التغيير.. ضرورة الحاضر والمستقبل
نجيب الخنيزي* |
هناك حاجة ملحة للتغيير في بلادنا أكثر من أي وقت مضى، خصوصًا في ضوء ما تضمنته الرؤية 2030 من طموح نحو التغيير والتجاوز في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وما تواجهه بلادنا من استحقاقات وتحديات ضمن بيئة إقليمية دولية مضطربة، وعلى قدر كبير من السيولة، ويسودها عدم اليقين.
وهو ما يتطلب العمل على تطوير وبلورة وترسيخ الهوية الوطنية والدعوة إلى أسلوب ومنحى جديدين للخطاب والحوار والمكاشفة والمصارحة والشفافية خارج إطار الصياغات التقليدية في كل ما يمس الحاضر ومتطلباته واستشراف المستقبل واستحقاقاته، مما يستدعي تعميم وترسيخ مفاهيم العقلانية والتنوير والتسامح وتقبل الاختلاف.
فلا ضرر من تعدد قراءات الواقع، بل الضرر كلّه في محاولة تنميط الوعي والفكر والممارسة.
ما نحتاجه ليس تمثلاً نرجسيًا زائفًا للذات والواقع يجمل القبح ويتستر على القروح، بل امتلاك الشجاعة والجرأة والعقل والقلب المفتوح لتحديد مكامن الخلل والضعف إن وجدت ومحاولة تجاوزها.
على هذه الأرضية تكمن أهمية الإصلاح والتطوير الشامل للبنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، التي تضمنت الرؤية التي طرحها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز جوانب مهمة منها، وابتداءً من تنويع القاعدة الاقتصادية، ومرورًا بتطوير الجهاز الإداري (البيروقراطي) وقطاع الخدمات وتنمية القوى البشرية (الإِنسان) التي هي هدف ومحور التنمية الشاملة، إلى جانب المواجهة الحازمة لكل حالات ومظاهر الفساد المالي من خلال تفعيل دور الهيئات الرقابية والقضائية.
ومن هنا تنبع أهمية وضرورة العمل على بناء وتبلور المجتمع المدني وتشكل وتكامل مؤسساته.
إن عملية التقدم والتنمية الشاملة هي سيرورة متواصلة لا تعرف التوقف والمراوحة والجمود، وهو ما يشكل الأرضية الحقيقية للاستقرار، الأمن، الوحدة الوطنية، التنمية المستدامة، وبكلمة التقدم نحو المستقبل.
وضمن هذا السياق لا بد من التنويه بتشكيل مجلس الشورى ونظام المقاطعات وإعلان النظام الأساسي للحكم، وتنظيم الانتخابات البلدية، وتطوير البيئة الحقوقية والاقتصادية والاجتماعية لمشاركة المرأة في مجالات حيوية، غير أن أي تجربة تاريخية لا يمكن لها أن تتشكل مكتملة ومستوية وناجزة. لم يحصل ذلك في الماضي ولن يكون في الحاضر والمستقبل.
فالتجربة والممارسة الدنيوية شأن إنساني يتعرض للتطوير والتغير والتبدل حسب متطلبات الأوضاع والظروف الموضوعية، وقبل كل شيء مستوى وعمق التغير الذي يطال وعي وإرادات الأفراد والجماعات حكامًا ومحكومين.
المجتمعات كافة بحاجة إلى معادلة واجبات وحقوق الدولة وواجبات وحقوق المجتمع (العقد الاجتماعي).
باستثناء العقيدة والأصول والشريعة الإسلامية ليس هنالك شيء مقدس ومتعالٍ وأبدي وخالد، وهو ما يتطلب التفريق بين جوهر وأصول الدين السماوي، وبين الفكر الديني (الأرضي) الذي هو اجتهاد بشري قابل للصواب والخطأ والتجاوز، وهو ما أجمع عليه عديد من كبار العلماء والفقهاء المسلمين القدماء منهم والمعاصرين على حد سواء.
من هنا نحن بحاجة إلى تجديد وتطوير الخطاب الديني والمناشط الدعوية لتوائم احتياجات ومتطلبات الواقع المتغير.
_________________
- صحيفة الجزيرة، الأحد 13 ربيع الثاني 1439 العدد 16530 ..Sunday 31/12/2017