

كان الحفل قد بدأ بالقرآن الكريم. ثم تولّت المذيعة عفاف المحيسن عرافته. بعدها أدلت الدكتورة فضيلة العوامي بشهادتها من موقعها القيادي من البرنامج. تحدّثت العوامي عن تغيير الإنسان إلى الأحسن، عن بناء الإنسان، عن المجتمعات المسالمة الآمنة. عن الناس الذين يريدون الذهاب إلى المدارس والمعاهد وأماكن العمل بشكل اعتيادي.. الحياة الآمنة المحمية.

استفادة شخصية

تلاها المنسق النفسي حسين الناصر، قبل أن يأتي دور أحد الخرّيجين ويتحدث عن استفادته الشخصية من البرنامج. أشار إلى “تجاوز ما حدث” قبل السجن، والعودة الكريمة إلى المجتمع، واستغلال الطاقات والإمكانيات من أجل الإسهام في بناء الوطن. أكد شكره وشكر زملائه الخريجين للبرنامج والقائمين عليه، وعلى رأسهم المقدم سعد القرني الذي أشرف على تنفيذ البرنامج ومنحه الكثير من اهتمامه.

برنامج وطني

ومن زاوية مقابلة أدلت التشكيلية كريمة المسيري بشهادتها بوصفها من أعضاء البرنامج الذين تعاملوا مع النزلاء.. وقد وصفت البرنامج بأنه “وطني تشرف عليه مباحث المنطقة الشرقية يهدف الى مواجهة التطرف وتحقيق الامن الفكري ويعزز روح الانتماء الوطني لإصلاح الفئات المجتمعية”.

وتضيف المسيري هناك “برامج علمية وعملية متخصصة يقوم عليها نخبة من الأكاديميين والمتخصصين المهنيين الذين يعملون على بناء وتنمية المهارات الاجتماعية والنفسية لتحقيق الامن المجتمعي والمحافظة على مقدرات المجتمع وكل هذا يتم عن طريق وضع خطة وأهداف ومعايير ذات عوائد إيجابية على المستوى الشخصي والمستوى الاجتماعي للمستفيد، بل ان البرنامج يستهدف ثلاث فئات (النزلاء – وأسر النزلاء – والمجتمع المحلي).

مفهوم الإنسان

في الحفل؛ ألقى المستشار علي القضيب كلمة مؤثرة. ركز على أن الإنسان هو الأهم. ونوّه بالبرنامج انطلاقاً من هذا المفهوم. البرنامج ـ على حدّ تعبيره ـ لم يُعطِ النزلاء سمكاً، بل علّمهم صيد السمك. والمقصود هو إعداده إعداداً إيجابياً ليكون فاعلاً في المجتمع، ومشاركاً في بناء وطنه. والدكتور القضيب لديه ترجمة عملية رائعة مع النزلاء، بعد الحفل. وطبقاً للمقدم القرني؛ فقد بدأت شركته “هجر”، منذ أمس الأول الأحد، استقبال الخريجين الـ 14 وقابلهم الدكتور القضيب شخصياً لإلحاقهم بالدورات التي تقيمها الشركة، وهي دورات منتهية بالتوظيف.

 عائد إلى الوطن

كانت الكلمات تتوالى في الحفل، والنزلاء وأسرهم يُصغون، والحضور يشهَدُون بأعينهم ما يجري. لم تكن شهادات القصة تتحدث عن سُجناء أنهوا محكومياتهم وعادوا إلى ذويهم. بل عن “بناء” إنسانٍ صالح، تجاوز ماضيه وعاد إلى حضن وطنه ومجتمعه.

انتهى الحفل؛ وجاء وقت التكريم، نوديت أسماء النزلاء بكلّ احترام. لم يُستخدم وصف “النزيل” لأحد، بل وصف “المواطن” في تأكيد عميق للدلالة. كرّم مديرُ مباحث المنطقة الشرقية “المواطنين/ النزلاء”، وكرّم أعضاء البرنامج من جهاز المباحث والمشاركين تطوّعاً. وفي آخر مشهد كرّم أهالي الخريجين مدير المباحث بلوحةٍ لخادم الحرمين الشريفين وولي العهد رسمها منير النمر، وقدمها رئيس تحرير “القطيف اليوم” الزميل ماجد الشبركة.

اقرأ أيضاً: محمد رضا نصر الله:

شهادة فضيلة العوامي!

واقرأ أيضاً لعضو برنامج “بناء”:

“بناء”.. حضن الوطن الدافئ

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×