فاصلة من فواصل الحياة

أثير السادة*

بالأمس كنا نعيش داخل أعمارنا، نلهو مع الصبية دون أن نسألهم عن أعمارهم، لكن ما إن تأخذنا موجة الدرس إلى فصولها يصبح العمر فاصلة من فواصل الحياة، تجعل بينك وبين من قبلك ومن بعدك مسافة فاصلة، لا أذكر بأني عرفت الكثير من خارج العمر إلا من كان داخل العائلة، وحدها العائلة باتساع عنوانها تسمح باجتياز المسافة ، ولو كانت سنة واحدة!.

كانت الحصة الأولى من الموسم الدراسي يومها تبدأ في شهر ذي الحجة، وبها يضع النظام مسطرته لرسم الحدود بين المقبولين وغير المقبولين للسنة الجديدة، سبع سنوات هو الحد الأدني يومها لولوج عباب البحر، وطرق أبواب المدرسة، الذين تحملهم أكف القابلات في منتصف العام هم أصحاب حظ سيء، ولعله حظ جيد، لا أعلم، فهم متأخرون عن أقرانهم في الالتحاق بفصول الدراسة، ستتعب الأسر وهي تدخل في سباق من المفاوضات لأجل منح أطفالهم كرسيا قبل إكمالهم سنتهم السابعة ولو بأشهر قليلة، وكأنه كان واجبا عليهم أن يجدولوا مواعيد الولادة لتناسب موعد التسجيل المدرسي!.

ولأني من المولودين في مطلع السنة الهجرية، وفي شهرها الثالث، كان باب الاحتمال مفتوحا على أن أكون متأخرا عن رفقاء الصبا، أبناء عمومتي ممن تخيروا مواعيد قريبة لكنها متفاوتة لإطلاق صيحتهم الأولى في هذه الحياة، كان النظام يحضر لي موعدا آخر غير موعدهم، لولا أن القدر في المقابل قد تخير هو الآخر وسيطا يهبنا الوصول والدخول…علمت متأخرا بأن هذا الوسيط هو الأستاذ علي طاهر الموسى، والذي أحتفظ بصورته ضمن خزانة الصور الأثيرة للمرحلة الابتدائية.

أتذكر كل ذلك الآن وأنا أقلب إصدارا يجمل أسماء الخريجين من كلية الإدارة الصناعية بجامعة البترول، أتطلع في أسماء دفعتنا وأتذكر أصدقاء جمعناهم من كل مرحلة دراسية، وهناك الكثير منهم سيصبحون كالظل في كل السنوات الدراسية، لأن مواعيد ولادتهم كتبت لهم أقدارا مشتركة!.

ماذا لو تأخرت في الدخول إلى المدرسة كما يقترح النظام؟. سؤال طفولي، لكنه بحجم المحطات التي مرت، فرفقاء الدراسة كتبوا سطورا في دفاتر أيامنا، من أول صف دراسي حتى آخره، وفي آخره الكثير من التحولات، رفقة الدرس في مطلع الجامعة كتبوا بنحو أو بآخر آخر مشهد في سيرتها، يومها كانت الجامعة تهيئ لنا كل الاحتمالات لمستقبل الحياة القادمة.

اليوم لا سقف للصداقات، فلا فاصلة المدرسة ، ولا فاصلة العمر، بإمكانها أن ترسم خارطة الأصدقاء في تالي العمر، نحن الذين لم نخرج من الجغرافيا حتى بلوغنا أبواب الجامعة، سنرى صغارنا وهم يجمعون صداقات ممتدة على جغرافيا مفتوحة كما نجمع الطوابع في صبانا!.

_______________

* من صفحته الشخصية في فيس بوك.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×