ما هي علاقتي بإسقاط الجنسية العراقية عن الجواهري..؟

محمد رضا نصر الله

استثارتتي قصيدة منسوبة للشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري بعنوان “سل مضجعيك” مخاطباً فيها الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، ردا على قراره إسقاط الجنسية عن الشاعر العراقي..

سبب الاستثارة هو ذكر أبعاد هذه الحادثة وخلفيتها. فالمعروف لقارئ سيرة الجواهري أنه غادر العراق إلى براغ، في نهاية حكم الزعيم عبدالكريم قاسم، أول رئيس جمهوري للعراق.

وقد كانت تربطه علاقة إعجاب بالجواهري، منذ كان قاسم ملحقاً عسكرياً للمملكة العراقية في لندن. حيث كان يسامر الشاعر أيام زيارته لندن في أخريات الثلاثينيات الميلادية. وقد بدأ الجواهري في الانطلاق كالنجم الثاقب في سماء العراق والعالم العربي، خاصة وقد واكب هذا الانطلاق، معركته الشهيرة المدوية مع المفكر القومي “ساطع الحصري” مدير المعارف العام، على إثر محاولة الجواهري الدؤوبة تعيينه مدرسًا في سلك التعليم ببغداد دون جدوى.! رغم انفصاله عن مسقط رأسه بالنجف الاشرف.

وقد تخلى الجواهري عن زيه الديني باطراحه العمامة، وانقطاعه عن تراثه العلمي في بيته، حيث كان جده الشيخ محمد حسن الحواهري المتوفي سنة ١٢٦٦ هجرية، احد ابرز مجتهدي النجف وفقهائه الكبار بكتابه الموسوعي الفقهي الاستدلالي “جواهر الكلام في شرائع الاسلام”، هذا الذي يذهب حفيده الشاعر الجواهري، إلى أن الفقيه الدستوري المصري عبدالرزاق السنهوري، اعتمد على كتاب جواهر الكلام في مدوناته الدستورية.

وقد ظل الجواهري يستوطن براغ سنين طويلة، لم يعد فيها إلى العراق الا مع تولي حزب البعث مقاليد الحكم، بانقلاب أحمد حسن البكر على حكم عبدالرحمن عارف سنة ١٩٦٨، وذلك بدعوة من الفريق صالح مهدي عماش وزير الداخلية – إذاك – معجباً هو الآخر بشاعرية الجراهري التي ملأت الخافقين، الا أنه سرعان ما عاود الرجوع الى مغتربه التشيكوسلوفاكي، بعدما تبدّت له أنياب الاستبداد البعثي في العراق.

وسرعان ما جعله – بعد طول اغتراب – يلبي دعوة حافظ الاسد، الرئيس البعثي الآخر في سوريا، حيث أقام بقية عمره في دمشق.

أثناء تمعُّني في القصيدة الهجائية المنسوبة الى الجواهري في ذم صدام حسين بسبب إسقاطه الجنسية العراقية عنه، تذكرت أنني قد أكون أحد المتسببين في سحبه منها..!!!

ويعود ذلك الى اقتراحي عليه دعوةً من المملكة إلى حضور مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة السنوي، وذلك بعد انتهاء مقابلة تلفازية أجريتها معه لمحطة mbc مساء يوم الاثنين ١٠ صفر ١٤١٥هـ الموافق ١٨ يوليو ١٩٩٤ في فيلته بدمشق.

وهذه مع الجواهري في فيلته المعتبرة في دمشق.

بعد موافقته على مقترحي تم إرسال الدعوة التي حاول من حاول إيقافها. ومع ذلك تمت. واستُقبِل الجواهري في الرياض استقبالاً حافلا برفقة اسرته، ابنه فرات وابنته خيال وزوجها.
وقد طلب مني استقباله في مطار الملك خالد الدولي، و مرافقته طوال مكوثه في الرياض، وقد رافقت معالي الشيخ عبدالعزيز التويجري نائب رئيس الحرس الوطني المساعد في زيارته الشاعر الجواهري للترحيب به، بعد ترتيب اقامته في جناح ملكي فخم بفندق انتركونتننتال الرياض، حيث حظي الجواهري بتقدير خاص من الملك عبدالله – ولي العهد وقتذاك – الذي اعتنى به من بين كل المدعوين العرب عناية خاصة، فأكرمه غاية الإكرام. بل إنه ـ رحمه الله ـ كسر البروتوكول، في حفل استقبال أدباء الجنادرية في قصره، آخذاً بيد الجواهري من بعد تناول طعام الغداء، مرافقاً له الى خارج القصر ليستقل سيارته.

مع الجواهري في جناحه الملكي بفندق انتركونتننتال الرياض وعن بساره ابني فراس.

أثناء الزيارة – والجواهري ما يزال في الرياض – صدر قرار صدام حسين إسقاط الجنسية العراقية عنه، بعدما شاهد هذه الحفاوة على شاشة التلفزيون السعودي، وكذلك صدر قرار سحب الجنسية العراقية عن الشاعر العراقي الأخر عبدالوهاب البياتي الذي استمر حتى أخريات حياته ضيفا مستمراً على مهرجان الجنادرية، بل إن سحب الجنسينة طال كذلك الاعلامي العراقي المعروف سعد البزاز، الذي انقلب على صدام في اللحظات الأخيرة من حكمه المتهاوي.

لمن له صلة بالشاعر العراقي يحي السماوي سوف يوضح أبعاد هذه الزيارة واسقاط الجنسية كشاهد جي على ما جرى.
أما القصيدة المتداولة في شتم الجواهري صداماً، التي حفزتني لاستدعاء تفاصيل إسقاط الجنسية العراقية عن الشاعر محمد مهدي الجواهري، فأحسب أنها قيلت على لسان الجواهري، إذ كان حينها قد بلغ من العمر عتياً، فلم يعد قادرا على النظم.

شاهد المقابلة