فاجعة صفوى.. الأحمد راقص عريس ابنته.. ثم سقط ميتاً عند قدمَيْ والده المدينة مصدومة وحزينة على رحيل رجل من خيارها

صفوى: أمل سعيد

مدينة صفوى ليست بخير، منذ يومين والمدينة حزينة على الرحيل الصاعق لناصر محمد عباس الأحمد، وهو يحتفل بأهازيج زفاف ابنته الكُبرى “آلاء”، الطبيبة التي تتخصصّ في طب الأطفال.

كلُّ شيء مؤلم وموجع وصادم حدث بسرعة، وسط احتفالية الزواج الذي اضطرب مساء الجمعة الماضية، وتحوّل العرس إلى مأتم لن تنساه المدينة بسهولة.

توفي ناصر الأحمد في لحظة من عنفوان سعادةٍ، ولاقى ربّه محمولاً على أدعية الرحمة، وواراه الناس نهار أمس السبت.

فمن هو ناصر الأحمد.. وما الذي حدث..؟

بيئة أسرة

في عائلة كبيرة مكونة من أب وأميّن و7 إخوة و12 أختا نشأ ناصر محمد عباس الأحمد، وتعوّد أن يجلس في سفرة الغداء بجوار أخوته متزاحمين. هكذا أراد لهم أبوهم أن يتربوا بجانب بعضهم، كل كتف يجاور كتف أخيه ويسنده.

أما الزوجتان فهما أم لكل الأولاد. وعلى هذه الروح تربى المرحوم ناصر الأحمد، محباً لكل أخوته، عطوفاً، كريماً. تقول أخته جيهان “كان أخي كريما سخياً، لا يدخر مناسبة، بل يوجد المناسبات، كي يجود على من حوله، ويساعدهم”.
أما زهراء الرهين ابنة عمته فتقول “كان أبو محمد يتميز بالبشاشة ولطف الحديث والمشاكسة المحببة للمقربين منه، حتى أن المرحومة أم عبدالله (أم زوجته) تعده واحداً من أولادها. كنا نجتمع كل ليلة سبت فيحصل أن تسأل عنه قبل أن تسأل عن أولادها”.

وتكمل “يملك المرحوم طاقة لطف كبيرة، كان يهتم بالجميع الكبير والصغير لذا أحبوه جميعا، لقد كان وجوده يزّين المكان أينما حل، يحمل روحا شابة عصية على العمر، يفرح بكله، ويشارك الآخرين فرحهم بنفس القوة، ويعبر عن ذلك بوضوح وحميمية”.

هذا هو الراحل.. فماذا حدث..؟

لحظة وصول العريس قاعة الأفراح

ليلة الزواج

أخوه حسن الأحمد يصف المشهد ليلة وفاة أخيه فيقول “عندما أردنا زف المعرس إلى عروسه، طلب بعض الحضور من المنشد أن ينشد أهزوجة أخيرة لمدة 3 أو 4 دقائق، وفعلاً راح المنشد يترنم. وفجأة سمعت صوت ارتطام لافت.. وإذا بأخي ملقى على الأرض.

تجمع الأهل وتشتت الناس بين من يريد أن يساعد ومن يأمر بالابتعاد عن المصاب، ليتمكن المسعفون من عمل اللازم، وحتى لا يضيق عليه التنفس. رفعت رجليه عن الأرض، خطر ببالي ربما انخفض ضغطه، كان نفسه ضعيفا جداً، واتصل اخوتي بالاسعاف، انتظرناهم 5 دقائق، ولما لم تصل سيارة الإسعاف نقلناه أنا وأخوتي عبدالله وعلي وعادل بسيارتنا إلى مستشفى صفوى”.

العريس يقبّل رأس والده

يكمل حسن الأحمد “كان الطريق من أم الساهك إلى مستشفى صفوى قريبا وهيناً في الأوضاع العادية إلا أنه طال تلك الليلة، وفي الطريق أجرى له أخي عادل عملية تنفس صناعي، ورغم المشقة التي واجهها في أجراء التنفس الصناعي لم يتوقف بل أنه حتى عندما وصلنا باب المستشفى قال انتظروا لحظات ليقوم مرة أخيرة بإسعاف أخيه بقليل من هواء علها تنعشه”.

إنعاش

في غرفة الإنعاش حاولوا إخراجنا لكننا بقينا أنا وأخي عبدالله، لم يسعنا فعل شيء هنا، كنت بين حين وآخر أمسك قدم أخي وأتوسل لله أن يلطف بنا، وينجو أخي مما هو فيه، وللحق كان الطاقم متفانياً في أداء واجبهم، وكنت بين حين وآخر أعرض المساعدة والطبيب يرفض، وعندما يئس الطبيب ومساعدوه من عودته للحياة، تكلمنا مع الدكتور بخصوص الصعق الكهربائي، ربما يجدي ويعيده إلينا، استجاب الطبيب لرجائنا مع أنه كان متيقنا بألا أمل، وأن أمر الله قد نزل.

وعلى مدى 50 دقيقة كانت المحاولات مستمرة في إنعاشه. بعد ذلك حاولت أنا علّه يستجيب ولكن دون جدوى، كررت محاولاتي إلى أن شعرت بالانهيار، عندها قال لي الطبيب ليس لك إلا أن تسلم أمرك لله، وتتوكل عليه. 

حفل العروس

انتقل الخبر للجانب النسائي عبر ابنه محمد وخاله طارق، حيث كان عليهم أن يوصلوا الخبر لزوجته أم محمد بطريقة هادئة، وبأسرع ما يمكن لإنهاء مراسم الاحتفال. بعض النساء شاهدن السيارة وبدأ التوجس وعلت أصوات بعضهن، نهرتهن وقلت الأمور طيبة ولا شيء يدعوا للصراخ.

اقترح الزوج أن يدخل الصالة ويأخذ عروسه كي لا تشعر بشيء لكني رفضت خوفاً من أن يضعف، ويعلم الحضور بما جرى ويحدث مالا نريد، وأوصيته أن يتحلى بالصبر، وهكذا نصحه أبوه أيضاً.

قلب مفتوح

لم يكن المرحوم يشكو من شيء قبل ليلة الزفاف، صحته كانت جيدة، إلا أنه أجرى عملية قلب مفتوح قبل 5 سنوات، وبشكل عام كان أخي رياضياً، مع أنه بلغ الـ 62 عاماً، وكان في شبابه أحد لاعبي نادي الصفا، يمارس أكثر من لعبة، وكانت ألعاب القوى هي المفضلة لديه، يهتم بصحته وبنظامه الغذائي، ويمشي يومياً بشكل منتظم لمدة ساعة إلى ساعة ونصف.

عائلة

عنده 3 أولاد وابنتان، وأحد أولاده (مؤيد) معاق نتيجة إصابة قديمة حصلت له قبل 22 سنة، حيث كان يركب الخيل في شارع محلي وحين رأت الخيل السيارة هاجت وسقط من عليها واصطدم رأسه بالأسفلت، تقطعت موصلات عصبية عند المخيخ، وظل معاقا منذ ذلك الحين، وكان يبلغ حينها 15 سنة.

أكبر أولاده محمد، يحمل البكالوريوس، من الأكاديمية البحرية المصرية، متزوج، والابن الثاني هو مؤيد المصاب، ثم آلاء وهي العروس، طبيبة تحضّر برنامج تخصص أطفال في مستشفى القطيف المركزي. ثم أمين الذي يعمل مهندساً، وهو متزوج أيضاً، وأصغر أبنائه شهد وهي على وشك التخرج في أحد التخصصات الصحية، متزوجة.

تآلف

نجتمع كلنا مرة كل أسبوع في بيت العائلة، لكني والمرحوم نذهب معاً إلى الوالد أطال الله في عمره ليلة الثلاثاء أيضاً.

كان أخي موجوداً في كل صغيرة وكبيرة تمس العائلة، يساعد هذا ويحنو على آخر، لا يتأخر في استشارة أو حل مشكلة.

بلسان أخته

كان في يوم العرس يعمل كنحلة، لا يهدأ، يريد لكل شيء أن يكون على أكمل وجه، كان أخي صاحب ذوق رفيع.

وصلتنا المقاطع الأخيرة لما حدث وقت سقوطه، لا شيء يصدق.. المنشد يقرأ الأهزوجة الأخيرة قبل الزفاف، وقف أخي مع زوج ابنته وأبوها ليكونا حلقة ترقص على الأهزوجة تحيط بهم حلقة أكبر من أخوتي وأولادنا، وفي هذه اللحظات وفي عنفوان فرحته يسقط ويرتطم بالأرض، العجيب أن لم يكن أحد خلفه من الحلقة الكبيرة فسقط قريبا من رجلي أبي المُقعد، صرخ أبي “ولدي ولدي” اجتمعوا عليه وحاولوا إنعاشه، ثم نقل للمستشفى.

كان أخي مهتما بتفاصيل زواج ابنته كثيرا، اتفق مع ابنته على أصغرها وأدقها، كتسريحة ابنته وفستانها، والأغنية التي سوف يدخل عليها، والوقت الذي سوف يدخل فيه، كان يكرر لابنته: أريد أن أراك كالأميرات.. وحين جاء وقت دخوله لم يأت، فاتصلنا به لكنه لا يجيب، وأخوة العروس أيضا.. لا أحد يجيب.

ثم وصلنا كلام من الرجال يأمر بإنهاء الزواج الآن الآن؛ لأن الشرطة جاءت صالة الرجال من أجل الاحترازات لذا يجب إيقاف مراسم الزواج.

لكن لم يكن الكلام مقنعا فعدد الحضور لم يصل للعدد 50، حتى العروس لم تدعوا لحفلها إلا زميلتين لها والباقي هم أفراد العائلة.

حينها سمعت من زوجة محمد ابن المرحوم كلام مفاده أن أبو محمد تعب قليلا، اتصلت بأحد أخوتي وسألته عن سبب انهاء الحفل، هل حقا من أجل احترازات كورونا أم لأن أخي تعبان؟

أجابني بنعم ولم يزد، لكن الإحساس الذي عبرنا جميعاً، وخشينا التعبير عنه أن الأمر أكثر من تعب”.

كان الأصعب محاولة إقناع العروس بإنهاء الحفل في الوقت الذي كانت تنتظر فيه دخول أبوها، كما كان مخطط، تكمل جيهان

“انتهت الحفلة دون أن تزف ابنة أخي إلى عريسها، بل عادت إلى بيت أهلها بعد أن غادر أبوها البيت، كان يقول لها بقي أن أزفك إلى عريسك وأكون أديت مهمتي، لم يتم مهمته، ولم يمهله القدر لأدائها”.

اقرأ ايضاً

مأتم في عرس.. الموت يخطف مواطناً ليلة زفاف ابنته الطبيبة

‫4 تعليقات

  1. إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم..
    رحمه الله برحمته الواسعة وحشره مع محمد وآل محمد الطاهرين وعظم الله أجوركم والهمكم الصبر والسلوان والفاتحة المباركة على روحه الطاهرة..

  2. انا لله وانا اليه راجعون
    رحمك الله يا ابا محمد واسكنك فسيح جناته
    عزائنا موصول لأهل الفقيد واخوانه و ذويه
    عظم الله أجوركم وأحسن الله عزائكم

  3. مؤلم حد الوجع.. لا تملك انسياب دموعك وانت تقرأ هذه التفاصيل.. لك ان تتخيل اوجاع محبيه وبالخصوص ابنته العروس.. امرها محزن جدا فيكفي ان ذكرى زواجها اقترن برحيل والدها.. فعلا ما جرى يفطر القلب ولكن لا ملاذ من التسليم لقضاء الله وقدره
    اللهم خفف اوجاعهم والهمهم الصبر والسلوان
    انا لله وانا اليه راجعون

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×